من ياسمين أبو طالب وجوزيف مين
سان فرانسيسكو (رويترز) - أوقفت مصر خدمة الإنترنت المجاني التابعة لشركة فيسبوك (فري بيسكس إنترنت) في نهاية العام الماضي بعد أن رفضت الشركة الأمريكية تمكين الحكومة المصرية من مراقبة عملائها وذلك وفقا لرواية مصدرين على دراية بالأمر.
كانت خدمة (فري بيسكس) قد انطلقت في أكتوبر تشرين الأول مستهدفة محدودي الدخل وأتاحت لكل من لديه جهاز كمبيوتر أو هاتف ذكي رخيص إنشاء حساب لخدمة فيسبوك والاستفادة من عدد محدود من خدمات الإنترنت دون رسوم.
وأوقفت الحكومة المصرية الخدمة في 30 ديسمبر كانون الأول وقالت في ذلك الوقت إن الترخيص الذي حصلت عليه شركة (اتصالات) لخدمات الهاتف المحمول لتفعيل خدمة الإنترنت المجاني مدته شهران فقط.
وصرح مصدران على دراية مباشرة بالمناقشات بين فيسبوك والحكومة المصرية بأن خدمة (فري بيسكس) أوقفت لأن الشركة لم تكن لتمكن الحكومة من الالتفاف حول حماية خصوصية المحتوى التي تكفلها الخدمة بما يتيح لها مراقبة المستخدمين. وامتنع المصدران عن تحديد نوع المعرفة الذي طالبت به الحكومة أو الممارسات التي أرادت من فيسبوك تغييرها.
وامتنع متحدث باسم فيسبوك عن التعليق. ولم ترد شركة (اتصالات) على طلب التعليق.
وأحجم محمد حنفي المتحدث باسم وزارة الاتصالات المصرية عن التعليق على ما تردد عن المطالب بمراقبة محتوى الخدمة لكنه ذكر أسبابا أخرى لوقف الخدمة المجانية.
قال "عرض على الشركة تقديم خدمة مجانية للعملاء ورأت الجهة الوطنية المنظمة لقطاع الاتصالات أن الخدمة تضر بالشركات وبمنافسيها."
وخدمة (فري بيسكس) متاحة في 37 دولة بها عدد كبير من السكان وتفتقر لخدمات إنترنت يعول عليها. وهذه الخدمة رئيسية في استراتيجية فيسبوك العالمية. ولا تنشر الشركة إعلانات على خدمة (فري بيسكس) على موقعها الإلكتروني وتطبيقاتها لكنها تهدف للوصول لمجموعة كبيرة من المستخدمين المحتملين الذين لن يتمكنوا بدون الخدمة المجانية من إنشاء حسابات على فيسبوك.
وقالت فيسبوك إن أكثر من ثلاثة ملايين شخص استفادوا من الخدمة في مصر قبل إيقافها وإن مليونا منهم لم تتوافر لديه قط وسيلة لاستخدام الإنترنت. ولا تزال خدمة فيسبوك وتطبيقاتها متاحة في مصر التي يبلغ عدد سكانها نحو 90 مليون نسمة.
ويسلط موضوع (فري بيسكس) الضوء على الخط الرفيع الذي يتعين على شركات الإنترنت العالمية مراعاته في الموازنة بين الاستجابة لمطالب الحكومات وحماية خصوصية العملاء وخاصة في وقت يشهد تزايد القلق من مراقبة اتصالات الإنترنت والتنصت عليها في أنحاء العالم.
ويقول خبراء في خصوصية خدمات الإنترنت إن هذه الحالة تمثل واحدة من حالات قليلة عرف فيها أن شركة إنترنت عالمية تلقت طلبا من حكومة ما بالاطلاع على محتوى الخدمة بشكل خاص ورفضته مما اضطرها لإيقاف الخدمة.
وتواجه (فري بيسكس) للإنترنت المجاني هجوما من جانب نشطاء الإنترنت في أنحاء العالم وبخاصة في الهند لانتهاك الحياد في فضاء الإنترنت من خلال إتاحة الدخول المجاني على مجموعة مختارة من المواقع والشركات مما ينزع ميزة تتمتع بها جهات أخرى.
وأصدرت الجهات المنظمة لخدمات الإنترنت في الهند قواعد جديدة في فبراير شباط أوقفت فعليا خدمة (فري بيسكس) بعد مشاورات علنية على مدى شهرين.
وتحدث حنفي عما حدث في الهند في معرض تفسيره للخطوة المصرية لكن لم يكن هناك نقاش عام أو إجراءات تنظيمية تتعلق بحياد الخدمة أو التأثير التنافسي للخدمة المجانية في مصر.
* حماية أقوى
شددت فيسبوك في سبتمبر أيلول إجراءات حماية الخصوصية بالنسبة لخدمة (فري بيسكس) بعد انتقادات البعض بأنها لم تتخذ خطوات كافية لمنع المراقبة. ويكمن جانب من المشكلة في عدم تمكن المستخدمين من الاتصال بيسر عبر قنوات مؤمنة من خلال التشفير بالمواقع الإلكترونية الآمنة التي تحمل عناوين في مستهلها (إتش.تي.تي.بي.إس).
وهذا يعني أن رسائل مستخدمي خدمة البريد الإلكتروني التي تعتمد على الإنترنت ربما تكون عرضة للفتح. وقد تتمكن السلطات أيضا من معرفة من يزور مواقع إلكترونية معينة.
والآن يمكن لمستخدمي تطبيقات (فري بيسكس) الاتصال مباشرة بالمواقع الآمنة عبر التشفير. ومن يجرون اتصالات عبر موقع فري بيسكس يمكنهم الوصول بأمان إلى خدمة فيسبوك التي تشفر وتعيد تشفير المحتوى قبل إرساله إلى مواقع الشراكة معها.
ولم يعرف إن كانت إجراءات حماية المحتوى الجديدة من العوامل التي ساهمت في القرار المصري بإيقاف (فري بيسكس). ومن غير المعروف أيضا إن كانت الحكومة قد طلبت من شركات تواصل اجتماعي أخرى أو مقدمي خدمات إنترنت آخرين اختراق إجراءات حماية المحتوى.
وحين انطلقت خدمة (فري بيسكس) في مصر لم يرد ذكر لوجود تصريح مؤقت أو مخاوف تتعلق بالقدرة التنافسية أو حياد الشبكة حسبما قال أشخاص شاركوا في النقاش.
وحين تقرر إيقاف الخدمة عبرت فيسبوك عن "خيبة أمل" وعن رغبتها في "حل الموقف قريبا."
وقال عاملون سابقون في فيسبوك إن الشركة لديها من الأسباب ما يدعوها للحرص بشكل خاص لدى الدفاع عن عملائها في مصر.
فقد كان لصفحة (كلنا خالد سعيد) على الفيسبوك التي أنشأها أحد العاملين في خدمة جوجل في دبي عام 2010 بعد موت شاب من الإسكندرية أثناء احتجازه لدى الشرطة دور مباشر في إثارة الاحتجاجات التي أطاحت بحسني مبارك في 2011.
وفي يناير كانون الثاني الماضي وفي خضم حملة على المعارضة قبيل الذكرى الخامسة للانتفاضة التي أطاحت بمبارك اعتقل الأمن المصري شخصين لإدارة صفحات على فيسبوك قالوا إنها تساند جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وتحرض على الاحتجاج.
ولا يزال الاثنان محتجزين مع استمرار التحقيق في الاتهامات المنسوبة إليهما بالتحريض على العنف ونشر أخبار كاذبة.
يقول رامي رؤوف الباحث والاستشاري في أمن الأجهزة الرقمية إنه لو كان حدث أي تحرك لوقف خدمة فيسبوك تماما في مصر لتسبب على الأرجح في رد فعل شعبي قوي. لكن إيقاف خدمة الإنترنت المجاني يمكن أن يحد من انتشار استخدام خدمة فيسبوك بين الطبقات الاجتماعية الأدنى دون أن ينفر مستخدمي الإنترنت من الطبقات الوسطى وأصحاب الشركات.
وقال رؤوف "إيقاف فيسبوك تماما فكرة بعيدة من شأنها أن تحدث تبعات كبيرة."
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية - تحرير سيف الدين حمدان)