المانيا تتحول الى معسكر كرة قدم املا فى الفوز بالمونديال

الأعلام الألمانية تغطى معظم شرفات المنازل فى كل المدن وأيضا رفعت معظم السيارات على مقدمتها ومن نوافذها الأعلام شباب وفتيات وأطفال فى الشوارع، وفى عربات المترو يرتدون الزى الرياضى لمتنخب كرة القدم الألمانى ويرفعون أيضا الأعلام.. هذه هى ألمانيا عشية نهائى مونديال البرازيل.

أينما تولى وجهك ترى علم ألمانيا، أما إذا جلست فى منزلك وحاولت متابعة قنوات التلفزيون أو قراءة الصحف الألمانية ستجدها كلها تفرد مساحات ضخمة للمحللين والمعلقين بل والمؤرخين الرياضيين والعرافين والمتنبئين من جنس البنى آدم والحيوانات أيضا.. لا يزال الجميع مندهشين من نتيجة مباراة البرازيل ليس من الفوز على البرازيل ولكن من 7-1.. الاستعدادات على قدم وساق فى بلديات المدن الألمانية لتجهيز الساحات والميادين العامة بالشاشات العملاقة تقريبا فى كل الولايات الألمانية من بافاريا جنوبا إلى سكسونيا الشمالية ونورد راينفيستفاليا فى الغرب الى ايرفورت فى الشرق وعلى رأسها الساحة الكبرى أمام بوابة نورينبرج التاريخية بالعاصمة برلين والتى من المتوقع أن يتجمع فيها مئات الآلاف لمشاهدة تتويج ألمانيا للمرة الرابعة بكأس المونديال.. هذا ما أخبرنى به صحفى ألمانى مؤكدًا أن نتيجة مباراة البرازيل جعلت الشعب الألمانى واثقا من فوز المانيشافت بالمونديال.

البيزنس أيضا حاضر فى المشهد من خلال أفكار مبدعة لشركات خاصة انتهزت الفرصة وإقبال جمهور غفير من الألمان على مشاهدة المباريات وسط تجمعات خارج المنازل، لذلك فقد استأجرت بعض ملاعب كرة القدم الكبيرة وزودتها بشاشات عملاقة وفرشت أرض الملعب بآرائك وثيرة، وليس مجرد مقاعد فقط وويقوم كل مجموعة من الأصدقاء أو العائلة التى ترغب فى مشاهدة المباراة خارج المنازل بحجز أريكتهم فى أرض الملعب مع البيرة والأطعمة الخفيفة بمعدلات من 80 إلى 150 يورو للأريكة الواحدة من 800 إلى 1500 جنيه مصرى – ودعاية هذه الشركات هى: شاهد نهائى المونديال فى الهواء الطلق مسترخيا على أريكتك ومستمتعا باحتساء البيرة المثلجة وكأنك فى منزلك ويمكنك أيضا الاستمتاع بالتدخين فى الهواء الطلق ليس هذا فقط بل إن شركات البيرة – وهى كثيرة جدًا فى ألمانيا – وشركات المشروبات بكل أنواعها تنتهز مهرجانات المشاهدة الجماعية والاحتفال بالفوز فى الدعاية لمنتجاتها وتوزيعها مجانا أو بأسعار رمزية على الجماهير فى الميادين والشوارع.

ألمانيا صبيحة يوم السبت السابق لليوم الموعود تبدو مستعدة لاحتفال بمهرجان جماهيرى ربما لم يسبق له مثيل مع كثرة المهرجانات والكرنفالات فى المانيا، الأجواء كلها احتفالية والمزاج العام للناس فى الشوارع مشحون بالرغبة فى معايشة لحظات وطقوس احتفالية مرحة وبهيجة والثقة فى الفوز هى القاسم المشترك بين الجميع رغم بعض الخوف من المفاجات، ويشهد يوم السبت من كل أسبوع إقبالا جماهيريا واسعا لشراء المواد الغذائية والمشروبات حيث تغلق المتاجر يوم الأحد إلا أن السبت هذا.. السابق لنهائى مونديال البرازيل يشهد إقبالا شديدا على شراء المشروبات خاصة البيرة منذ الصباح ومن المتوقع أن يستمر طوال اليوم السبت حتى موعد إغلاق المتاجر فى الثامنة مساء وذلك ليتمكن الجميع من شراء مستلزمات سهرة واحتفالية كأس العالم.

المراقب للمشهد فى ألمانيا بعد الفوز التاريخى على البرازيل حتى عشية نهائى المونديال لا يمكن ان يتجاهل زيادة الشعور الوطنى والاعتزاز بالهوية الألمانية لدى الشعب الألمانى خاصة الشباب، وهو شعور عفوى وطبيعى كرد فعل لإنجازات المنتخب القومى لكرة القدم – ويتميز الجمهور الألمانى فى تشجبعه واحتفالاته بالفوز فى كرة القدم عموما بالمسئولية بعيدا عن التعصب الاعمى وبعيدا أيضا عن العنف والفوضوية بل يمارس الطقوس الاحتفالية بسلمية ومرح وشرب المزيد من البيرة وإطلاق الصيحات والهتافات وأبواق السيارات وتبادل القبلات والرقص .. لا تحطيم ولا اعتداء على الممتلكات العامة أو الخاصة اللهم إلا إلقاء فوارغ المشروبات فى الطرقات والشوارع على غير عادتهم، لكن الشرطة تسمح وتتسامح فقط فى الاحتفالات والمهرجانات بل لفت نظرى تسامح المشجعين الألمان حتى مع خصومهم الكرويين، مما شاهدته من مشاركة مشجعين للمنتخب الأمريكى ويرفعون العلم الأمريكى جنبا إلى جنب مع عشاق ومشجعى الماكينات فى إحدى ساحات المشاهدة الجماعية يوم مباراة الولايات المتحدة مع ألمانيا وفى إحدى مدن الولايات الشرقية المعروفة بزيادة أعداد بقايا الشيوعية فيها واليمينيين القوميين المعادين للأجانب.

لا أحد هنا فى ألمانيا يتوقع أن تتحول احتفالات المونديال مهما كانت النتيجة إلى أحداث عنف رغم أن الشرطة فى جميع الولايات الألمانية أخذت كل استعداداتها لكل الاحتمالات ولا أحد يتوقع غير الطقوس الكرنفالية والأجواء الاحتفالية الصاخبة نوعا ما يوم الأحد ومساء الاثنين حتى الصباح، ورغم أن حديث الكرة وأجواء الاحتفالات وارتفاع الروح المعنوية القومية هى التى تطغى على المشهد فى ربوع ألمانيا إلا أن عنصرا جديدا معاكسا تداخل مع أجواء الاحتفالات والثقة وزيادة الشعور الوطنى ونال قسطا واسعا من اهتمام وسائل الإعلام والسياسيين الالمان ألا وهو فضيحة التجسس من الأخ الأكبر الأمريكى وتداعياتها وتطوراتها السريعة.

البعض يتخوف من أن تنتهز المعارضة الضعيفة فى البوندستاج – البرلمان الألمانى – تنامى الشعور القومى لدى الألمان بمناسبة المونديال لإحراج الائتلاف الكبير بزعامة المستشارة ميركل والذهاب بعيدا فى المطالبة بمحاسبة أو حتى معاقبة الأخ الأكبر – الولايات المتحدة – وحكومة ميركل من ناحيتها اتخذت خطوة استباقية وطردت ممثل الاستخبارات الأمريكية من برلين، السياسيون الألمان يحاولون أن يتناغموا مع حالة زيادة جرعة القومية الألمانية التى منحها لاعبو المانشافت من البرازيل للشعب الالمانى، بعض الصحف الالمانية أظهرت غضبها بل وغضبتها من استمرار تجسس الصديق الامريكى واعتبرت أن استمرار مثل هذه الممارسات التجسسية لم يعد مقبولًا وتطالب باتخاذ موقف حاسم وحازم هذه المرة بل وإعادة صياغة علاقات المانيا مع امريكا من جديد، ويزداد الموقف تشابكا ليتختلط ما هو سياسى ورياضى غدا الأحد فى ألمانيا، حيث من المقرر أن يلتقى وزير الخارجية الألمانى شتاينماير بنظيره الأمريكى كيرى فى فينا يوم الأحد أيضا قبيل مباراة نهائى المونديال التى تتعلق بها قلوب ومشاعر الألمان للحصول على جرعة عالية من الابتهاج والفرح والاعتزاز بالدويتشلاند وتزداد الضغوط الشعبية ومن بعض السياسيين فى مثل هذه الأجواء على شتاينماير ليرفع فيتو ألمانى واضح وصريح فى وجه الأخ الأكبر، ويحقق بذلك آمال بعض القوميين الألمان فى الخروج من تحت العباءة الأمريكية – رغم تقديرهم الكبير لمارشال ومشروعه – فهل تحقق ألمانيا يوم الأحد انتصارين تاريخيين فى الرياضة والسياسة معا؟