من ايزابيل كولز
رفيلة (العراق) (رويترز) - كان الجو أشبه باحتفال عندما حمل كل واحد من الرجال السبعة قنبلة ودخل بها البيت الواقع على أطراف قرية في شمال العراق.
تجمع عشرات من سكان رفيلة كبارا وصغارا لمشاهدة بيت جارهم السابق أبو ميثم أثناء نسفه وتصوير المشهد بهواتفهم المحمولة على نغمات موسيقى وطنية تنطلق من سيارة واقفة.
قال السكان إن أبو ميثم انضم إلى متشددي تنظيم الدولة الإسلامية الذين حكموا مئات المدن والقرى من أمثال رفيلة لأكثر من عامين وأخضعوا سكانها لحياة العنف والحرمان.
كان أبو ميثم قد فر عندما طردت القوات العراقية المتشددين من المنطقة العام الماضي أثناء تقدمها شمالا باتجاه الموصل أكبر معاقل التنظيم.
وفي يناير كانون الثاني تم تحرير الشطر الشرقي من المدينة وأعلن العراق يوم الأحد عن بدء الهجوم لتحرير شطرها الغربي.
وفي أعقاب خروج المتشددين شرع السكان المحليون في التخلص من آثار التنظيم كلها فهدموا بيوتهم بل ونبشوا قبورهم.
وتشير الحملة إلى حساب أوسع نطاقا مع الطائفة السنية في العراق والتي انحاز بعض أفرادها للمتشددين الذين اجتاحوا ثلث مساحة العراق عام 2014.
وداخل ذلك البيت في رفيلة الواقعة على مسافة 45 كيلومترا جنوبي الموصل قام عياد جاسم بترتيب المتفجرات على شكل دائرة على الأرض ووصلها بسلك يمتد إلى بطارية.
قال جاسم وهو يستعد لتفجير البيت "هذا ينعش الروح. ما زال هناك بيوت كثيرة." وهذا هو البيت التاسع والسبعين الذي ينسفه منذ سيطرة قوات الأمن على المنطقة.
ولجاسم فيما يفعله دوافع وطنية ودوافع شخصية. فقد نسف التنظيم بيته في قرية أخرى قريبة كما أن 27 من أفراد عائلته اختفوا أو قتلوا على أيدي أفراد التنظيم بمن فيهم طفل عمره عشر سنوات.
والفضل فيما اكتسبه جاسم من مهارات يرجع للقوات الأمريكية التي علمته هو ومجموعة مختارة من الجنود كيفية التعامل مع المتفجرات بعد غزو العراق عام 2003.
أما القنابل وهي عبارة عن أوعية يحتوي كل منها على حوالي كيلوجرامين من مادة سي 4 المتفجرة فقد صنعها تنظيم الدولة الإسلامية واستهدف بها إيقاع خسائر في الأرواح في صفوف أفراد قوات الأمن العراقية أو تشويههم غير أن القوات العراقية حفرت واستخرجتها لاستخدامها.
دمر الانفجار الأول الجزء الخلفي فقط من البيت ولذلك تطلب الأمر قنبلتين أخريين لإنجاز المهمة. ودمر الانفجار الثاني بقية المبنى مقترنا بوميض أعقبه موجة ارتدادية.
وانطلق جمهور الواقفين صوب كومة الركام التي كانت بيتا قبل لحظات وصعدوا فوق السقف المنهار وهم يطلقون الرصاص في الهواء احتفالا بنسف البيت.
* "تطهير الأرض"
كل واحد ممن يعيشون في المنطقة تقريبا له أصدقاء أو أفراد من أسرته قتلوا على أيدي التنظيم وكثير منهم كان من أفراد قوات الأمن.
ففي رفيلة وحدها قال سكان إن التنظيم أعدم سبعة ضباط ونقل عشرات من رجال الشرطة والجنود إلى مكان بعيد حيث يفترض أنهم أعدموا.
وقد عاد كثير من رجال الأمن الذين فروا عندما اجتاح التنظيم المنطقة لينضموا إلى جماعة سنية مسلحة تدعمها الحكومة وتسعى للانتقام.
قال عمار إبراهيم (26 عاما) الذي كان من أفراد قوات الأمن وأصبح الآن عضوا في جماعة سنية "هذه القرية عانت كثيرا. فقد نسفوا (رجال التنظيم) بيوتنا ولذلك فنحن ننسف بيوتهم. لن يتبقى منهم أثر."
وقال ساكن آخر "كل واحد ينظف قريته."
في بعض الحالات نبش بعض السكان المحليين قبور متشددي التنظيم الذين دفنوا في المنطقة.
ووصف أحد سكان رفيلة كيف تم استخراج رفات متشدد معروف باسم أبو طه من القبر في الآونة الأخيرة حيث ربطت بعربة انطلق قائدها يجر الرفات خلفه في الشوارع حتى تبعثرت العظام ولم يتبق منها شيء.
وقهقه عدة أطفال كانوا ينصتون له ابتهاجا بما كان يرويه.
وسجلت مجموعة من الصور هذه الحادثة ونشرت على صفحة فيسبوك لواحد آخر من سكان رفيلة من أفراد جهاز مكافحة الإرهاب يحث كل من لديه معلومات عن مواقع أخرى لقبور المتشددين أن يتصل به حتى يمكن تطهير الأرض منهم على حد قوله.
وفي صورة لحادث آخر تم استخراج جثة متشدد آخر في المنطقة نفسها ووضعت جمجمته على سيارة وضعت سيجارة بين الفكين اللذين كانت كل أسنانهما مخلوعة باستثناء واحد.
* "دماء الشهداء"
كان أبو ميثم من موظفي وزارة النفط العراقية قبل أن تخضع المنطقة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية وكان مشاركا في مقاومة القوات الأمريكية منذ عام 2003 مع شقيقه الذي تم أيضا هدم بيته القريب.
وقال سكان في رفيلة إن أبو ميثم ومتشددين آخرين من القرية رحلوا مع عائلاتهم مع اقتراب قوات الأمن في العام الماضي في طريقها شمالا صوب الموصل.
غير أن بعض الأفراد ما زالوا موجودين ممن ساعدوا التنظيم في بسط سيطرته من خلال الإبلاغ عمن خالفوا تعليماته.
وقال السكان إنه لابد من رحيل هؤلاء أيضا لكن من الصعب إثبات التهمة عليهم أمام القضاء لأنهم لم يبايعوا الدولة الإسلامية رسميا ولم يرفعوا السلاح أو يرتدوا زي التنظيم.
وقال عمار أبو رامي شقيق رئيس بلدية الموصل وحارسه الشخصي وهو أيضا من رفيلة "لا توجد أدلة لذلك تطلق المحكمة سراحهم."
وبدلا من ذلك يتولى بعض السكان تنفيذ هذه الرغبة بأنفسهم فيلقون قنابل يدوية على بيوت الناس ويتهمونهم بتأييد تنظيم الدولة الإسلامية. وقال أبو رامي "لا يقتلونهم. بل يخيفونهم أيضا."
وقال آخر من سكان رفيلة إن إجراءات الدولة بطيئة والتوتر شديد. وأضاف أن السلطات "تقول اصبروا قليلا لكن الناس لا يطيقون."
وكان بيت أبو ميثم قد تم إحراقه من الداخل قبل نسفه. وعلى جدار متفحم في إحدى الغرف كتبت كلمات تقول إنه لا مساومة على دماء الشهداء وإن وقت الحوار انتهى.
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير محمد اليماني)