من تيم ريد
كانتون (أوهايو) (رويترز) - إذا قدر لدونالد ترامب الفوز بترشيح الحزب الجمهوري لخوض انتخابات الرئاسة الأمريكية فلا بد أن يعبر في طريقه إلى البيت الأبيض بمدينة كانتون في ولاية أوهايو والتي تقطنها طبقة عمالية عريضة كان لها قول فصل في اختيار رؤساء أمريكا.
وما من جمهوري فاز بدخول البيت الأبيض دون أن يفوز في أوهايو. وما من مكان يعكس التحديات والفرص أمام ترامب في سعيه للفوز بالرئاسة في 2016 أفضل من كانتون التي كانت يوما مدينة صناعية مزدهرة وتشهد الآن -مثلها مثل أوهايو وبقية ما يعرف بولايات "حزام الصدأ" التي تشهد أفول نجمها الصناعي- تغيرا اقتصاديا وديموجرافيا عميقا.
تقع مدينة كانتون في شمال شرق أوهايو حيث تشهد صناعة الصلب انحسارا منذ 20 عاما بعد أن كانت لها الغلبة يوما. وهي أيضا تقع في قلب مقاطعة ستارك وتعد مؤشرا سياسيا انتقت -عدا مرتين- كل مرشح رئاسي فائز منذ عام 1964.
وفوز ترامب قطب القطاع العقاري الأمريكي في الانتخابات التمهيدية بولايتي ميشيجان ومسيسبي يوم الثلاثاء الماضي رغم الهجمات القاسية من مؤسسة الحزب وسع من نطاق تقدمه في سباق الترشيح للبيت الأبيض وأظهر ما يحظى به من شعبية عريضة بين كثير المجموعات الديموجرافية في حزبه الجمهوري.
لكن الأمر في مدينة كانتون سيتطلب شعبية كاسحة في الانتخابات العامة والفوز لا بأصوات الجمهوريين وحسب بل وبأصوات ديمقراطيين من أبناء الطبقة العاملة وأصوات بعض المستقلين كي يتغلب على منافس ديمقراطي وهو ما يظهر حجم التحدي الذي سيواجهه في أوهايو وربما في ولايات أخرى من "حزام الصدأ" بالغرب الأوسط.
ويلوح الاختبار المباشر التالي في الأسبوع المقبل في انتخابات الجمهوريين التمهيدية حيث تظهر استطلاعات الرأي تقدم ترامب بفارق ضئيل على جون كاسيتش حاكم أوهايو الذي يطرح نفسه كبديل براجماتي أشبه برجال الدولة لترامب. فإن فاز ترامب بولايتي أوهايو وفلوريدا الغنيتين بالمندوبين الذين سيختارون مرشحهم في مؤتمر الحزب الجمهوري العام في يوليو تموز فمن شبه المؤكد أن يضمن ترشيح حزبه له.
وفي اجتماع لعمال الصلب في مجلس نقابتهم بمدينة كانتون وصف كيرتس جرين نائب رئيس المجلس ما يحظى به ترامب من تأييد بين عدد متنام من الأعضاء بأنه "سرهم الصغير القذر".
قال "أراه راديكاليا وعنصريا ولا أريد أن أزج باسمي في تلك الخانة... لكن إن كنتم تقولون ما تعنونه فإن كثيرا من الزملاء يرون ذلك في ترامب ويحترمون ذلك. هو لا يلف حول الأمور وإنما ينقض عليها مباشرة. وهناك كم وافر من أعضائنا لا يؤيد دونالد ترامب."
* أوهايو تختار الفائزين
إذا فاز ترامب بالولايات التي فاز بها المرشح الجمهوري ميت رومني عام 2012 فقط لا أكثر فسيكون لديه 206 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي وهو ما يقل عن العدد المطلوب للفوز بالبيت الأبيض وهو 270 صوتا. والصراع على أصوات المجمع الانتخابي جعل انتخابات جرت في الآونة الأخيرة معارك ضارية من أجل اقتناص ما يزيد على العشرة مقاعد بقليل.
وأوهايو هي المركز عادة.
فالولاية لم تعط أصواتها لخاسر في انتخابات رئاسية منذ 1960 وينظر إليها على أنها نموذج مصغر للناخبين المستقلين وأولئك الذين يعطون أصواتهم للحزب الآخر بداية من "ديمقراطيي ريجان" الذين تخلوا عن مرشح حزبهم لدعم الجمهوري رونالد ريجان في الثمانينات وانتهاء بالأمهات وذوي الأصول اللاتينية.
ولتعويض النسبة المتزايدة من السود وذوي الأصول اللاتينية الذين باتت أعمارهم تسمح لهم بالتصويت سيتعين على ترامب أن يجذب أعدادا أكبر مما حازها رومني في مدن مثل كانتون التي تقطنها غالبية بيضاء. وأداء ترامب في الولايات الرئيسية التي يمكن أن يدلي فيها الديمقراطيون والمستقلون بأصواتهم وكذلك الجمهوريون توحي بأن بمقدوره اجتذاب أعداد كبيرة من أولئك الناخبين في الانتخابات العامة.
والمقابلات التي أجرتها رويترز في مدينة كانتون مع نحو 25 ناخبا تبين السبب.
ففي هذه المدينة التي يسكنها 72500 نسمة لقي استنكار ترامب للتجارة الحرة ولمسارات سياسية وللمهاجرين غير الشرعيين صدى بين بعض عمال الصلب وهم ديمقراطيون عادة.
وقال كيث ستروبيلت وهو مدير سياسي لنقابة (عمال الصلب المتحدين) في كانتون "النقابات العمالية -والتي تساند الديمقراطيين عادة- والكثير من أعضائنا والكثير من أفراد عائلاتهم يؤيدون ترامب." أما ستروبيلت نفسه فلا يؤيده.
وتضم النقابة 1800 عضو انخفاضا من 6700 عضو في ذروة عنفوانها قبل 30 عاما. ولم تقر قيادتها رسميا مرشحا بعينه وإن كانت قد أشادت بالسناتور الديمقراطي بيرني ساندرز. إلا أن بعض الأعضاء العاديين في النقابة يقولون إن تصريحات ترامب المتقدة ضد الهجرة غير الشرعية وخطبه الملتهبة ضد التجارة مع الصين والمكسيك تروق لهم.
وقال ستروبيلت "ربما يؤيد مئات من أعضائنا ترامب... كثيرون يرونه محركا للمياه الراكدة... فهو يردد كثيرا من الأشياء التي يرددونها وهم جالسون على موائد الطعام."
* "يفركون أيديهم قلقا"
غير أن ترامب سيواجه لدى إجراء الانتخابات العامة معضلة كبيرة في كانتون وكذلك في بقية أنحاء أوهايو والغرب الأوسط. فكانتون والمنطقة تتغير على نحو يحبذ الديمقراطيين ويعكس مشاكل الحزب الجمهوري الأكبر مع جمهور ناخبين يتناقص عدد البيض فيه وعدد المحافظين الذين طالما مثلوا جوهره.
ففي عام 2000 كان قرابة 75 في المئة من سكان كانتون من البيض وكان ذوو الأصول الأفريقية يمثلون 20 في المئة وذوو الأصول اللاتينية يشكلون ما يزيد على واحد في المئة بقليل. وكان العدد الأكبر من العاملين بالمدينة يعملون لدى شركة (تيمكن كومباني) للصلب التي كانت تمثل القوة الاقتصادية المهيمنة في كانتون خلال معظم سنوات القرن العشرين.
أما في عام 2010 فقد أصبحت نسبة البيض في المدينة 69 في المئة وفقا لبيانات الإحصاء الرسمية. وزاد سكانها السود ثلاثة في المئة كما زاد عدد السكان من ذوي الأصول اللاتينية إلى حوالي ثلاثة في المئة.
وفي كانتون كما هو الحال في أماكن أخرى في قلب "حزام الصدأ" الذي يمتد من الغرب الأوسط إلى منطقة البحيرات الكبرى وأجزاء من الشمال الشرقي تقلص قطاع التصنيع منذ السبعينات لأسباب منها المنافسة من الخارج. وفي 1990 كان في أوهايو أكثر من مليون وظيفة بقطاع التصنيع. أما اليوم فالعدد يبلغ 680 ألفا فقط وفقا للمكتب الأمريكي لإحصاءات العمال. وفقدت أوهايو ما يقرب من 200 ألف وظيفة بقطاع التصنيع منذ الكساد الكبير من 2007 إلى 2009.
وانتقلت نوعية أخرى من العمال أقرب إلى الموظفين إلى منطقة كانتون.
وقال جون جرين أستاذ العلوم السياسية في جامعة أكرون القريبة من كانتون "في الوقت الذي يمكن أن يجتذب فيه ترامب ديمقراطيين من أبناء الطبقة العاملة والفئات الأكبر سنا المحبطة من العملية السياسية فإنه يمكن من جانب آخر أن يفقد عددا أكبر من الناخبين من الطبقات الاجتماعية الأعلى في أوهايو."
أضاف "زعماء الحزب الجمهوري في أوهايو يفركون أيديهم قلقا. هناك إدراك أن ترامب يجد صدى بين الناخبين من أبناء طبقة العمال لكن الحال قد لا يكون كذلك بين فئة الموظفين."
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية - تحرير دينا عادل)