من أليستير ماكدونالد
بروكسل (رويترز) - يستحدث مشروع اتفاق للاتحاد الاوروبي مع تركيا بهدف منع المهاجرين من الوصول إلى اليونان قدرا أكبر من الإكراه في التعامل معهم في إطار استجابة الاتحاد الاوروبي لأزمة أحدثت شرخا في صفوفه وهي الاستجابة التي استهزأ بها المنتقدون ووصفوها بأنها ضعيفة حتى الآن.وفي الأسبوع الماضي اعتبر البعض أن أفكار دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي نفدت عندما حث الساعين إلى الهجرة على عدم القدوم إلى أوروبا.
وقال حزب الاستقلال البريطاني الذي يخوض حملة دعاية من أجل انسحاب بريطانيا من عضوية الاتحاد الاوروبي في استفتاء يجري في يونيو حزيران إن هذا النداء الضعيف استجابة "بسيطة ومتأخرة لن توقف طوفان المهاجرين الكبير إلى أوروبا".
ومع ذلك فإن الخطة - التي وصفها رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو بأنها ستغير قواعد اللعبة وتقضي بأن تقبل تركيا مرة أخرى لا المهاجرين بسبب عوامل اقتصادية فحسب ممن يصلون إلى الجزر اليونانية بل واللاجئين من سوريا - هي أقوى ما اُقترح من خطوات حتى الآن لتغيير حسابات أزمة الهجرة.
وإذا تم الاتفاق على الخطة وأفلحت فيما تهدف إليه فلن يكون ركوب زورق من شاطيء تركي بمدخرات العمر - بل في رحلة ربما تكون مقابل الحياة نفسها - سبيلا لحياة أفضل في ألمانيا بل مجرد نزهة سريعة ذهابا وإيابا في تركيا.
وقال مسؤولون بالاتحاد الاوروبي إن من تتم إعادتهم من اليونان إلى تركيا سيقفون في نهاية الطابور بين طالبي حق اللجوء وإعادة التوطين في أوروبا.
وشددت مفوضية الامم المتحدة للاجئين على ضرورة ألا تغلق أوروبا الباب في وجه المحتاجين بعد أن شردت الحرب الأهلية في سوريا الملايين وأفزعتهم.
وكانت انتقادات جماعات حقوق الانسان لاذعة لأوروبا بسبب مناداتها بالديمقراطية في الوقت نفسه الذي تبرم فيه صفقة مع حكومة تركية متهمة باضطهاد خصومها.
ويشعر كثيرون بالقلق من انتشار عمليات ترحيل الجميع مرة أخرى إلى تركيا دون اعتبار للحالات الفردية.
لكن 1.2 مليون شخص وصلوا إلى الاتحاد الاوروبي في العام الماضي طالبين اللجوء وسط مشاهد فوضوية على الشواطيء وفي الرحلة الطويلة من اليونان عبر البلقان.
وتسبب ذلك في اختلافات بين دول الاتحاد الاوروبي وإغلاق الحدود الطويلة التي لا تخضع للسيطرة وغذى المشاعر القوية فيما بين الناخبين في مختلف أنحاء الاتحاد. وكاد صبر القادة ينفد.
وقال الزعماء بعد القمة التي عقدوها يوم الاثنين "نحتاج لكسر الحلقة بين ركوب القارب والوصول إلى التوطين في أوروبا."
* الردع
وكانت خطة أوروبية سابقة تقصر الترحيل إلى تركيا مرة أخرى على من تكون احتمالات حصولهم على وضع اللجوء في الاتحاد الاوروبي ضعيفة مثل الباكستانيين والقادمين من شمال أفريقيا وذلك رغم ما أحاط بتلك الخطة من مشاكل عند التنفيذ.
أما الخطة الجديدة فتقضي بإعادة حتى السوريين وغيرهم ممن قد تنطبق عليهم شروط اللجوء عبر المضيق الذي يخضع الآن لمراقبة دوريات السفن الحربية التابعة لحلف شمال الأطلسي.
ويبدو أن من المستحيل إرغام أعداد كبيرة وصلت العام الماضي إلى 20 ألفا في اليوم الواحد على العودة. لكن مسؤولي الاتحاد الاوروبي قالوا إن الحل يكمن في تثبيط همم الآخرين عن السفر في المقام الأول.
ومقابل كل سوري يعاد من جزيرة يونانية إلى تركيا مستقبلا سيحق لسوري آخر السفر بشكل قانوني وفي أمان إلى أوروبا. وهذا العدد قد يكون صغيرا إذا أفلح الردع ولهذا اتفق قادة الاتحاد الاوروبي على النظر في توطين أعداد أكبر.
وبالنسبة للاوروبيين من الممكن أن يسهم الاتفاق في إنهاء أزمة عرضت للخطر منطقة شينجن التي تتاح فيها حرية التنقل بين دولها الأعضاء.
وثمة مكاسب واضحة لليونان التي حذر رئيس وزرائها أليكسيس تسيبراس من أنها ستتحول إلى "مستودع للأرواح" حيث تقطعت السبل بأكثر من 30 ألف مهاجر فيها منذ بدأ جيرانها الشماليون إغلاق حدودهم. وربما يكون الجانب السلبي في الاتفاق بعض المشاهد القبيحة على الجزر المواجهة للأراضي التركية.
وبالنسبة للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل التي تعاونت عن كثب في هذا الاتفاق مع رئيس الوزراء التركي داود أوغلو قبل القمة فإن المؤشرات الواضحة على قرب نهاية الأزمة قد تأتي في صورة دعم لوضعها في انتخابات اقليمية يوم الأحد المقبل ستكون بمثابة حكم على القرار الذي اتخذته في الصيف الماضي لفتح أبواب ألمانيا أمام السوريين.
* "صفقة قذرة"
تسعى تركيا في المقابل للحصول على ستة مليارات يورو (6.6 مليار دولار) لمساعدتها في تحسين معيشة اللاجئين خلال السنوات الثلاث المقبلة وهو ما يمثل مثلي المبلغ الذي انطوى عليه اتفاق لمدة عامين مع الاتحاد الاوروبي تم التوصل إليه في نوفمبر تشرين الثاني الماضي إلى جانب فتح "فصول" جديدة في المفاوضات المتعثرة التي ترمي لانضمامها لعضوية الاتحاد الاوروبي.
ومن المهم أيضا للرأي العام التركي طلب لتقديم موعد تنفيذ خطة تسهل للأتراك السفر دون تأشيرات لمنطقة شينجن الاوروبية بواقع أربعة أشهر ليبدأ تنفيذها في يونيو حزيران.
وقال دبلوماسيون إن عدة حكومات أوروبية لديها تحفظات قوية على المقترحات التركية. فقد قال دبلوماسيون إن قبرص تخشى التخلي عن حقها في استخدام حق النقض (الفيتو) فيما يتعلق بجوانب من عملية الانضمام ما دامت أنقرة ترفض الاعتراف بقبرص أو تتعامل معها.
كذلك فإنها تخشى تعطيل المحادثات التي تهدف لانهاء تقسيم الجزيرة المستمر منذ عشرات السنين.
وتعارض فرنسا التي تتشكك في إمكانية انضمام تركيا للاتحاد الاوروبي أي تخفيف سريع لشروط التأشيرة للأتراك. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا أولوند إنه سيتعين على تركيا الوفاء بعدد 72 معيارا من بينها تحديث وثائق الهوية التركية.
كذلك تخشى بريطانيا أيضا أن توحي عناوين الصحف أن 75 مليون تركي قد يسافرون قريبا بسهولة أكبر في مختلف أنحاء أوروبا وذلك رغم أن بريطانيا ليست عضوا في منطقة شينجن.
ويسعى رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لإقناع الناخبين بتأييد الاستمرار في عضوية الاتحاد الاوروبي في استفتاء يجري في 23 يونيو حزيران المقبل.
كما أن دول وسط وشرق أوروبا التي تعارض مساعي الاتحاد لإجبارها على قبول حصة من اللاجئين تشعر بالقلق بشأن عناصر الصفقة التي يمكن أن تشهد المزيد من المطالبات بإعادة توطين طالبي اللجوء في مختلف أنحاء الاتحاد.
ومع ذلك فإن إغراء وضع نهاية للأزمة - داخل أوروبا على الأقل - قد يكون حجة مقنعة رغم كل الانتقادات.
وقال جون أوبرينان أستاذ التكامل الأوروبي بجامعة ماينوث في ايرلندا "معايير الاتحاد الاوروبي للتعددية تتعرض للاستئصال بالكامل. من جانب الاتحاد الاوروبي نفسه. عار على هذا الاتفاق القذر مع تركيا."
وأصر توسك رئيس القمة ورئيس الوزراء البولندي السابق أن الاتحاد الاوروبي لا يتهاون في الدفاع عن حقوق الانسان في تركيا.
لكنه شدد على فوائد الخطة في تضييق الخناق على المسافرين قائلا "أيام الهجرة غير المنتظمة لأوروبا قد ولت."
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير أحمد صبحي خليفة)