من حميرة باموق ونيك تاترسال
اسطنبول (رويترز) - جاء وقت كان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يكرس فيه مقاطع كبيرة من خطبه للتنديد بالرئيس السوري بشار الأسد وبما يرتكب من فظائع بحق شعبه والمطالبة بعزله وبتقديم المزيد من الدعم للمعارضة التي تقاتل لإسقاطه.
أما الآن والقوات الحكومية السورية تسيطر على أجزاء من حلب الشرقية وتهدد بسحق المعارضة في أهم معاقلها بالمدن السورية فإن إردوغان يمر مرور الكرام على الأسد والمعركة الدائرة على المدينة التي كانت في وقت من الأوقات أكبر مدن سوريا.
وتركيا عضو شمال الأطلسي من المساندين الرئيسيين للمعارضة السورية منذ أوائل الحرب التي تقترب من إتمام عامها السادس.
غير أن تقارب تركيا مع روسيا أحد حلفاء الأسد الرئيسيين وشعورها بخيبة أمل تجاه السياسة الأمريكية وقلقها البالغ على تأمين حدودها من مقاتلي الميليشيات الكردية ومن تنظيم الدولة الإسلامية كل ذلك دفع تركيا إلى تقليص طموحاتها.
وقال بهلول أوزكان أستاذ العلاقات الدولية المساعد بجامعة مرمرة في اسطنبول "السياسة الخارجية لتركيا في سوريا في الوقت الحالي رهينة لروسيا. فروسيا تتحكم في المجال الجوي والجنود الأتراك ووصلوا لمسافة 30 كيلومترا داخل سوريا."
وأضاف "تركيا تحتاج للاتفاق مع روسيا على كل خطوة تخطوها في سوريا" وإلا فإن القوات التركية ستنكشف.
وفي خطاب ألقاه إردوغان يوم الثلاثاء ندد بما وصفه بفشل الأمم المتحدة في سوريا وقال إن توغل القوات التركية في الأراضي السورية في أغسطس آب الماضي بدبابات ومقاتلات وقوات خاصة عمل ناتج عما تشعر به أنقرة من سخط.
وقال إردوغان "ما يقرب من مليون شخص ماتوا في سوريا ومازالوا يموتون. أين الأمم المتحدة؟ وماذا تفعل؟ ظللنا نقول ‘الصبر الصبر الصبر‘ لكننا لم نستطع التحمل أكثر من ذلك ودخلنا سوريا."
وأضاف "نحن موجودون هناك لإحقاق الحق. نحن موجودون هناك لإنهاء حكم الأسد الوحشي الذي نشر إرهاب الدولة."
غير أن "عملية درع الفرات" التي شنتها تركيا لم يكن لها علاقة بقتال الأسد. فهي ترمي لإبعاد تنظيم الدولة الإسلامية عن شريط على الحدود السورية يبلغ طوله نحو 90 كيلومترا ومنع الجماعات المسلحة الكردية من الاستيلاء على هذه المنطقة بعد ذلك.
ويوم الثلاثاء كانت المرة الأولى منذ شهر تقريبا التي يذكر فيها إردوغان الأسد بالاسم في خطاب عام رئيسي بناء على مراجعة خطبه الأخيرة المنشورة على موقع الرئاسة. ولم يشر إلى الأحداث الجارية في حلب إشارة مباشرة.
وقال مسؤول كبير بأحد ألوية المعارضة التركمانية التي تدعمها تركيا إن نحو 60 في المئة من المقاتلين التركمان انسحبوا من حلب في أغسطس آب للمشاركة في عملية درع الفرات وأخلوا مواقعهم على الخطوط الأمامية في مواجهة القوات السورية.
وقال المسؤول من لواء المنتصر بالله "طبعا هذا الانسحاب كان له تأثير. فلو أن هذه المجموعات بقيت لربما استطاعت حلب المقاومة أكثر" لكنه أبدى شكوكا أن ذلك كان من شأنه أن يغير مسار المعركة.
وقال لرويترز من بلدة غازي عنتاب التركية الحدودية التي تمثل قاعدة خلفية لبعض قوات المعارضة السورية "لم يكن أمامهم فرصة لأن أسلحتهم محدودة - رشاشات وكلاشنيكوف - في حين أن النظام والروس يستخدمون كل شيء من البراميل المتفجرة إلى الطائرات الحربية."
* تقارب روسي
وتساعد روسيا قوات الحكومة السورية لمحاولة استعادة السيطرة الكاملة على حلب من خلال تقديم التدريب والعتاد والمشورة وكذلك الدعم الجوي من آن لآخر.
وقبل عام فحسب أسقطت تركيا مقاتلة روسية فوق سوريا الأمر الذي أدى إلى تدهور في العلاقات ولم يحل هذا الوضع إلا في أغسطس آب بعد أن استضاف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إردوغان في سان بطرسبرج.
وقال نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي لرويترز يوم السبت إن التقارب مع روسيا لم يغير موقف أنقرة من ضرورة رحيل الأسد لاستعادة السلام في سوريا.
لكن مسؤولين بالرئاسة قالوا إن إردوغان تحدث مع بوتين مرتين على الأقل خلال الأسبوع الأخير واتفق على محاولة حل الأزمة الإنسانية في حلب و"تنسيق الجهود لمكافحة الإرهاب الدولي."
كما قام وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلو بزيارة مفاجئة لإيران المنافس الإقليمي وأحد حلفاء الأسد الرئيسيين في العطلة الأسبوعية وناقش التعاون في سوريا مع الرئيس حسن روحاني.
وقال كان أكون الباحث بمركز سيتا للأبحاث في أنقرة "الحكومة لا تزال مستمرة في انتقاد الاستهداف الوحشي لحلب من جانب الأسد وحليفيه روسيا وإيران لكنها رأت أن الكلام ليس له تأثير يذكر."
وقال "هي تحاول أن تحقق نتائج من خلال الدبلوماسية المكوكية مع إيران وروسيا عن طريق علاقاتها الثنائية لكن حتى الآن لم تتحقق أي نتائج إيجابية تذكر" مضيفا أن المجتمع الدولي "يغض الطرف".
وتابع "تركيا ليس لها قدرة في المعادلة الحالية لتحقيق نتائج وحدها."
ومن غير المؤكد مستوى الدعم المستمر من مساندي المعارضة الآخرين ومنهم الولايات المتحدة ودول الخليج.
وقد أشار الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى اعتراضه على الدعم الأمريكي للمعارضة وأشار إلى أنه قد يتخلى عنها للتركيز على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية.
وهذا الأسبوع قال وزير الخارجية القطري لرويترز إن الدوحة ستواصل تسليح المعارضة حتى إذا أنهى ترامب الدعم الأمريكي لكنها لن تأخذ خطوة من جانب واحد لتزويد مقاتلي المعارضة بصواريخ تطلق من على الكتف لحماية أنفسهم من الطائرات الحربية السورية والروسية.
وينصب تركيز تركيا على ضمان قيام المقاتلين التركمان والعرب الذين تدعمهم بتأمين الشريط الحدودي البالغ طوله 90 كيلومترا جنوبي حدودها ومنع الميليشيات الكردية من تحقيق التواصل الجغرافي للمناطق التي تخضع لسيطرتهم على جانبي الحدود. وتخشى أنقرة أن تتسبب مثل هذه الخطوة في تأجيج الحركة الانفصالية الكردية في الداخل.
والتحدي المباشر الذي يواجه الأتراك هو تأمين مدينة الباب الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية إلى الشمال الشرقي من مدينة حلب والتي يسعى مقاتلون تحت قيادة كردية للسيطرة عليها وتقع بالقرب من الخطوط الأمامية لحلفاء الأسد.
وقد حققت القوات المدعومة من تركيا مكاسب سريعة منذ أغسطس آب غير أن جانبا كبيرا من ذلك تحقق في مناطق أقل في الكثافة السكانية. وكان لحرب العصابات حول الباب ثمن باهظ. فقد سقط خمسة جنود أتراك قتلى في الأسبوع الأخير وحدة ثلاثة منهم سقطوا في ضربة جوية يعتقد أن طائرات تابعة للحكومة السورية شنتها.
وقال المسؤول بلواء المنتصر بالله "السؤال الآن هو ما إذا كانت روسيا ستسمح لتركيا بالسيطرة على الباب."
وأضاف "ثمة معادلة سياسية هنا. فليس الأمر ما إذا كانت تركيا تملك دبابات كافية وجنود وأسلحة كافية بل ما إذا كان هناك مجال لمثل هذه الخطوة من جانب تركيا في المعادلة."
(إعداد منير البويطي للنشرة العربية - تحرير لبنى صبري)