من دارين باتلر وإلن فرنسيس
اسطنبول/بيروت (رويترز) - كثفت تركيا ضرباتها الجوية وقصف المدفعية على مقاتلين أكراد في شمال شرق سوريا يوم الجمعة في تصعيد لهجوم أثار احتمال وقوع كارثة إنسانية وأدى إلى انتقاد نواب جمهوريين للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ويقول الأكراد، الذين انتزعوا السيطرة على مساحات شاسعة من شمال شرق سوريا من تنظيم الدولة الإسلامية بدعم أمريكي، إن الهجوم التركي قد يسمح للتنظيم المتشدد بالعودة للظهور إثر فرار أتباعه من السجون.
وفي أول هجوم كبير منذ بدء العملية العسكرية التركية، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية يوم الجمعة مسؤوليته عن هجوم بسيارة ملغومة في القامشلي، أكبر مدينة في المنطقة الخاضعة لسيطرة الأكراد، على الرغم من تعرضها لقصف تركي مكثف.
وقال الأكراد إن خمسة من مقاتلي الدولة الإسلامية فروا من سجن هناك كما أحرقت أجنبيات من التنظيم عددا من الخيام وهاجمن الحراس بالعصي والحجارة في مخيم يُحتجزن فيه.
وبدأ التوغل بعدما تحدث ترامب هاتفيا مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وسحب القوات الأمريكية التي كانت تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية جنبا إلى جنب مع المقاتلين الأكراد. وفتح الهجوم جبهة جديدة للقتال في الحرب الأهلية السورية المستعرة منذ أكثر من ثمانية أعوام وأثار انتقادات عالمية شديدة.
ورفض مسؤولون من الجيش الأمريكي يوم الجمعة اتهامات النواب والمحللين بأن إدارة ترامب تخلت عن حلفائها أمام الهجوم التركي. وتقول تركيا إن هدفها هو هزيمة وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها عدوا بسبب علاقاتها بالمتمردين في تركيا.
وقال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر في مؤتمر صحفي ردا على انتقادات بأن ترامب أعطى ضمنيا الضوء الأخضر لتركيا "لم يعط أحد الضوء الأخضر لعملية تركيا هذه بل العكس تماما. ضغطنا بشدة على جميع المستويات كي لا يبدأ الأتراك هذه العملية".
وقال مسؤول أمريكي إن انفجارا وقع قرب موقع عسكري أمريكي في شمال سوريا، لكن لم ترد أنباء عن وقوع إصابات ولم يتضح مصدر الانفجار الذي وقع قرب كوباني.
وشددت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) على ضرورة أن تتجنب تركيا القيام بأي شيء من شأنه تعريض القوات الأمريكية للخطر داخل سوريا والتي كان عددها نحو 1000 قبل التوغل.
وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة بالجيش الأمريكي "الجيش التركي يدرك تماما مواقع القوات الأمريكية".
وقالت وزارة الدفاع التركية إنها اتخذت كل التدابير لضمان عدم الإضرار بأي قاعدة أمريكية بينما ردت على إطلاق نار بدأ قرب قاعدة أمريكية قريبة من كوباني في سوريا.
وقالت الوزارة في بيان "لم يحدث إطلاق نيران على موقع مراقبة أمريكي". وأضافت أن إطلاق النار توقف عندما نبه الجيش الأمريكي القوات التركية.
* "لن يتوقف"
رفض أردوغان الانتقادات وقال إن الهجوم على المسلحين الأكراد "لن يتوقف مهما كانت التصريحات الصادرة بشأنه من أي طرف".
وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن ترامب اتخذ القرار الصائب بنقل الجنود الأمريكيين بعيدا عن طريق الأذى.
وقال بومبيو في مقابلة مع تلفزيون (دبليو.كيه.آر.إن) في ناشفيل بولاية تينيسي "مهمتنا الآن، مهمة وزارة الخارجية، بذل كل ما في وسعنا لاستخدام القوة الاقتصادية والقوة الدبلوماسية، جميع الأدوات المتاحة لنا، لضمان ألا تفعل تركيا ما قال أردوغان إنهم ربما يفعلونه".
وقال وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوتشين يوم الجمعة إن ترامب فوض مسؤولين أمريكيين بصياغة مسودة لعقوبات جديدة "كبيرة للغاية" على تركيا. وأوضح منوتشين أن الولايات المتحدة لا تطبق العقوبات في الوقت الراهن لكنها ستطبقها إذا اقتضت الضرورة.
وأضاف "هذه عقوبات قوية جدا. نأمل ألّا نضطر لاستخدامها لكن بمقدورنا أن نصيب الاقتصاد التركي بالشلل إذا أردنا".
وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان رد على التهديد بالعقوبات "تركيا تقاتل منظمات إرهابية تشكل تهديدا لأمنها القومي... لا ينبغي أن يشك أحد في أننا سنرد... على أي خطوة تتخذ ضد هذا".
وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن عدد القتلى الذين سقطوا منذ بدء العملية العسكرية التركية تجاوز المئة. وقالت الأمم المتحدة إن مئة ألف فروا من ديارهم.
وقالت وزارة الدفاع التركية في وقت متأخر يوم الجمعة إن 399 مقاتلا من وحدات حماية الشعب الكردية لاقوا حتفهم منذ بداية العملية.
وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردية عنصرا أساسيا فيها، على معظم الأراضي التي كانت تمثل "خلافة" تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وتحتجز آلاف من مقاتلي التنظيم المتشدد في أحد السجون وعشرات الآلاف من أسرهم في مخيمات.
* قتال على طول الحدود
قصفت طائرات حربية ومدفعية تركية يوم الجمعة، وهو ثالث يوم من العملية العسكرية، مناطق حول مدينة رأس العين السورية، وهي واحدة من مدينتين حدوديتين يتركز فيهما الهجوم.
وسمع صحفيون من رويترز في بلدة جيلان بينار التركية دوي إطلاق النار داخل رأس العين على الجانب الآخر من الحدود.
وعلى بعد مئات الكيلومترات إلى الشرق على الحدود انفجرت سيارة ملغومة خارج مطعم في القامشلي بينما تتعرض المدينة لقصف تركي عنيف. وقالت السلطات الكردية إن الانفجار أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين وإصابة تسعة. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته وقال إنه استهدف مقاتلين أكرادا.
ودخلت قافلة تضم 20 مدرعة تقل مقاتلين من المعارضة السورية من جيلان بينار يوم الجمعة إلى الأراضي السورية. وأشار البعض بعلامة النصر بينما كبر البعض الآخر ولوحوا بأعلام المعارضة فيما تقدموا صوب رأس العين.
وعلى بعد نحو 120 كيلومترا غربا قال شاهد إن تركيا استأنفت القصف قرب مدينة تل أبيض. وقال مقاتلون أكراد إن تلك أكثر المعارك حدة هناك منذ ثلاثة أيام.
واندلعت اشتباكات خلال الليل على طول الحدود من عين ديوار على الحدود العراقية حتى عين العرب (كوباني) على بعد أكثر من 400 كيلومتر غربا. وقال مروان قامشلو المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية إن القتال يدور على طول الحدود.
وقال رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان إن القوات التركية استولت على تسع قرى قرب رأس العين وتل أبيض.
وذكر المرصد أن ما لا يقل عن 54 من مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية و42 من مقاتلي المعارضة السورية المدعومة من تركيا قتلوا خلال الاشتباكات إضافة إلى 17 مدنيا.
وقالت تركيا إن اثنين من جنودها قتلا. كما أعلنت السلطات التركية يوم الجمعة مقتل شخصين وإصابة ثلاثة جراء قصف بقذائف المورتر في مدينة سروج الحدودية بينما قتل ثمانية وأصيب 35 في هجوم بقذائف المورتر والصواريخ على مدينة نصيبين الحدودية.
وقال خالد إبراهيم وهو مسؤول كردي يشرف على أعمال الإغاثة في شمال شرق سوريا إن القصف التركي ألحق أضرارا بمحطة لضخ المياه مما أدى إلى انقطاع المياه عن مدينة الحسكة والمناطق المجاورة. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) إن المحطة كانت تقدم المياه لما لا يقل عن 400 ألف شخص.
وتقول أنقرة إنها تسعى لإقامة "منطقة آمنة" داخل سوريا حيث يمكنها إعادة توطين كثيرين من 3.6 مليون لاجئ تستضيفهم.
وهدد أردوغان بإرسال اللاجئين إلى أوروبا ما لم تحصل أنقرة على دعم من الاتحاد الأوروبي وهو ما أثار ردا غاضبا من التكتل.
وكتب رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك يوم الجمعة على تويتر قائلا "لن نقبل بأي حال أن يُستخدم اللاجئون كسلاح، ويُستغلوا لابتزازنا". وقالت فرنسا إن مسألة فرض عقوبات على تركيا ستناقش في قمة للاتحاد الأوروبي الأسبوع المقبل.
وردا على الانتقادات الدولية، دافع وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو عن سجل أنقرة في التدخل في سوريا وقال لصحيفة نيويورك تايمز إن تركيا قدمت مدارس ومستشفيات وخدمات أخرى في مناطق أخرى تحت سيطرتها.
(شارك في التغطية توم بيري وجون أيرش من باريس وإدريس علي وفيل ستيوارت من واشنطن وإيما فارج من جنيف وأنتون كولوديازني من موسكو ويان شتروبفسكي من بروكسل ومراسلو رويترز من المنطقة - إعداد محمد اليماني للنشرة العربية)