استغل آخر فرصة واحصل على خصم يصل لـ 50% على InvestingProاحصل على الخصم

أحمد عز يكتب: القروض.. المشكلة فينا ولا فيها…؟

تم النشر 07/06/2018, 08:33
محدث 07/06/2018, 09:00
© Reuters.  أحمد عز يكتب: القروض.. المشكلة فينا ولا فيها…؟
CL
-

الوسيلة التى تقترض بها الحكومة المال لتلبى الاحتياجات قصيرة أو طويلة الأجل عندما يكون هناك عجز فى موازنتها هى الديون… لذا فالدين إما فاتورة تدفعها الأجيال التى لم تولد بعد ويتمتع بها الجيل الحالى -فى حالة الحصول عليه لإنفاقه فى عجز موازنة حالية لا تهدف لمشاريع إنمائية – أو أن يكون فاتورة يدفعها الجيل الحالى لمصلحة الجيل الذى لم يولد بعد فى حالة الحصول عليه لإنفاقه فى مشاريع تدر عائداً فى المستقبل… فهناك نظريتان فى الاقتصاد اتجاه نقطة القروض.. الأولى تطالب بتقليل الدين لأنه يكون مُكبدًا بفوائد تدفعها الأجيال القادمة.. والنظرية الثانية تفترض زيادة الدين بدلاً من الزيادة فى فرض الضرائب…أيهما أصح؟ لنرى ما يمكن استنتاجه عبر التاريخ..
بدأت الديون الخارجية لمصر تظهر منذ حكم محمد على.. الذى اعتمد على التمويل الخارجى (القروض) ليلبى رغبته فى تطوير الاقتصاد المصري… واستمر الدين الخارجى فى تزايد حتى أصبحت مصر فى القرن الـ19 غير قادرة على سداد ديونها مما أدى إلى تدخل بريطانيا فى اقتصاد مصر بل واحتلالها أيضاً..
واستمرت الديون فى الازدياد حتى الحرب العالمية الثانية حيث بدأ الاحتياطى المصرى فى الارتفاع بسبب تقديم مصر الإمدادات من خدمات ومنتجات للدول الحليفة وبسبب تقليل الاستيراد.. مما أدى لسداد ديون مصر بالكامل فى هذا الوقت…وظل الاحتياطى المصرى تحت نظر الحكومة البريطانية..
وفى عام 1940 بدأت مصر الاستيراد مرة أخرى وفتحت أبوابها مرة ثانية أمام الدين الخارجى ولكن ليس بالحجم الكبير الذى يدعو للقلق… بينما فى عصر السادات ومبارك فقد زاد الدين الخارجى وأصبحت المعلومات – و حتى الآن – عن الدين الخارجى غير مكتملة، بل وتختلف حتى التوقعات عن حجم الدين، نتيجة لزيادة حجم الدين وسرية بعض هذه المعلومات..
عمومًا كان المعلن آنذاك 3 مليارات دولار فى عام 1974 وارتفع إلى 16 مليار دولار فى عام 1980. وفى خلال ثمانينيات القرن الـ20، زاد الناتج المحلى الحقيقى الضعف (الناتج الإجمالى المحلى دون حساب التضخم) وارتفعت الصادرات. وقد أصبح معدل الدين من الناتج المحلى يساوى الواحد الصحيح فى 1987، ثم ارتفعت الديون فى عام 1988 لتصل إلى 46 مليار دولار… ودخلت مصر مثل دول كثيرة أواخر التسعينيات مكبلة بالديون… فما السبب ؟
بالطبع تزيد الضغوط على الدول من قبل دائنيها كلما زاد حجم الدين الخارجى لها.. ففى الثمانينيات حاولت مصر التفاوض مع صندوق النقد الدولى ونادى باريس كممثلين لمجموعة من دائنيها.. وتفاجئنا (كمصريين) بإشادة صندوق النقد الدولى بوضع مصر المالى آنذاك وبما فيه من أمل.. ومنح صندوق النقد الدولى مصر قرضًا آخر ليساعد فى برنامج الإصلاح الاقتصادي.. فكان البرنامج منقسماً إلى شقين: داخلى وخارجى .. فالخارجى يشير إلى معالجة عجز الميزان التجارى (Trade deficit) وينادى بتعويم الجنيه المصرى (فى التسعينيات) لتزيد الصادرات، أما الشق الداخلى فينادى بعدم تدخل الحكومة فى عجز الموازنة العامة وعدم التحكم فى الأسعار عن طريق الدعم.. ونادى بفكرة الخصخصة «المشهورة والتى طبقت لاحقًا بصورة» «غير مدروسة» لشركات القطاع العام غير المنتجة.. ومن ناحية أخرى وافق نادى باريس على إعادة جدولة الدين مقابل تنفيذ البرنامج المقترح من الصندوق..
وعلى الرغم من أنه كانت هناك رغبة حقيقية فى الإصلاح الاقتصادى من قبل الحكومة إلا أنها كانت مجبرة إلى حد كبير على رفض الكثير من برنامج الإصلاح المقدم (مثلما فعل الرئيس جمال عبد الناصر من قبلها).. حيث كانت هناك حساسية دائمة لدى الشعب من تدخل أى جهة خارجية فى اقتصاد مصر أو شئونها، ربما ورثها الشعب من آبائهم بعد ما ذاقوه من ذل خلال فترة التدخل البريطانى..
ولكن بالتأكيد لا يهتم صندوق النقد الدولى بمشاعر وحساسية المصريين، خاصةً بعد قبول الحكومة القرض فأصبحت مجبرة على الالتزام بنصوص صندوق النقد الدولى.. وتحاول فقط أن تتناقش فى أمور مثل: تقليل سرعة تنفيذ الحلول الاقتصادية وعدم تدخله فى بعض الأجزاء الاقتصادية التى قد تؤدى إلى عدم استقرار سياسى… ولعلنا شاهدنا بعض إشارات تدخل الصندوق، مثل خفض عجز الموازنة بنسبة %10، والتحكم فى سعر المواد البترولية والقطن وغيرها.. وبالفعل زادت أسعار المنتجات وقللت مصر من واردتها .. ولكن ظل صندوق النقد الدولى ونادى باريس غير راضين عن سرعة تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى آنذاك والذى كان لا يتفق على ما وعدتهم به الحكومة..
وبعيدًا عن المزيد من التفاصيل .. دخلت مصر العقد الأول من الألفينيات مواجهة العديد من المشاكل (أو التحديات) الاقتصادية.. فمعدل النمو للناتج المحلى لا يتماشى مع معدل نمو التعداد السكني.. والتضخم يأكل من الدخل بصورة واضحة.. صحيح أن الحكومة حاولت حل هذه المشاكل ولكن كان الإصلاح يحتاج المزيد..
زادت الديون المصرية بنسبة كبيرة منذ عام 2015 وحتى الآن، حيث أصبح إجمالى الدين الخارجى 82.9 مليار دولار وهو ما يعادل %36.1 من الناتج الإجمالى المحلى.. بالرغم أن هذا المعدل لا يزال آمن .. حيث إنه لم يتجاوز المعايير العالمية .. يرى الكثيرون أن هناك مشكلة فى هذه الزيادة وأن الحكومة يجب أن تخفض من هذه النسبة..
ومن المعروف أن معدل الدين الخارجى للاقتصاديات المتقدمة أعلى من الاقتصاديات الناشئة، وخصوصًا بعد الأزمة العالمية 2008 والتى أدت إلى لجوء هذه الدول إلى مزيد من الدين..حيث بلغ معدل الدين الخارجى لأمريكا مثلا %104 من إجمالى الناتج المحلي.. وأيضًا اليابان التى وصل معدل الدين العام نسبة للإنتاج المحلى إلى %240.3.. فى الحقيقة هذه المسألة تطرح علينا بعض الأسئلة .. كيف تستمر هذه الدول فى التقدم رغم حجم ديونها المهول؟ هل الدين هو سبب نجاحها؟ أم أنه سبب تدهور الدول اقتصاديًا؟ هل الدول المتقدمة (مثل أمريكا واليابان) حاجة تانية؟ يعنى ايه حاجة تانية؟
بالنظر إلى الافتراض الخاطئ بأننا لا ينبغى أن نقارن أنفسنا بهذه الدول المتقدمة.. نجد أن مملكة الأردن على سبيل المثال لها قصة نجاح مع صندوق النقد..حيث إنه على الرغم من أنها دولة لا تتمتع بكفاية من موارد مهمة مثل البترول و الماء فإن اقتصاد المملكة معتمد على 3 محاور رئيسية وهي: تحويلات العاملين فى الخارج، والصادرات إلى دول الخليج (التى تجعل المملكة آنذاك تلبى حاجتها من الموارد البترولية)، وأخيرًا المعونات من الدول المجاورة..
وبدأ الإصلاح الاقتصادى الحقيقى فى الأردن بالاتفاق بين الصندوق والحكومة.. وكانت المحاور الأساسية لخطة الإصلاح الاقتصادى مماثلة لتلك التى كان يجب أن تطبق فى مصر فى نفس الوقت (الثمانينيات) …حتى أثرت حرب الخليج على الاقتصاد الأردني.. وانخفضت الإعانات من قبل دول الخليج.. بالإضافة إلى رجوع الأردنيين العاملين بالخارج مما زاد من البطالة وخفض من تحويلات العاملين بالخارج… ولكن بعد عام 1991 أمدت العراق الأردن بكل احتياجاتها من البترول، الأمر الذى كان بمثابة حجر الأساس فى انتعاش الاقتصاد الأردنى مره أخرى، ويذكر أنّ الأردن لم تطبق الخصخصة بالصورة المؤسفة التى قامت بها الحكومة فى مصر.. بل جعلتها فى صورة شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص..
فى النهاية، يخضع تحليل أداء الاقتصاد وتأثره بالدين كغيره لمبدأ بسيط وهو التوزيع الأمثل للموارد والثروات.. ففى عصر محمد على كانت القروض تُستخدم لتطوير مصر اقتصاديًا فى مشاريع إنتاجية واستثمارية طويلة المدى.. حتى ان شاهدنا فى آخر العصور الملكية سوء استخدام الديون وإنفاقها على عجز الموازنات التى لا تتضمن مشاريع إنتاجية أو استثمارية طويلة المدى.. كل ما فعله الاحتلال البريطانى هو الاستغلال الأمثل للموارد (بما فيها الدين).. وهذا ما أوصل مصر لسداد الديون فى الأربعينيات، حيث انه خاضت مصر كل حروبها بالاحتياطى المتواجد منذ ذلك العصر.. حتى تداينت مرة أخرى كما ذكرنا فى السبعينيات .. لنصطدم بتزايد الدين وإنفاق أغلبه على عجز موازنة أيضًا لا تهدف لمشاريع إنتاجية أو استثمارية طويلة المدى..
فالقرض أداة، لا يمكن الحكم عليها، ولكن استخدام الدولة لها والتزامها بخطط الإصلاح هو ما يحدد سوءها أو جودتها…

بقلم: أحمد عز
محلل مالى واقتصادى

أحدث التعليقات

قم بتثبيت تطبيقاتنا
تحذير المخاطر: ينطوي التداول في الأدوات المالية و/ أو العملات الرقمية على مخاطر عالية بما في ذلك مخاطر فقدان بعض أو كل مبلغ الاستثمار الخاص بك، وقد لا يكون مناسبًا لجميع المستثمرين. فأسعار العملات الرقمية متقلبة للغاية وقد تتأثر بعوامل خارجية مثل الأحداث المالية أو السياسية. كما يرفع التداول على الهامش من المخاطر المالية.
قبل اتخاذ قرار بالتداول في الأدوات المالية أو العملات الرقمية، يجب أن تكون على دراية كاملة بالمخاطر والتكاليف المرتبطة بتداول الأسواق المالية، والنظر بعناية في أهدافك الاستثمارية، مستوى الخبرة، الرغبة في المخاطرة وطلب المشورة المهنية عند الحاجة.
Fusion Media تود تذكيرك بأن البيانات الواردة في هذا الموقع ليست بالضرورة دقيقة أو في الوقت الفعلي. لا يتم توفير البيانات والأسعار على الموقع بالضرورة من قبل أي سوق أو بورصة، ولكن قد يتم توفيرها من قبل صانعي السوق، وبالتالي قد لا تكون الأسعار دقيقة وقد تختلف عن السعر الفعلي في أي سوق معين، مما يعني أن الأسعار متغيرة باستمرار وليست مناسبة لأغراض التداول. لن تتحمل Fusion Media وأي مزود للبيانات الواردة في هذا الموقع مسؤولية أي خسارة أو ضرر نتيجة لتداولك، أو اعتمادك على المعلومات الواردة في هذا الموقع.
يحظر استخدام، تخزين، إعادة إنتاج، عرض، تعديل، نقل أو توزيع البيانات الموجودة في هذا الموقع دون إذن كتابي صريح مسبق من Fusion Media و/ أو مزود البيانات. جميع حقوق الملكية الفكرية محفوظة من قبل مقدمي الخدمات و/ أو تبادل تقديم البيانات الواردة في هذا الموقع.
قد يتم تعويض Fusion Media عن طريق المعلنين الذين يظهرون على الموقع الإلكتروني، بناءً على تفاعلك مع الإعلانات أو المعلنين.
تعتبر النسخة الإنجليزية من هذه الاتفاقية هي النسخة المُعتمدَة والتي سيتم الرجوع إليها في حالة وجود أي تعارض بين النسخة الإنجليزية والنسخة العربية.
© 2007-2024 - كل الحقوق محفوظة لشركة Fusion Media Ltd.