لطالما كانت الأسواق مبنيةً على التناقض الذي يولد الانسجام . معنى هذا الكلام أن تراجع الكثير من الأدوات الاستثمارية يعني ارتفاع غيرها في نفس الوقت وهذا بالضبط قد يعطينا فكرةً جيدة كيف تتحرك الأسواق بشكل عام وما هو الاتجاه القادم الذي يحاول الملايين من المتابعين والاقتصاديين معرفته أو التنبؤ به. بعد مباحثات شاقة وتأجيل عدة مرات , قرر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أخيراً فرض رسوم جمركية بنسبة 10% على ما يعادل 200$ مليار من الواردات الصينية لأمريكا . بدت الأسواق متماسكة حقيقةً بل ان وول ستريت حققت مكاسب قوية يوم أمس ,وهذا بالضبط يمكن أن يسمى تناقضاً . قد تكون الأسواق قد قرأت أن 10%أفضل بكثير من 20%التي كانت متوقعة سابقاً ولكن السؤال الهام الآن الى متى ستستمر المكاسب,والى أين سيتجه اليوان الصيني الذي يبدو أنه تحول ومنذ فترة الى أداة سياسية/اقتصادية أكثر من أي دولة أخرى .
من غير المتوقع أن تسمح الحكومة الصينية وبنك الشعب الصيني لليوان بالارتفاع حالياً في الوقت الذي فرضت الصين رسوماً على الواردات ألأمريكية كنوع من المعاملة بالمثل . مهما حاول ترامب حالياً , لن يتمكن من الفوز بحرب تجارية ليخفض من عجز ميزانيته او من عجز الميزان التجاري مع الصين . ترامب ينجح حالياً بفرض سياسات محافظة مستفيداً من زخم الاقتصاد الأمريكي ولكن عندما تؤدي هذه السياسات الى تراجع التجارة الدولية رويداً رويداً وزيادة في عجز الميزان التجاري بسبب قوة الدولار الأمريكي عندها لن تبقى الصورة كما هي الآن, ليس فقط لترامب بل أيضاً للجمهوريين في الانتخابات الفصلية القادمة بعد شهرين.
تبدو تقلبات الذهب هادئة الى الآن, لم يعد الذهب مجدداً الى مستويات الدعم القوية عند 1170$ التي وصلها قبل شهر تقريباً, وبقي هامش التقلبات مستقراً بين 1188$ و مستويات 1210$ خلال شهر كامل.هناك نقطتين لابد أن نشير اليهما :
أولاً, يعتبر بقاء الذهب عند هذه المستويات اشارةً جيدة الى حد ما,قد تكون الأسواق استوعبت بشكل كبير التراجع المحتمل , إشارة إيجابية للمرحلة القادمة .
ثانياً , يبدو الترابط واضحاً بين تراجع اليوان وتراجع الذهب وطالما أن اليوان لا يحقق مكاسب قوية ,عندها ستبقى حركة الذهب للأعلى بطيئة .
كنا أشرنا سابقاً الى أن ديون الأسواق الناشئة المقومة بالدولار الأمريكي تنذر بأزمة حقيقية عالمياً وليس فقط كل دولة على حدا, هذه الديون يلزمها مزيد من التراجع في الدولار الأمريكي حتى تستقر ويبدأ العبء بالتراجع تدريجياً. يجب أن نكون منطقيين في تقديرنا لسرعة التصحيح على الدولار الأمريكي , ومع أننا لا نتوقع أن يكون الدولار الأمريكي بنفس القوة خلال ستة الى تسعة أشهر, لكن من المهم القول أن هذه القوة لديها زخم حالياً . عدم الانكشاف الكبير على مستويات مخاطر عالية سيكون خياراً مجدياً حالياً علماً أن مؤشر المخاوف يبدو حالياً عند 12.74 نقطة متراجعاً بنسبة -0.40% , هذا المؤشر بشكل خاص يشكل فرصةً أخرى للاستثمار سنناقشها لاحقاً .