لطالما كان الذهب موضوعاً شيقاً للكثيرين . لا أعرف حقيقةً من أوصل فكرةً مهمة للعديد من القراء والمتابعين , المضاربين والمستثمرين أن الاستثمار في الذهب لا يخسر , السؤال الطبيعي لماذا اذاً لا يشتري الجميع الذهب ويرتاح من صداع التداولات اليومية ويحقق ربحاً مضموناً في نفس الوقت ؟ والجواب حقيقةً يكمن في صيغة السؤال , أنه ببساطة ليس هناك من أي ضمان في العالم على أي أداة استثمارية مهما كانت مهمةً بما فيها السندات , لأن السندات مثلاً عندما تكون متربطة بدولة ضعيفة أو حكومة مفلسة فعندها حتى عوائد هذه السندات قد تصبح مستحيلةً ! لماذا سنشتري الذهب اذا كانت مؤشرات الأسهم العالمية وخاصةً الأمريكية تحلق في مستويات قياسية ؟ ملاحظة مهمة للغاية هنا.
أسعار الذهب مثلاً ماتزال أدنى بنسبة 33% من مستوياتها التاريخية التي وصلتها في أيلول 2011 قريبةً من 1900$ للأونصة , يتداول الذهب حالياً عند 1272$ للأونصة. بينما مؤشر داو جونز مثلاً حقق مكاسب قياسية فاقت 105% ووصل الى 26400 نقطة حالياً , بمعدل أكثر من 10% مكاسب للسنة الواحدة , المقارنة هنا لا تقف لصالح الذهب !
ما حدث يوم أمس في بيان جيروم باول رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي أعطى دفعةً إيجابية للدولار الأمريكي حالياً , ثقة مستقرة بأداء الاقتصاد الأمريكي , وعدم الحاجة الى تخفيض أسعار الفائدة في المدى المنظور يجعل من عوائد الدولار الأمريكي أفضل بكثير من بقية العملات الرئيسية , وقلناها سابقاً أن التصحيح القوي على الدولار الأمريكي غالباً لن يحصل في الوقت الحالي . باعتقادنا أن هذا السيناريو غير جديد على الأسواق , تدرك الأسواق استقرار الدولار الأمريكي و لا تراهن كثيراً على بقية العملات الرئيسية التي تحتاج مزيداً من الوقت للتعافي ( اليورو – الباوند ) .
أشارت أرقام مجلس الذهب العالمي التي صدرت صباح اليوم الى أن البنوك المركزية استمرت بالشراء خلال الربع الأول حيث وصلت الى 145.5 طن , أفضل من الربع الأول للعام الفائت , ولكنها أقل من الربع الرابع والثالث من العام الفائت حيث وصلت المشتريات الى 165.6 طن ( الربع الرابع ) و 253.1 طن للربع الثالث 2018 . تفسر هذه الأرقام التقلبات الضعيفة لسعر الذهب خلال المرحلة الفائتة وهامش التداول الضعيف بين أعلى وأدنى مستوياته.
خسر الذهب ما يعادل 1.21% على أساس شهري , و 2.9% على أساس سنوي , ولكن هذا لا يعني أن شراء الذهب غير مجد بل على العكس . ان قوة الدولار الأمريكي الحالية لن تكون إيجابية لمؤشرات الأسهم الأمريكية خاصةً ’ جزء من بيع الذهب ارتبط أصلاً بوجود بديل مهم :
أولاً , عوائد السندات الأمريكية المرتفعة مقارنة بالاقتصاديات المتقدمة الأخرى.
ثانياً , المكاسب التاريخية القياسية للأسهم الأمريكية .
ولكن لا بد أن نشير الى نقطة مهمة جداً وهي أن المقاومة الفنية عند 1300$ للأونصة قد تبقى لبعض الوقت قبل كسرها. فنياً كانت مستويات 1267$ مناسبة للشراء ومازالت . اذا انطبقت المقولة التقليدية في الأسواق ( قم ببيع الأسهم في أيار) عندها قد يجد المضاربون فرصةً لشراء الذهب . لا نتوقع تقلبات يومية قوية ( لا تتجاوز 10$ ) ولكن لن نبيع الذهب حالياً آخذين بعين الاعتبار سياسة الفيدرالي الأمريكي و تدخلات ترامب المتوقعة وامكانية تصحيح الأسهم فنياً.
