المضاربات في الأسواق المالية ( أسهم وعملات وسندات وغيرها ) تجذب ألمع العقول في العالم للدخول في هذا المجال المثير.. إلى حد قريب كان الكثير يعتقد بأن دخول هذا العدد الهائل في هذه المهنة هو لتحقيق ثروة فقط.. بالرغم من أن هذا هو السبب الرئيسي بالطبع ولكنه بالتأكيد ليس السبب الوحيد كذلك.. هناك سبب لا يقل أهمية عن حلم تحقيق ثروة.. وهو الشعور بالحرية التي يوفرها هذا العالم الفريد من نوعه.
قم بالتفكير للحظة في الأمر وسيتبين لك ذلك بوضوح.. ألم تحلم بأن تصبح قادراً على تحقيق أرباح لتتمكن من تقديم استقالتك والعمل بدون إشراف من أحد؟ ألم تحلم بأن تصبح قادراً على العمل حرفياً من أي مكان أو من أية دولة أنت تختارها بدون أن تتقيد بمكتب ومكان محدد؟ ألم تحلم (بالتأكيد) بالعمل بدون وجود مدير يخبرك متى تحضر ومتى تخرج ومتى تأكل ومتى ومتى؟
حلم الحرية
هو حلم جميل بالتأكيد ولا يقل أهمية عن حلم تحقيق ثروة.. أن تكون قادراً على العمل (بفعالية) وأنت تلبس بجامة في منزلك وبين عائلتك بدون أية تحفظات أو تعليمات يجب التقيد بها من أشخاص أعلى منك في السلم الوظيفي.. كل ما تحتاج إليه فعلياً هو جهاز محمول يكون متصلاً بالإنترنت وهذا كل شئ.. كل هذا يعتبر أمر جميل جداً ولكن.. وهذا ما أعتقد بأنك ستشعر بالضيق منه عندما تقرأه.. إحساسك الحالي بالحرية عند التداول بعيداً عن تعقيدات وأحكام وسياسات الشركة التي تعمل بها حالياً هي سبب واضح وصريح لعدم نجاحك لحد الآن في الحصول على هذه الحرية وتحقيق الأرباح التي تحلم بها والتي ستساعدك على إنجاز هذا الأمر.
الحرية التي يمنحنا إياها السوق لنقوم بتفعيل صفقاتنا متى أردنا وإغلاقها متى أردنا.. لنقوم بإستخدام رافعات مالية كما يحلو لنا أو للمخاطرة بمبالغ لا يمكن تحملها أو لنكون محافظين جداً في تداولاتنا بدون رقيب أو حسيب له ثمن أيضاً.. وثمن غالي حقاً يتسبب – بشكل مستمر – في تصفير حساباتنا الإستثمارية وإبعادنا قدر الإمكان عن تحقيق حلمنا بالإستقلال والحرية من إشراف الآخرين علينا.
لماذا ننجح عندما نكون تحت إشراف الآخرين ونفشل بشكل مدوي عندما نعمل بشكل مستقل؟
غالباً ما نشتكي من تسلط المشرفين والمدراء في بيئة العمل ومن السياسات والأحكام التي يجب الإلتزام بها داخل نطاق الشركة التي نعمل بها والتي يتم تحديثها بإستمرار.. بالرغم من البيروقراطية والروتين التي ترافق هذا النوع من الأعمال ولكن ذلك يمكن حسابه سبب رئيسي لنجاح واستمرار هذه الشركات لليوم.. العمل بدون إشراف من جهة أعلى وبدون وجود سياسة واضحة تحكم عمل هؤلاء الأفراد لن يقود إلا للفوضى والخسائر بالتأكيد.. كم من مرة قمنا بإلقاء اللوم على خسارة شركة ما بسبب إدارتها السيئة.. وفي المقابل هل لاحظت كيف تقوم بإنجار عملك أنت وزملاؤك في حال غياب الرقيب الذي يتابع أعمالكم اليومية؟
هذا الإحساس بالمراقبة من جهة أعلى ومتابعة نتائج أعمالك اليومية يجعلك تشعر بأنك مقيد بقوانين وأشخاص لا تتقبلهم بشكل كامل.. لذلك تقودنا اسواق المال والمضاربة فيها إلى الشعور بالحرية بعيداً عن هذه القيود والسلاسل.. المتعارف عليه بأن المضاربة بالأسواق المالية تعتبر عمل فردي يقوم به كل مضارب لوحده على محفظته الإستثمارية حتى في المؤسسات المالية والبنوك حيث يكون هناك حصة لكل مضارب للتداول بها بشكل يومي.. هذه ( الفردية ) في العمل هي ما يعطينا إحساس بالحرية وبأننا غير مسؤولين من تبرير تصرفاتنا للآخرين وبأننا لسنا بحاجة للحصول على موافقة أحد قبل تفعيل صفقة ما.. ولكن هذا الأمر بحد ذاته يعتبر خطير للغاية وسبب رئيسي للخسائر المستمرة في التداول.
الحرية (بدون قيود) ليست كاملة تماما:
حتى تستطيع العمل ( بحرية ) بالأسواق المالية والإستقالة من عملك الحالي لتعمل بدون إشراف أو جهة رقابية أعلى منك أنت بحاجة لتحقيق أرباح.. ولكي تحقق أرباح أنت بحاجة لقوانين وقيود تحد من تهورك أو ترددك في إتخاذ القرارات الخاصة بالتداول.. هل لاحظت معي هذه المعضلة الغريبة؟ معنى ذلك أنك لن تتمتع بالحرية من العمل من منزلك أو من أي مكان آخر كمضارب في البورصات العالمية بدون وجود نفس الشئ الذي تحاول جاهداً الهرب منه.. وهذا ما يجعل التداول صعباً للغاية ( ولكن تحقيقه ليس بالأمر المستحيل ) ، أنت بحاجة لفهم وترتيب هذه الأوليات أولاً لتصبح قادراً على العمل بحرية ( كما تشاء ).
بعض التفصيل في هذا الأمر لتتضح الرؤية:
المضاربين بالأسواق المالية يخطؤون بشكل واضح عندما يعتقدون بأن بغضهم لعملهم الحالي وبغضهم للإستيقاظ مبكراً والذهاب للعمل وتحمل زحمة المواصلات وشكاوى العملاء والترقيات الهزيلة السنوية التي يحصلون عليها تعتبر أسباب لينجحوا بالتداول.. هذه قد تكون حوافز تدفعهم للأستمرار ولكنها ليست اسباب مباشرة للنجاح في أسواق المال.. حتى تنجح في التداول بإذن الله يجب عليك أن تفرض قوانين صارمة على نفسك مشابهه للقوانين التي تكرهها في عملك الحالي – وأعلم بإنه لن يعجبك هذا الجزء من المقال – ولكن هذه هي الحقيقة.
حتى تنجح بالحصول على أرباح تمكنك من العمل بحرية لابد أن يكون لديك قوانين تتبعها بصرامة لا تستطيع الحياد عنها.. يجب عليك أن لا تنسى بأنه لا يوجد شخص يقوم بمراجعة صفقاتك اليومية ويلومك على المخاطرة بجزء كبير من رأس مالك.. أو شخص يعاتبك على ترددك وخوفك من تفعيل صفقة أخرى.. أو تهاونك في التأكد من نجاح الاستيراتيجية التي تعمل عليها.. هذه الحرية التي حصلت عليها بالعمل لمفردك لها ثمن وهو أنك تشعر بالوحدة ولا تجد شخص يساعدك في توجيهك وتعديل مسارك واستيراتيجياتك..وبالتالي سيتحرك مؤشر ارباحك في السوق للأسفل عكس توقعاتك ولن تتمكن من الحصول على الحرية التي تحلم بها..
في كثير من الأحيان عندما أقوم بتقديم نصيحة عبر الهاتف لمتداولين آخرين وأخبرهم بأنهم يجب عليهم وضع قواعد صارمة ويلتزموا بها بدون وجود لجهة تراقب إلتزامهم بهذه القواعد لا أجد منهم غير التذمر والإعتراض على ذلك.. من يستطيع لومهم على ذلك.. هم يهربون إلى أجهزتهم المحمولة ويقومون بتفعيل صفقاتهم بكامل حريتهم بعيداً عن تعقيدات وروتين الرجوع لجهة مشرفة على هذا العمل.. فكيف نقوم بمطالبتهم بوضع قواعد وشروط محددة للتداول؟ ولكن ان تبحث عن حريتك بعدم الإلتزام بأية شروط واستيراتيجيات تحكم هذه الحرية يعتبر ببساطة هروب وتنصل عن المسؤولية وليس مطالبة بالحرية.
ولكن من جهة ايجابية ومشرقة.. يجب عليك الشعور بالسعادة لأنك انت من يضع هذه الشروط والأحكام والاستيراتيجيات وتقوم بالإلتزام بها - بكامل حريتك - وبذلك ستستطيع بإذن الله من تحقيق حلمك بالإستقلال مادياً من قيود العمل لأشخاص آخرين والعمل من أي مكان أنت تختاره بنفسك.. ولكن لكي تصل لهذا الحلم بإذن الله عليك أن تعرف بأن الحرية بدون قيود ليست حرية حقيقية..
وليست بالتأكيد الحرية التي ستوصلك للجهة التي ترغب بالوصول اليها..
أراك إن شاء الله في القمة.