كما يقول العنوان، اليوم سنبدأ بسلسلة مقالات مخصصة لموضوع قلما يتحدث عنه أحد بالتفصيل والاهتمام اللازمين مع أنه مفتاح الوصول إلى الحرية المالية والثراء؛ الثقافة المالية.
مقال اليوم سيكون المحطة الأولى في رحلة شيقة ومفيدة ستأخذنا إلى أعماق عالم المال ومفاهيمه وقواعده، وسنزور فيها عقول أشخاص مميزين عرفوا من أين تؤكل الكتف ووضعوا عصارة تجاربهم المالية بين أيدينا لنستفيد منها، وأعدكم أنكم في نهاية هذه الرحلة ستنظرون إلى حياتكم العملية والمالية بطريقة مختلفة تماما، بل وربما ستغير هذه السلسلة حياتكم بالكامل نحو الأفضل... فهل أنتم مستعدون؟
ما هي الثقافة المالية؟
قبل أن ننطلق في رحلتنا نحو الثقافة المالية تعالوا نتعرف إلى هذا المفهوم أولًا، ونفهم ما هو المقصود بالثقافة المالية حتى تكون وجهتنا واضحة منذ البداية...
ربما يظن البعض أن الثقافة المالية جزء من الثقافة العامة، بمعنى أن يكون الشخص مطّلع على أخبار المال والأعمال والشركات والمعاملات البنكية وغيرها، أو ربما أن يكون الشخص قد درس الاقتصاد وتحصل على شهادة أكاديمية فيه...
طبعًا هذا الظن غير دقيق، فما سبق ليس سوى جزءٍ بسيطٍ جدًا من الثقافة المالية لأن الثقافة المالية لا ترتبط بشهادات أكاديمية أو بكمية المعلومات التي نعرفها عن أخبار المال والشركات والأسواق...
الثقافة المالية يا أصدقائي هي ذهنية... بعبارة أخرى، هي أن نفهم جوهر المال وحقيقته ودوره في حياتنا، وبالتالي نفهم كيف نحصل عليه وكيف نتعامل معه.
وهنا تبدأ الرحلة...
سؤال بسيط أتمنى ممن يقرأ أن يجيب عليه: ما هو الفرق بين الشخص الفقير أو الشخص متوسط الحال والشخص الثري؟
سؤال بسيط، وإجابته ربما تكون أبسط... الأول يملك القليل من المال والثاني يملك الكثير منه، صحيح؟
في الحقيقة هذا غير صحيح، وليس هذا هو الفرق الجوهري بينهما، بل إن الفرق الجوهري بين هذا وذاك هو أن الشخص الفقير يعمل من أجل الحصول على المال، أما الثري فالمال هو من يعمل عنده وفي خدمته، أما كمية المال التي يجنيها كل منهما فهي ليست الجوهر، وهذا هو أول دروس الثقافة المالية:
ليس المهم مقدار المال الذي تجنيه بل مقدار المال الذي تحافظ عليه وتجعله يعمل من أجلك.
حتى أوضح ما المقصود بهذا الكلام، تعالوا نتخيل شخصاً يعمل مديرًا في شركة كبيرة، هذا الشخص يقبض 25 ألف دولار في الشهر الواحد، وبالتالي من المفروض أنه شخص مرتاح ماليًا مقارنة بموظف آخر يقبض 1000 دولار في الشهر، أي أن الأول أغنى من الثاني... صحيح؟
هذا صحيح نظريًا، لكن عندما نعلم أن هذا المدير مرّة ينفق راتبه على شراء سيارة، ومرة على شراء منزل للسكن، ومرة أخرى على شراء ثياب فخمة وطعام فاخر، وأن الموظف الذي يقبض 1000 دولار، في المقابل، يستثمر نصف راتبه في سوق التداول على سبيل المثال، والنصف الاخر يخصصه للنفقات اليومية، فسنجد عمليًا أن الثاني أغنى من الأول!
قد تستغربون هذا الكلام، وربما لن يتفق معه البعض...
سبب هذا مفهوم، وهو أن معظم الناس يستصعبون فهم أن مقدار ما تجنيه من المال ليس هو الاعتبار الأول في الحياة، وإنما مقدار ما تحتفظ به منه ليأتي لك بمزيد من المال.
ففي المثال السابق، المدير الذي يقبض 25 ألف دولار كان يشتري التزامات ونفقات (خصوم)، لأن السيارة التزام يتطلب نفقات، والمنزل أيضا التزام يتطلب نفقات، بينما الموظف الذي يقبض 1000 دولار كان يشتري أصول تدر عليه مزيدًا من الأموال، وفي حال أفلست الشركة أو أغلقت أبوابها لسبب من الأسباب، سيفقد المدير كل شيء، أما الموظف فسيكون لديه مدخول مستمر حتى لو فقد عمله الأساسي...
الفرق بين الأصول والالتزامات
وهكذا نصل إلى القاعدة الأولى التي ستغير نظرتنا إلى المال كليًا:
يجب أن تعرف الفرق بين الأصول والالتزامات، وأن تشتري الأصول.
لماذا؟
لأن الأصول تجلب مزيد من المال وتضعه في جيبك، أما الالتزامات والخصوم فهي تستنزف المال الذي في جيبك.
مع هذه القاعدة الذهبية، التي يجب على كل منا أن يحفظها جيدًا إذا ما أراد الوصول إلى الحرية المالية، نكون قد وصلنا إلى ختام المحطّة الأولى من سلسلة الثقافة المالية.
يُتبع...
محمد سلمان باسم عبد الكريم