بينما تزداد المخاوف من تراجع إنفاق الأمريكيين، والتي ستؤثر على النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، يمكننا النظر إلى نصف الكوب الممتلئ. فتراجع إنفاق المستهلكين قد يمنح الاقتصاد الأمريكي المساحة التي يحتاجها للتكيف وضبط أوضاعه.
» لماذا انخفض إنفاق المستهلكين الأمريكيين في الأساس؟
خفّض الاقتصاديون في بنك (Goldman Sachs)، توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأمريكي هذا العام، مشيرين إلى هناك "مسار أصعب" ينتظر المستهلك الأمريكي أكثر مما كان متوقعًا في السابق، لعدة أسباب، أهمها:
1. انتشار متحور دلتا قد يتسبب في خفض معدلات إنفاق المستهلكين الأمريكيين.
2. تلاشي الدعم المالي المُقدم من الحكومة الأمريكية وبنك الاحتياطي الفيدرالي بعد انتهاء برامج إعانات البطالة الإضافية في سبتمبر الحالي.
3. تحول المستهلكين من الطلب على السلع والمنتجات، إلى الطلب على الخدمات في قطاعات الترفيه والسفر والمطاعم مع عودة فتح الاقتصاد.
4. استمرار اضطرابات سلاسل التوريد.
- ويرى بنك جولدمان ساكس (NYSE:GS) أن الاقتصاد الأمريكي سينمو خلال 2021 بنسبة 5.7%، منخفضًا من توقعات أغسطس المُقدرة بـ 6٪.
» ما وضع الاقتصاد الأمريكي حاليًا؟
- الشركات لا تستطيع مجاراة الأوامر والطلبات التي تتلقاها، بسبب اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد ونقص العمالة. وحتى عندما يتمكنون من مواكبة الطلبات بعد حصولهم على الإمدادات والخامات اللازمة، لا يمكنهم دائمًا العثور على عدد كافٍ من العمال لإنتاج السلع والخدمات.
- ونعم، لا تزال ضغوط الطلب من المستهلكين قوية وما زالوا ينفقون أموالهم مع فتح الاقتصاد، ولكنهم أصبحوا أكثر انتقائية فيما يشترون. إذ تراجعت مبيعات السيارات على مدى أربعة أشهر متتالية نتيجة نقص إنتاج السيارات والأسعار القياسية المرتفعة بسبب قلة المعروض المتاح والكميات المحدودة وأزمة نقص الرقائق. كما تراجعت مبيعات المنازل بسبب ارتفاع الأسعار.
إذ أظهر استطلاع ثقة المستهلك في سبتمبر أن الأسر الأمريكية تعتقد أنه وقت عصيب لشراء السيارات والمنازل والأجهزة.
- وأثار تقرير الوظائف المخيب للآمال في أغسطس، والذي سجل أسوأ قراءة منذ يناير 2021، قلقًا جديدًا بشأن الاقتصاد الأمريكي، بعد إضافة 235 ألف وظيفة فقط مقابل التوقعات بـ 720 ألف وظيفة. وكان معدل التوظيف في قطاع الترفيه والضيافة صفر، مما أجبر أصحاب المطاعم والفنادق على تجميد خطط التوظيف لحين عودة الأمريكيين للخروج أكثر.
لذلك لا عجب من ارتفاع الأسعار والتضخم بقوة، مع معاناة الشركات من نقص واسع النطاق في المواد والإمدادات والعمالة. فكلم ازداد الطلب، وقل الإنتاج والعرض، سيتراجع أداء الاقتصاد الأمريكي.
» كيف يمكن أن يُنقذ تراجع إنفاق المستهلكين الاقتصاد الأمريكي؟
- حقيقة لا أحد يعلم على وجه التحديد لماذا يواجه أصحاب الشركات والأعمال صعوبة في ملء الوظائف الشاغرة بينما يظل إجمالي التوظيف أقل بحوالي 2.9 مليون وظيفة عما كان قبل الوباء. ولكن بما أن الأسواق تكره نقص أي موارد، فهذا يضغط على الشركات لرفع الأجور أكثر وأكثر لجذب العمال للعودة لوظائفهم.
وإذا استمر نقص العمالة بالرغم من وجود وظائف شاغرة، ستزداد الضغوط على الإنتاج والعرض لتلبية الطلب. وهذا سيدفع أسعار السلع والخدمات للارتفاع، ومعها سترتفع الأجور بشكل حاد للغاية. إذ استمر تسارع نمو الأجور في أغسطس بنسبة 4.3٪ على أساس سنوي و0.6٪ على أساس شهري، مقابل التوقعات بـ 4٪ و 0.3٪ على التوالي.
ومع تزايد الأجور بوتيرة سريعة، قد تبدأ الوظائف الشاغرة في الانخفاض لأن أصحاب الأعمال سيرون أن توسيع القوة العاملة أصبح مكلفًا للغاية. وقد يتجه بعضهم إلى الاعتماد على الآلات. وقد يقرر البعض الآخر رفع الأسعار وتقليل أحجام الإنتاج. في كل الحالات، ستبدأ نافذة إعادة توظيف من فقدوا وظائفهم أثناء الوباء بالانغلاق.
لذلك، ما قد يستفيد منه هؤلاء العمال، الذين لا يريدون العودة للعمل بسبب مخاوف متعلقة بالوباء أو رعاية الأطفال أو انخفاض الأجور، هو المزيد من الوقت. وهو بالضبط ما قد يحصلون عليه من وراء تراجع إنفاق المستهلكين وتباطؤ النمو الاقتصادي. فتباطؤ الطلب قليلاً من شأنه أن يمنح الشركات الحافز والوقت قبل رفع الأجور أو رفع الأسعار، مما سيخفف الضغوط على الاقتصاد الأمريكي وسيٌنقذه من استمرار أزمة ارتفاع التضخم.