يتخوف المستثمرون من قرب تضييق الخناق عليهم بعدما بدأت البنوك المركزية في إغلاق صنابير المال، أو إرسال بعضها إشارات بأنها ستفعل ذلك العام المقبل، فمنذ اندلعت الجائحة، ضخت البنوك المركزية 32 تريليون دولار في الأسواق، أي ما يعادل شراء 800 مليون دولار من الأصول المالية كل ساعة، فزادت القيمة السوقية للأسهم بنحو 60 تريليون دولار، بينما قفزت معدلات التضخم الأمر الذي دعا البنك الفيدرالي الأمريكي للإعلان عن إنهاء برنامج مشترياته من الأصول خلال مارس المقبل.
اللافت، أن البنوك المركزية غيرت بشكل دراماتيكي، موقفها بشأن التضخم في 2021، إذ تحولت من التأكيد على أنه انعكاساً مؤقتاً لارتدادات ما بعد الإغلاق، إلى القبول بأنه سيكون أكثر استفحالاً العام المقبل، ونعتقد أن معدل ارتفاع الأسعار سيبلغ ذروته أوائل 2022، مع تراجع أسعار النفط وانفراجة سلاسل التوريد، لكن هذا لا ينفي قطعاً استمرار التضخم لأعوام مقبلة بعدما أصبح حالة عالمية تستدعي التعايش.
لا شك أن استعداد البنوك المركزية لتحمل تبعات ارتفاع التضخم سيبقي عوائد السندات منخفضة نسبياً، وهذا الأمر سيوفر عائدات إيجابية لأسواق الأسهم، وعائدات سلبية من السندات الحكومية للعام الثاني على التوالي، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها هذا الخليط منذ نصف قرن، وإذا فشل التضخم في الاعتدال، فستتحول البنوك المركزية إلى موقف التشديد النقدي الأكثر جرأة، متسببة في رد فعل سلبي حاد في الأسواق المالية، وحينها سنكون بصدد ركود اقتصادي كبير.
على ما يبدو، فإن خطأ السياسة النقدية من جانب البنوك المركزية سيكون أحد المخاطر الكبرى على المستثمرين والاقتصاد العالمي في 2022، فالأسواق تنتقل من فترة حاولت فيها البنوك المركزية أن تكون قابلة للتوقع وأن تقمع التقلبات، إلى فترة تكون فيها مصدراً خصباً للمفاجآت، وإذا كان البعض يشعر بأن زخم السوق والأرباح والسيولة بلغوا ذروتهم، وأنه يجب البدء في جني الأرباح، فإن هناك شكوكاً حول استدامة مكاسب الأسهم، ولا سيما في زوايا السوق الأكثر هشاشة.
في الوقت الراهن، ينبغي على المستثمرين أن يركزوا على الشركات ذات المراكز التنافسية القوية، وقوة التسعير، والوصول إلى محركات النمو الهيكلية، ونعتقد أن قطاعات الرعاية الصحية، والبضائع الاستهلاكية والمالية توفر الكثير من الفرص، كما يتعين عليهم الاستعداد لمواجهة مخاطر سلبية كبيرة في الأسواق الناشئة إذا ثبت أن شدة الفيروس أسوأ مما كان متوقعا، ولا سيما بين العديد من الدول التي لا يزال سكانها غير مطعمين إلى حد كبير.
في المقابل، من المنتظر أن تواجه سوق الأسهم الأوروبية تحديات أكبر بكثير مما نتوقعه بسبب الرياح المعاكسة الناشئة عن أسعار الطاقة، والقلق المتزايد حول آفاق الفيروس وتحوراته، ولا شك أن الضغوط التصاعدية على أسعار الطاقة، والأغذية، والخدمات تعني أن معدل التضخم الأوروبي الرئيس سيظل مرتفعاً بشكل غير مريح العام المقبل، ومن المرجح أن يتفاعل المستهلكون مع هذه التطورات بالمطالبة بأجور أعلى.