قبل أن يهل عام 2022 كانت كل توقعات الخبراء تصب في صالح تعافى الاقتصاد العالمي من صدمة الجائحة، خاصة مع تلاشي اختلالات العرض والطلب، واستجابة السياسة النقدية في الاقتصادات الكبرى للأوضاع السوقية، إلا أنه بعد مرور ثلاثة أشهر من العام الجاري، تبين للكافة أن الاقتصاد العالمي يواجه خطر الركود التضخمي، بفعل الحرب الروسية التي فاقمت أسعار السلع الأساسية، وهددت إمدادات الطاقة، وقلصت إيرادات الأسر والشركات، بالإضافة إلى إطلاق أكبر موجة لللاجئين منذ 2015، ولهذا نجد أنفسنا على استعداد للقول بأن توقعات 2022 ستكون أسوأ بكثير من التوقعات السابقة، والأمر يعتمد على استمرار الحرب أو إنهائها.
تقوض التطورات الراهنة آفاق الاقتصاد العالمي، لتصح النظرة المستقبلية أكثر كآبة، لدرجة أن بيوت الخبرة والمؤسسات المالية العريقة ليست في وضع يمكنها من تقديم توقعاتها المعتادة، وإذا كانت التوقعات السابقة تصب في خانة نمو عالمي بنحو 5 في المائة في 2022، فإننا نعتقد بأنه إذا طال أمد الحرب أو تصاعدت أكثر، فقد يتعين احتساب تخفيضات لتوقعات النمو بالنقاط المئوية، ولهذا، سيكون الجميع مشدوداً لمعرفة نتائج النمو في الربع الأول، ولا شك أن فاتورة الاقتصاد الأوروبي ستكون الأكثر تتضرراً، بصفتها الأقرب جغرافياً واقتصادياً لأوكرانيا، وربما يكون انخفاض نمو منطقة اليورو ضعف الانخفاض الأمريكي.
في أوروبا، أطلق الصراع الحالي المزيد من التعقيدات بشأن اضطرابات سلاسل التوريد، وهذا الأمر يتطلب تضامناً كبيراً مع دول أوروبا الشرقية، الأفقر في القارة العجوز، والتي تواجه عبئاً كبيراً في العثور على مأوى ودعم لثلاثة ملايين لاجئ، أو يزيد، عبروا الحدود الأوكرانية، وبالرغم من محاولة الحكومات حماية الأسر الأوروبية من بعض آثار أسوأ ارتفاع في أسعار السلع، ودعم تكاليف الوقود، إلا أن هذه الإجراءات لن تمنع ظهور الآثار السلبية للمستهلكين والشركات مثل نقص المنتجات الاستهلاكية، وقطع الغيار القادمة من روسيا وأوكرانيا.
وبغض النظر عما ستؤول إليه الحرب، فإن الركود الأوروبي قادم بقوة، مع وجود النقص الكمي الذي سيخفض النمو أكثر وربما يتحول إلى سلبي هذا العام، بسبب حالة الذعر وتدهور المعنويات للغاية، فبينما تزداد المدخرات يتراجع إنفاق المستهلكين، ولهذا، ينبغي على شركات النفط والغاز عدم توسيع أرباحها على حساب الكادحين، ولكن، بعيداً عن أوروبا الشرقية، لا زال بعض صانعي السياسات في البنوك المركزية في حالة ذعر، حيث يكافحون للحفاظ على الثقة الاقتصادية لمنع حدوث نتائج أسوأ بكثير، وقطعاً ستختلف هذه الإجراءات من دولة لأخرى، لأن المشكلات في الاقتصادات الأوروبية ليست على نسق واحد.