بعد إعلان البنوك المصرية إصدار شهادات ادخارية تصل إلى 25% يوم الأربعاء، انخفض الجنيه المصري إلى مستوى قياسي جديد، في أحدث علامة على أزمة العملة الأجنبية الشديدة في مصر بعد شهرين من موافقة صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 3 مليارات دولار.
وانخفضت العملة بنسبة تقترب من الـ 10% إلى 27.2 مقابل الدولار الأمريكي في أكبر انخفاض منذ آخر تعويم خفض البنك المركزي المصري في أواخر أكتوبر من العام الماضي.
ومنذ شهر مارس من العام الماضي، ومع الزيادات التي أقرتها البنوك في أسعار صرف الدولار، فقد ارتفع سعر صرف الدولار في السوق الرسمية بنسبة تصل لـ 70% رابحاً نحو 11.5 جنيهات، وذلك بعدما قفز سعر صرف الدولار من مستوى 15.75 جنيها إلى مستوى 27.25 جنيه في الوقت الحالي.
السر وراء هبوط الجنيه المصري.. وحدوده الدنيا:
أسباب الأزمة
يأتي الانزلاق يوم الأربعاء في الوقت الذي تتراكم فيه الواردات بمليارات الدولارات في الموانئ المصرية لأن البنوك المحلية غير قادرة على تأمين العملة الصعبة لدفع ثمنها.
أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 إلى هروب الأموال الساخنة والتي تصل قيمتها إلى 20 مليار دولار الأمر الذي سبب ضعفًا بالسيولة الدولار في مصر. كما تسببت الحرب أيضًا في ارتفاع أسعار المواد الخام، مما وجه ضربة قوية لمصر، أكبر مستورد للقمح في العالم.
ويؤكد على هذا الطرح، هاني جنينة، الخبير الاقتصادي والمحاضر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، قائلاً، إن أزمة الدولار مرتبطة بعوامل عالمية مثل الحرب الروسية الأوكرانية، وما سببته من اضطراب في أسواق المال، ومن ارتفاع ملحوظ في أسعار السلع، بجانب عوامل محلية تتمثل في زيادة الإنفاق الحكومي.
وأضاف جنينة: أن الكثير من الاقتصادات الناشئة، ومنها مصر، عانت بسبب خروج ما يسمى برؤوس الأموال الساخنة من الأسواق، "فقد خرج أكثر من 20 مليار دولار من السوق في بداية العام الماضي"، تزامنا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
تداعيات الأزمة.. سعر صرف مرن؟
طالب صندوق النقد الدولي مصر ببعض الشروط من أجل الموافقة على القرض الأخير، وكان أهم هذه الشروط هي أن تنفذ مصر "تحولًا دائمًا إلى نظام مرن لسعر الصرف" بدلاً من استخدام احتياطيات العملات الأجنبية للحفاظ على سعر الصرف.
وعندما انخفض الجنيه لمستويات الـ 24.8، ما زال يرى صندوق النقد الدولي أن هذا السعر أعلى من قيمته، وقالت رئيسة بعثة الصندوق إلى مصر، فلادكوفا هولار، في مقابلة مع رويترز: "إن الصندوق يترقب تحول مصر إلى سعر صرف مرن بشكل دائم بعد إلغاء الاعتمادات المستندية والعودة لمستندات التحصيل."
ويتوقع صندوق النقد الدولي رؤية تحركات يومية لسعر الصرف في مصر بنهاية الشهر الحالي، بعد إلغاء الاستيراد من خلال الاعتمادات المستندية، بحسب ما أفادت به وكالة رويترز.
وفي هذا الإطار، قال محمد أبو باشا، رئيس تحليل الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار EFG Hermes: "إنه لم يتضح على الفور ما إذا كان الانخفاض يوم الأربعاء يمثل الانتقال المتوقع إلى نظام مرن لسعر الصرف".
وأضاف: "نحن بحاجة إلى مراقبة المستوى الذي ستستقر عنده العملة في نهاية المطاف، وإلى أي مدى سيؤدي ذلك إلى تحسن السيولة بالعملة الأجنبية في البنوك وما إذا كنا سنشهد المزيد من التقلبات في الجنيه في المستقبل".
كانت الحكومات المصرية المتعاقبة مترددة في الانتقال إلى سعر صرف مرن لتجنب القفزات الكبيرة في الأسعار بسبب الاعتماد على الواردات للعديد من احتياجاته الأساسية. لكن ندرة العملات الأجنبية في الأشهر الأخيرة وظهور السوق السوداء بالدولار عزز من مستويات التضخم وجعلها تقفز نحول الـ 18.7% في نوفمبر، وهو أعلى مستوى في خمس سنوات.
هل هذا سعرًا مرنًا حقًا؟
قال الخبير الاقتصادي في مجموعة "غولدمان ساكس (NYSE:GS)" في لندن، فاروق سوسة، إن "هناك الكثير من الالتباس الآن حول ما إذا كانت مصر تتمتع بنظام مرن حقاً لسعر الصرف". وأضاف: "لم يتم اختبار ما إذا كان الجنيه سيكون أكثر مرونة في مواجهة الصدمات الخارجية في المستقبل، وما إذا كان بمثابة عامل استقرار تلقائي للحسابات الخارجية".
وأضاف: "سواء أدى ذلك إلى حل مشكلات سيولة العملات الأجنبية التي تواجهها مصر، فإن ذلك سيعتمد على ما إذا كنا سنرى تدفقات كبيرة من العملات الأجنبية في الأجل القريب.. الحل هو توحيد أسعار الصرف، الأمر الذي سيتطلب الانتهاء من كل طلبات تدبير النقد الأجنبي المتراكمة والتي لم يتم تلبيتها وضمان تلبية الطلب على النقد الأجنبي في المستقبل"، بحسب ما أفادت به وكالة رويترز.
وقالت أيضًا كبيرة المحللين لدى بنك أبوظبي الإسلامي، مونيكا مالك، لوكالة "بلومبرغ" إنه خفض يوم الأربعاء بمثابة خفض جديد وليس تعويم كامل للجنيه المصري مقابل الدولار، مضيفة "إنه ينبع (TADAWUL:3060) من الاختلاف الكبير بين سعر السوق الرسمية والموازية، مما زاد من شح ونقص سيولة العملات الأجنبية".
توقع الخبير الاقتصادي، هاني جنينة، زيادة التدفقات الدولارية خلال الـ 3 أسابيع المقبلة، مشيراً إلى أن السعر العادل للدولار يتراوح بين 26 و28 جنيها. وقال: "إن توقيت طرح شهادة ادخارية بعائد سنوي يبلغ نحو 25% ثم تحرك سعر صرف الدولار يعد خطوة جيدة في إطار تحركات توفير الدولار في السوق الرسمي".
وتوقع عضو مجلس إدارة شركة إيليت للاستشارات في الأوراق المالية، محمد كمال، أن يشهد سعر صرف الجنيه أمام الدولار استقرارا حول المستويات الراهنة بحلول منتصف أو أواخر الأسبوع المقبل.
وقالت كابيتال إيكونوميكس، الشركة الاستشارية ومقرها لندن، إن "المخاوف ظلت قائمة بشأن التزام السلطات" بسعر صرف مرن، لكن التطورات التي حدثت خلال هذا الأسبوع تشير إلى أنها تتحرك في الاتجاه الصحيح".
ما تأثير التعويم على السوق؟
من شأن تعويم الجنيه المصري أن يقلل الضغط على البنك المركزي فيما يتعلق بحجم احتياطيات العملة الأجنبية فيه، بجانب أن انخفاض قيمة العملة الوطنية نتيجة التعويم سيؤدي إلى زيادة الصادرات، والمنتجات المصرية ستصبح أرخص كثيرا في الأسواق الخارجية (لأن الجنيه المصري انخفضت قيمته كثيرا مقابل الدولار واليورو وغيرهما) ومن ثم تصبح أكثر تنافسية.
وفي المقابل ستصبح الواردات أغلى كثيرًا، ومن ثم سيصعب على المصريين شراء الكثير من السلع المستوردة لارتفاع أسعارها بشدة.
رفع الفائدة والتعويم
بعد دقائق معدودة من إعلان البنوك المصرية إصدار شهادات ادخارية تصل إلى 25%، انخفض الجنيه المصري بقوة أمام العملات الأجنبية ليغلق عند مستويات الـ 27.25 جنيه، الأمر الذي يعيد للأذهان مجددًا التعويم المحتمل الذي توقعه أغلب الخبراء والبنوك العالمية.
وغالبًا ما يتزامن إعلان رفع العائد على الشهادات الادخار مع تعديل محتمل لسعر العملة، خاصة في مصر، وذلك من أجل السيطرة على الأسعار وسحب السيولة من السوق، وهو الأمر الذي حدث في 3 تعويمات سابقة للعملة.
أكتوبر 2022
في أكتوبر من العام الماضي عقد المركزي المصري اجتماعًا استثنائيًا ليقرر فيه تعويم الجنيه للمرة الثانية خلال عام بعد زيادة أسعار الفائدة الرئيسية 200 نقطة أساس.
مارس 2022
وهو الأمر ذاته الذي حدث في تعويم مارس 2022، وذلك عندما رفع المركزي المصري بشكل مفاجئ أسعار الفائدة 100 نقطة أساس في 21 مارس 2022، وبعدها بساعات حدث تعويم للعملة. حيث وصل سعر عائد الإقراض لليلة واحدة عند 10.25% وسعر عائد الإيداع لليلة واحدة عند 9.25%. وقفز الدولار حينها سعر الدولار إلى 18.50 جنيه في تداولات الثلاثاء 22 مارس 2022 بعدما كان يحوم قرب مستويات الـ 15.50.
2016..الأول
وأيضًا ارتبط رفع الفائدة بتعويم منذ 2016 عندما تم رفع فائدة الإيداع والإقراض لليلة واحدة 300 نقطة أساس مرة واحدة إلى 14.75% و15.75% على الترتيب بالتزامن مع تحرير أسعار الصرف، حيث قفز الجنيه حينها فوق مستويات الـ 13 جنيها، مقابل 8.88 جنيهات قبل التعويم.