في خطوة اعتبرها البعض بالصادمة قالت منظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك وحلفاؤها المجموعة المعروفة باسم (أوبك +) إنهم قرروا يوم الأحد خفض الإنتاج، وذلك في محاولة منهم لدعم استقرار سوق النفط، لكن هذا القرار تسبب بقلق كبير لدى المستهلكين الذي يزعجهم التضخم مع الوضع في الاعتبار الزيادة المتوقعة في الطلب على الوقود خلال موسم القيادة الصيفي المقبل، ما يعني نقص في المعروض وزيادة في الطلب لتدفع الأسعار إلى زيادة مضاعفة.
أعلنت أوبك + عن "تعديلات" طوعية للإنتاج يوم الأحد ستدخل حيز التنفيذ اعتبارًا من مايو/ أيار وتستمر حتى نهاية العام، كانت هذه الخطوة غير عادية حيث لم يكن هناك أي مؤشرات على اتخاذ أي إجراء أو حدوث تغيير في الإنتاج ولم يكن من المقرر أن يعقد وزراء مجموعة أوبك + رسميًا اجتماع لاتخاذ قرار الإنتاج قبل يوم 4 يونيو/ حزيران.
ومع ذلك عقدت لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك + اجتماعًا يوم الاثنين كما تفعل كل شهرين، ولا تتمتع اللجنة بصلاحية اتخاذ قرارات بشأن الإنتاج، لكنها تتمتع بسلطة طلب اجتماع وزاري لمنظمة أوبك وغير الأعضاء في أوبك في أي وقت لمعالجة تطورات السوق.
كان من المتوقع أن تناقش لجنة المراقبة الوزارية المشتركة JMMC عددًا من قضايا سوق النفط، وتؤكد أن التخفيضات المعلنة مسبقًا البالغة مليوني برميل يوميًا ستظل سارية، وأكدت اللجنة يوم الاثنين بالفعل التزامها بالاتفاق السابق لكنها أشارت أيضًا إلى إعلان يوم الأحد. ما قد يكون هذا أكثر تأثيرًا من التخفيض البالغ مليوني برميل المعلن سابقًا في أكتوبر/ تشرين الأول 2022.
ستخضع المملكة العربية السعودية لأكبر تخفيض، حيث ستخفض إنتاج النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، وتشمل التخفيضات الأخرى العراق بنحو 211 ألف برميل يومياً، والإمارات العربية المتحدة بمقدار 144 ألفًا، والكويت بـ 128 ألفًا، وكازاخستان بـ 78 ألفًا، والجزائر بـ 48 ألفًا، وعمان بـ 40 ألفًا، والجابون بنحو 8 آلاف، ما مجموعه نحو 1.157 مليون برميل يوميا.
ومع ذلك تأتي التخفيضات بالإضافة إلى تخفيضات إنتاج أوبك + السابقة البالغة مليوني برميل يوميًا، بالإضافة إلى تمديد خفض روسيا بمقدار 500 ألف برميل يوميًا رداً على الحدود القصوى لأسعار النفط والعقوبات الغربية، وبذلك يرتفع إجمالي تخفيضات الإنتاج إلى 3.657 مليون برميل يوميًا.
وكإجابة عن السؤال الأكبر في الأسواق عن لماذا هذا الخفض المفاجئ والكبير؟ أكدت وزارة الطاقة السعودية يوم الأحد وكذلك لجنة JMMC في بيان يوم الاثنين إن التخفيضات هي "إجراء احترازي يهدف إلى دعم استقرار سوق النفط".
وتكهنت بعض التقارير الإخبارية والمحللون بأن السعودية زعيمة أوبك الغير رسمية ومن بين أكبر منتجي النفط في العالم ومنتجون رئيسيون آخرون للنفط قاموا بخطوة مفاجئة لخفض الإنتاج بسبب التعليقات الأخيرة لوزيرة الطاقة الأمريكية جينيفر جرانهولم.
ففي 23 مارس/ آذار قالت جرانهولم إن الأمر قد يستغرق سنوات حتى تتمكن الولايات المتحدة من إعادة ملء احتياطي النفط الاستراتيجي، وبدا أنها تراجعت عن تلك تعليقاتها في 28 مارس، والتي قالت فيها إن الولايات المتحدة قد تبدأ في إعادة شراء النفط الخام للاحتياطي الاستراتيجي أواخر هذا العام.
خاصة وأن صحيفة فاينانشيال تايمز قد ذكرت نقلاً عن أشخاص مطلعين على تفكير المملكة العربية السعودية أن الرياض كانت "منزعجة" من هذه التعليقات.
جاءت تلك التصريحات بعدما أعلنت إدارة بايدن العام الماضي بيعًا طارئًا لـ 180 مليون برميل من خام احتياطي البترول الاستراتيجي للمساعدة في خفض أسعار البنزين، وقالت إنها ستعيد ملء الاحتياطي عندما انخفضت أسعار النفط إلى حوالي 70 دولارًا للبرميل.
هذا أدى إلى تراجع خام غرب تكساس الوسيط القياسي الأمريكي إلى أقل من 70 دولارًا للبرميل ليصل إلى أدنى مستوى له في 15 شهرًا يوم 21 مارس.
يقول بعض المحللين أنه إذا تم التسليم بهذا الخفض المعلن بشكل كامل فسيؤدي إلى مزيد من التشديد في سوق النفط التي تعاني أصلاً من عجز يبلغ حوالي 1.4 مليون برميل يومياً في الفترة من مايو/ أيار إلى أغسطس/ آب، مما قد يدفع مؤشر برنت نحو 100 دولار للبرميل في وقت أقرب مما كان متوقعًا في السابق، ما قد يصل السعر إلى حوالي 110 دولارات للبرميل بحلول الصيف، بينما رفع محللو جولدمان ساكس (NYSE:GS) توقعاتهم للنفط خام برنت القياسي العالمي إلى 95 دولارًا بنهاية عام 2023.
وفي نفس السياق قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس جيمس بولارد يوم الاثنين في مقابلة مع تلفزيون بلومبيرج إن الارتفاع الحاد في أسعار النفط بعد إعلان خفض أوبك + قد يجعل مهمة مكافحة التضخم من قبل الاحتياطي الفيدرالي "أكثر صعوبة"، على الرغم من أنه من السابق لأوانه معرفة ذلك على وجه اليقين.
يمكن أن تشهد الأسهم والسندات المزيد من الضغط في المستقبل
في الوقت الذي تكافح فيه الأسواق للبحث عن اتجاه حذر بعض الاستراتيجيين من أن ارتفاع أسعار النفط سيضاعف توقعات التضخم وربما يجبر بنك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية العالمية الرئيسية الأخرى على فرض زيادات إضافية في الأسعار، أو التأخير في تخفيضات أسعار الفائدة.
ويبدو أن أسواق العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي بدأت في إبداء رد الفعل حيث يرى المتداولون الآن فرصة بنسبة 58.3٪ لرفع سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في مايو/ أيار، ارتفاعًا من 48.4٪ يوم الجمعة الماضية.
ومع ذلك لا تزال أسعار النفط أقل بكثير من مستويات العام الماضي، وانخفضت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط بنحو 19٪ عن 12 شهرًا الماضية، بعد ارتفاع النفط الخام في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا.
ما هي التداعيات الجيوسياسية لهذا القرار؟
إن تحرك أوبك + كان على الأرجح مدفوعًا بالجغرافيا السياسية وتحول السعودية بعيدًا عن الغرب، بعدما وصفت العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية بالمتوترة، كما أن قرار الإنتاج له تداعيات على مستقبل سياسة أوبك + النفطية، فضلاً عن صبر الأعضاء وخاصة الإمارات العربية المتحدة، فبالرغم من موافقتها على هذه التخفيضات الطوعية للإنتاج لكن ظهرت تقارير الشهر الماضي أظهرت نفاد صبر المسؤولين من الموقف السلبي لأوبك + وناقشوا داخليًا ما إذا كانوا سيغادرون المنظمة، نقلاً عن تقارير إخبارية، وذلك بعدما هددت الإمارات مرتين بالفعل بمغادرة أوبك +.
أيضاً قد يفسر البعض خفض أوبك + للإنتاج جاء بناءاً على استشراف المجموعة لضعف الطلب المستقبلي على الطاقة نتيجة دخول الاقتصاد العالمي لمرحلة كساد، ما يعني عدم المبالغة في صعود الأسعار ولكن من ناحية أخرى ستكون النتيجة المزيد من الركود.
التحليل الفني للنفط
مصدر الرسم البياني tradingview
تشير البيانات إلى أن أسعار النفط الخام ارتفعت بشكل حاد خلال الفترة الأخيرة، ويتم توضيح ذلك من خلال الرسم البياني المرفق والتي تظهر فيه أسعار العقود الآجلة للخام الخفيف في نايمكس لفترة زمنية يومية، ويظهر الرسم البياني فجوة سعرية إيجابية قد ظهرت مع بداية تداولات الأسبوع، والتي أدت إلى تخلص السعر من جميع الضغوط السلبية التي كان يتعرض لها، وذلك نتيجة لقرار أوبك + المفاجئ بخفض الإنتاج، مما أثار مخاوف نقص المعروض.
يدل ذلك على أن الاتجاه العام لأسعار النفط الخام قد تغير إلى الاتجاه الصاعد، ويشير إلى احتمالية استمرار الارتفاع في الأسعار على المدى المتوسط والقصير، فقد نجح النفط بتداولاته الأخيرة في اختراق سقف قناة سعريه تصحيحية هابطة كان تحد تداولاته السابقة على المدى المتوسط، وقد تزامن ذلك مع اختراقه لسقف تركيبة فنية إيجابية متكونة على المدى القصير وهو نموذج الوتد الهابط، وأيضاً نجح في تخطي مقاومة متوسطه المتحرك البسيط لفترة 50 يوماً السابقة.
أمام ذلك نلاحظ بدء ظهور تقاطع سلبي بمؤشرات القوة النسبية، بعد وصولها لمناطق شديدة التشبع بعمليات الشراء، وبصورة مبالغ فيها مقارنة بحركة السعر، قد يكون وجود هذا التقاطع السلبي يشير إلى أن المستثمرين قد يبيعون السلعة بعد وصول أسعارها لذروة شراء، مما يشير إلى ضعف في الطلب على الأسعار الحالية، ولكن يجب مراقبة الحركة السعرية بشكل دقيق في الفترة القادمة لمعرفة ما إذا كانت هذه الإشارات ستؤدي إلى الضغط على الأسعار ولو بشكل مؤقت أو لن يكون لها تأثير كبير. في النهاية يتعلق الأمر بمدى قوة العوامل الأساسية التي تحرك سوق النفط ومدى تأثيرها.
بوجه عام نحن نتوقع ارتفاع النفط خلال تداولاته القادمة، خاصة طوال استقراره فوق مستوى الدعم 76.25، ليستهدف أولى مستويات المقاومة عند 85.00، وفي حالة ان نجح في اختراق تلك المقاومة فسيفتح المجال أمامه لتحقيق المزيد من الارتفاعات، ليستهدف بعدها مستوى المقاومة المحوري 98.00 دولار للبرميل الواحد، فهذا المستوى يمثل المستهدف السعري لتركيبة الوتد الهابط الفنية المتكونة والسابق الإشارة إليها.
من المهم متابعة تداولات النفط الخام وتطورات الأسعار على الأسواق العالمية ومتابعة الأحداث الجيوسياسية المؤثرة على السوق لتحديد التوقعات المستقبلية واتخاذ القرارات الاستثمارية الملائم.