"عندما تعرف أن دورك انتهى ، أو قد ينتهي ، تعلم أن ترحل قبل أن تلفظك البيئة بشكل سيء ، فسياسة تعلم متى ترحل قد تفتح لك الكثير من الآفاق الجديدة و تقيك الكثير من الخسارة"
أنمار مطاوع
يروي روبرت كيوساكي تجربه له بعد خروجه من الجيش الأميركي، وقد كرر رواية هذه التجربة لأهميتها له في أكثر من كتاب له مثل كتاب الأب الغني والأب الفقير و كتاب ما لا يستثمر به الأغنياء، .. يقول كيوساكي بعد انهائي فترة التحاقي بالجيش ذهبت إلى والدي الغني والذي علمني أهمية الاستثمار لأخبره أني أود الاستثمار معه بمبلغ قد وفرته بعناء وشق الأنفس إلا أنه رفض رغم أن المبلغ لم يكون صغيراً وإنما كان لا يقل عن 20 ألف ، ولكنه أصر بالرفض ، ليخبرني فيما بعد أنه وعلى الرغم أن من يدير الاستثمار شخص بارع إلا أنها يتبقى مال شخص غير مؤهل للاستثمار بعد ولهذا هناك استثمارات للأغنياء فقط ليس لأنهم أغنياء و إنما لمجرد امتلاكهم العقلية الصحيحة و النفسية المدربة على الاستثمار.
العقل البشري أمام الضغط الكبير
"علينا أن نكتشف أنفسنا بشكل كبير ، علينا أن ندرك مشاعرنا ، عليك أن نعرف عن عقولنا فنحن أداة و هذه الأداة إن لم نعي استخدامها جيداً فلن ننجح"
آنا فرويد
آنا في كتابها ( Eco and Mechanism of defence ) ، والذي يتكلم عن السياسات السيكولوجية اللاواعية في تشكيل دفاعات نفسية ، تقول أن العقل البشري في ظل تعرضه للضغط العصبي ، التوتر ، أو الصدمات العاطفية فإنه ونظراً لغريزة البقاء الموجودة فيه ، يقابله بما يسمى نكران الواقع ، وهي الحالة التي يقوم فيها الدماغ بتعتيم على كل ما هو منطقي من أجل البقاء ، وهذا ما يجعل البعض ينكر أن فلان من الناس توفى على الرغم من أنه قد توفى فعلاً ، وهذا ما يجعل أشخاص تصر على مشروع خاسر رغم أنه خاسر فعلا ً إلا أن الشعور بالخسارة أو فقدان عزيز من المشاعر التي يكرهها الدماغ وتسبب له ضغط عصبي يمنعه من إفراز الدوبامين ، لذلك حتى يتأقلم مع هذا الضغط فإنه يعمل على تجاهله وفق سياسة تعرف بالتعتيم ( Denial).
بيئة السوق والعقل البشري
" للمال لغة لا بد من اتقانها وإلا لن تتواصل معه، ولكن أحذر من العواطف فعليك ترويضها أو قد تفسد التواصل بينك وبين المال"
هارف إيكر
ارنست فيهر ( Ernst fehr ) أحد علماء الاقتصاد في سويسرا قام بتأسيس مختبر تحت مسمى ( Sensory_Motor System )، يقوم فيه بدارسة أثر العواطف على القرارات العقلانية ليجد أن نسبة تصل إلى 90% من المتداولين يقعون تحت فخ العواطف التي تكبح القرة على اتخاذ القرار العقلاني ، وهذا ما يؤكد النظرية التي تكلمت عليها آنا في كتابها ، لذلك لابد للمتداول.
التجارب تقودنا إلى أن نطرح الأسئلة
في ظل سوق سريع التدفق ، يجعل المتداول تحت رغبة جامحة تعلوها الطمع بالربح ، أو الخوف الكبير من الخسارة وفي ظل أن الإنسان في أساسه غير مهيئ للتعامل مع هذا الضغط العالي من المشاعر يقودنا إلى نطرح أهم سؤال وهو هل نحن فعلاً غير مهيئين لأن نتداول وإذا كان كذلك ما الذي علينا تعديله نحن أم النظام بشكل كامل.
عالم الاقتصاد ( Sacha bourgeois ) يجبينا على هذه المعضلة بأحد أهم نظريات علم الاقتصاد العصبي الحديث و التي ظهرت في جامعة بافي أون في باريس ، والتي تنص على أن:
إن تاريخ تعامل العقل البشري مع العملات التقليدية هو 7000 عام ، وهذا رقم كبير جداً مقارنة بتاريخ تطور العقل البشري الذي قابل التداول بشكله الحديث منذ أقل من 40 عام ، لهذا يمكن القول أن العقل البشري لم يألف أو يتأقلم مع النظام الاقتصادي الجديد و القائم على السرعة العالية.
النهاية ليست بالاعتزال
" إذا كانت النهاية بهذه البساطة كان كلنا قد وصل إلى النهاية وفاز"
صلاح أبو المجد
كلنا دون استثناء لا يلوق لنا هذا الكلام ، من مقدمته إلى الدراسة التي قدمتها لنا آنا ، أو النظرية التي تكلم عنها ساشا ، لكن ليست هنا النهاية طبعاً ، ولم تنتهي القصة بعد ، وإنما يمكن القول حتى نسهل الموضوع أن ليس الجميع مؤهل ليتعامل مع أسواق المال مثل تماماً أن هناك فئة واسعة جداً غير مؤهلة لأن تعلب رياضة تتطلب مرونة عالية ، وهنا يقودنا الأمر إلى أكثر الأسئلة جدلاً في تاريخ علم الاقتصاد و التعامل مع المال وهو:
هل يمكن أن نعرف إذا كنا مؤهلين للتعامل مع أسواق المال أم لا ، وإذا كان كذلك كيف نعرف و ما الحل ؟
الجواب المنطقي
بالرجوع إلى أهم كتب الاقتصاد، وأهم كتب التداول وأكثر كتب الثراء نجاحاً نرى قاسماً مشتركاً لمجموعة من أهم الأسئلة التي لابد لك أن تطرحها على نفسك لترى فيما إذا كنت مؤهلاً لكي تتعامل مع بيئة أسواق المال، وهي التالي:
1. هل أنا مدرب عاطفياً للتعامل مع التقلبات المزاجية؟
2. هل أنا مدرب عاطفياً وعقلياً للتعامل مع حالات الغموض؟
3. هل أنا مدرب عاطفياً وعقلياً لكي أكتشف أني مخطئ؟
4. هل أنا مدرب عاطفياً وعقلياً لكي لا ألقي اللوم على المحلل أو على السوق؟
5. هل لدي المرونة العقلية لكي أستوعب مفردات الاقتصاد الصعبة؟
6. هل انا مدرب لكي أتعامل مع أنواع مختلفة من الأسواق في ظل فترة واحدة أم علي أن أتخصص في سوق واحد ؟
7. هل أنا مدرب عاطفياً للتعامل مع الخسارة على أنها أمر طبيعي ؟
8. هل أنا مدرب عاطفياً للتعامل مع المضاربة أم مع الاستثمار ؟
9. هل أنا أجيد الحوار الاقتصادي بشكل موضوعي بعيداً عن العاطفة ؟
10.هل تبقى قراراتي العاطفية هي ذاتها بعد الربح الكبير أم تتغير ؟
حقيقة هذه الأسئلة لكل شخص لا يعرفها إلا الشخص نفسه فإذا كانت النسبة الكبيرة منها لا ، فأنت قد تحتاج إلى أن تعيد التفكير في الكيفية العاطفية التي تفكر بها ، وهذا ما سيكون العنوان التالي.
رأي المحلل الفني
في الختام عزيزي القارئ تذكر تماماً أن الاستهانة بالتعامل مع الأسواق، تعني أن تقابلك الأسواق بذات الإهانة، لذلك لا تستهين بالأسواق حتى تستهين الأسواق بك، وتعلم وفتش ودور وتذكر أن تستشار في البداية حتى لا تتكلف الكثير في النهاية.
المحلل: عمر الصياح
للمزيد تابعنا على التويتر...
Twitter: @omarsyyah