تعرضت أسعار الذهب لضغط شديد هذا العام بفعل قوة الدولار والسندات الأمريكية، لكن المعدن الأصفر يستعد لاختراق كبير في المستقبل القريب.
يتم تداول الذهب خلال هذه اللحظات من تعاملات اليوم حول مستوى 1950 دولار للأوقية. ومن هذا المستوى المنخفض، يمتلك المعدن الأصفر فرصة لتحقيق ارتفاعات كبيرة خلال الفترة القادمة، ومن المفترض أن يشهد العام المقبل ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار.
تأثر الذهب بقوة الدولار الأمريكي خلال معظم هذا العام. وذلك باعتبار أن العلاقة بينهما دائمًا ما تكون عكسية، أي إذا ارتفع الدولار ينخفض الذهب، والعكس صحيح. وفي هذا السيناريو، ومع وصول الفيدرالي لذروة التشديد النقدي، أي لا يوجد مجال في الغالب لرفع إضافي للفائدة، سوف يخسر الدولار الأمريكي كثيرًا من قوته التي اكتسبها هذا العام، وهذا أمر إيجابي بالنسبة للذهب.
بتداول الذهب عند مستوى 1950 دولار للأوقية نعتقد أنه مقوم بأقل من قيمته الحقيقية. وبالتالي عندما يدرك السوق حقيقة هذا الأمر، ويبدأ الحديث عن تخفيضات الفائدة العام القادم، سوق يخترق حاجز 2000 دولار مجددًا وعندئذ سيواصل الملاذ الآمن قفزاته حتى يصل إلى مستويات قياسية جديدة.
المخاطر الجيوسياسية
انتعشت أسعار الذهب بشكل ملحوظ على الرغم من الرياح المعاكسة الشديدة المتمثلة في ارتفاع الدولار الأمريكي، حيث إن المخاطر الجيوسياسية في الشرق الأوسط قدمت دعمًا ملحوظًا للأسعار خلال الفترة الماضية، مما يشير إلى أن الذهب لا يتأثر فقط بتوقعات الفائدة وتحركات الفيدرالي الأمريكي أو الدولار.
دفعت التوترات الجيوسياسية الكثيرين للبحث عن أصول الملاذ الآمن متمثلة في الذهب، وهو ما دعم أسعار المعدن الثمين.
وفي الوقت نفسه، صمد الذهب نسبيًا مقابل السندات والدولار الأمريكي لكنه بدأ بعد ذلك في التقهقر، مع انخفاض المتوسط المتحرك لمدة 50 يومًا (DMA) إلى ما دون المتوسط المتحرك لمدة 200 يوم في نهاية سبتمبر. هذا ما يسميه المحللون الفنيون "تقاطع الموت، وعلى الرغم من اسمه المشؤوم، فإن هذه العلامة الفنية غالبًا ما تشير إلى قاعدة جديدة. ووفقًا لذلك، انتعش الذهب بشكل كبير، على الرغم من قوة السندات والدولار.
يُنظر إلى الذهب دائمًا على أنه أصل "ملاذ آمن"، مما يعني أنه خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي أو المخاطر الجيوسياسية المتزايدة، يلجأ المستثمرون تاريخيًا إلى المعدن الثمين للتحوط، مما يدفع سعره إلى الارتفاع.
ومع عدم وجود آفاق لانتهاء الحرب في غزة على المدى القريب، من المتوقع أن يندفع المستثمرين إلى الذهب للتحوط من المخاطر الجيوسياسية التي قد تتفاقم بمرور الوقت، وهو الأمر الذي قد يدفع الأسعار للأعلى.
مشتريات البنوك المركزية
بالانتقال إلى تأثير مشتريات البنوك المركزية، فبعد أن وصلت إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق في عام 2022، حافظت البنوك المركزية على شراء الذهب بكثافة خلال هذا العام.
بين مارس ومايو 2023، كان البنك المركزي التركي يبيع الذهب في الأسواق العامة المحلية لتلبية الطلب القوي على السبائك والعملات والمجوهرات بعد حظر جزئي مؤقت على واردات الذهب، لكنه بعد ذلك استأنفت مشترياته قوي وكانت هناك ثلاثة أشهر متتالية من الشراء.
وفي الوقت نفسه، واصلت الصين تعزيز حيازاتها من الذهب للشهر الثاني عشر على التوالي في أكتوبر، وهو ما وفر دعمًا ملحوظًا لأسعار الذهب بالتزامن مع مشتريات مكثفة من البنوك المركزية حول العالم للمعدن النفيس. يأتي ذلك بالتزامن مع تراجع احتياطيات العملات الأجنبية للبلاد خلال الشهر الماضي. وهو الأمر الذي يشير إلى أن الصين تتجه إلى تعزيز احتياطياتها من الذهب بدلاً من النقد الأجنبي.
ارتفعت مخزونات الذهب التي أعلن عنها بنك الشعب الصيني بنحو 740 ألف أونصة في أكتوبر، وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع. وهذا يعادل حوالي 23 طنًا، وبذلك يصل إجمالي المخزون إلى 2215 طنًا.
وكانت الحكومة الصينية من بين أكبر مشتري الذهب في العام الماضي، حيث قامت دول من بولندا إلى سنغافورة بتنويع احتياطياتها المالية عن طريق إضافة المعدن الثمين. وانتعشت مشتريات البنوك المركزية في الربع الثالث إلى أعلى مستوى هذا العام، وفقا لمجلس الذهب العالمي.
وفي غضون ذلك، شهد شهر سبتمبر زخمًا هائلاً فيما يتعلق بمشتريات الذهب من قبل البنوك المركزية حول العالم، وفقًا لكريشان جوبول، كبير المحللين في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في مجلس الذهب العالمي.
وأفاد جوبول في تقرير حديث صدر الأسبوع الماضي بأن: "احتياطيات الذهب المعلن عنها من قبل البنوك المركزية العالمية عبر صندوق النقد الدولي والمصادر المتاحة للجميع قد ارتفعت بصافي 77 طنًا في سبتمبر".
جاء في التقرير أيضًا أن المشترون الرئيسيون كانوا جميعهم من الأسواق الناشئة، وهو الأمر الذي يشير إلى أن هذه الدول تتحوط من أمر ما. حيث تمت الإشارة أيضًا إلى أن بنك الشعب الصيني قد أضاف أكبر قدر من الذهب إلى احتياطاته خلال الشهر بمشتريات بلغت 26 طنا، يليه البنك الوطني البولندي والبنك المركزي الأوزبكي.
وبالنظر إلى مشتريات البنوك منذ بداية العام وحتى الآن، أشار جوبول إلى أن "بنك الشعب الصيني تعد أكبر مشتري للذهب في عام 2023 حتى الآن"، وأن البنوك المركزية لدول الأسواق الناشئة "كانت القوة الدافعة في جانب المشتريات والمبيعات".
وعلى الجانب الآخر، تراجعت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي بحوالي 14 مليار دولار في أكتوبر، وبلغت 3.101 تريليون دولار، وفقًا للبيانات الرسمية الصادرة هذا الأسبوع. ويعزى الخبراء هذا التراجع إلى تدفق رؤوس الأموال خارج البلاد بسبب ضعف اليوان، بجانب اهتمام الصين بتعزيز مشتريات من الذهب بدلاً من تعزيز احتياطياتها من النقد الأجنبي.