دفعت بيانات التضخم التي صدرت هذا الأسبوع أسعار الذهب إلى ما فوق 1950 دولاراً للأوقية. ومع ذلك، على الرغم من مكاسب المعدن الأصفر هذا الأسبوع يوم الثلاثاء، من المتوقع أن تتعرض الأسعار للضغط على المدى القريب.
شهدت أسعار الذهب في شهر أكتوبر قفزة قوية بفعل الحرب على غزة، ومع استقرار التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط واستمرار الحرب محصورة داخل حدود فلسطين، من المتوقع أن تتراجع أسعار الذهب إلى ما دون 1900 دولار للأوقية في الأسابيع القليلة القادمة.
ومع ذلك، وعلى الرغم من توقعاتنا الهبوطية على المدى القريب للمعدن الأصفر، ما زال الذهب يتمتع بدعم صعودية على المدى الطويل حتى عامي 2024 و2025.
وجهة نظرنا هي أنه حتى لو حدث تصحيح، فمن المتوقع أن تجد أسعار الذهب الدعم مع بدء بنك الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة، وهو ما تعتقد الأسواق أنه سيتم في شهر مايو المقبل. على الرغم من أننا نرى أسعار الذهب تتراجع على المدى القريب، في أعقاب وقف إطلاق النار طويل الأمد في غزة والذي سيأتي في نهاية المطاف، إلا أن الأسعار سترتفع مرة أخرى مع بدء تراجع الدولار بفعل التحول المتوقع في سياسة الفيدرالي الأمريكية النقدية.
تستمر بيانات التضخم الصادرة يوم الثلاثاء في دعم التوقعات بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد انتهى من رفع أسعار الفائدة في دورة التشديد هذه، بجانب بيانات إعانات البطالة الأمريكية التي صدرت أمس. حيث أظهر مؤشر أسعار المستهلكين لشهر أكتوبر أن التضخم ارتفع بنسبة 3.2% في الأشهر الـ 12 الماضية. وكانت هذه أضعف زيادة منذ ديسمبر 2021.
وفقًا لأداة متابعة الفائدة الفيدرالية على إنفستنغ السعودية، ترى الأسواق أن هناك فرصة بنسبة 100٪ تقريبًا أن يترك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة دون تغيير الشهر المقبل. فيما تتوقع الأسواق أن يتم التخفيض الأول لأسعار الفائدة في شهر مايو، مع ما مجموعه ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة خلال العام المقبل.
على الرغم من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد انتهى من تشديد أسعار الفائدة، إلا أنه أشار إلى أنه سيستمر في الحفاظ على أسعار الفائدة مقيدة في المستقبل المنظور للتأكد من أن التضخم في طريقه إلى التراجع إلى هدفه البالغ 2٪.
وفي التعليقات التي أدلى بها في حدث استضافه صندوق النقد الدولي، قال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن اللجنة ما زالت غير متأكدة من أنها فعلت ما يكفي لخفض التضخم.
وقال خلال الحدث: "إذا أصبح من المناسب تشديد السياسة النقدية بشكل أكبر، فلن نتردد في القيام بذلك".
قوة الدولار
في الوقت نفسه، من شأن حفاظ الدولار على قوته على المدى القصير أن يضغط على أسعار الذهب، خاصة أن الحركة دائمًا ما تكون عكسية فيما بينهما.
من متوقع أن يوفر الاقتصاد القوي للولايات المتحدة والعائدات المرتفعة وضعف العملات الرئيسية الأخرى مزيدًا من الدعم للعملة الأمريكية، وفقًا لخبراء استراتيجيين في "غولدمان ساكس (NYSE:GS)" برئاسة كاماكشيا تريفيدي. وهو الأمر الذي سوف يضغط على أسعار الذهب.
الدولار لا يزال يحافظ على ارتفاعه بنحو 0.7% هذا العام، بعد انخفاضه عن أعلى مستوى سجّله في عام 2023 خلال الشهر الماضي. يُتوقع أن يحقق مكاسب سنوية للسنة الثالثة على التوالي، خاصة مع تلميحات من مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالحفاظ على أسعار الفائدة عند مستويات مرتفعة لفترة إضافية للتصدي للتضخم.
في توقعاتهم السنوية للعملة الأمريكية، أشار الاستراتيجيون إلى أن الدولار لا يزال قويًا، ومن المتوقع أن يعود الاقتصاد العالمي إلى توازن أفضل في العام المقبل، وهو عامل يمكن أن يؤثر إيجابًا على قيمة الدولار مع مرور الوقت.
ومع ذلك، تشير الآراء داخل غولدمان ساكس، إلى أن العوائد المرتفعة ينبغي أن توفر حاجزاً عالياً يجب تجاوزه، من أجل توقعات العائد الإجمالي". بدلاً من انخفاض الدولار بشكل حاد كما حدث بعد اتفاقية بلازا في الثمانينيات - اتفاق لخفض قيمة الدولار مقابل الين الياباني والمارك الألماني - يتوقع الخبراء انخفاضًا أقل عمقًا.
ويرى هؤلاء الخبراء أن المخاطر التي تهدد وجهة نظرهم "تميل نحو دولار أقوى لفترة أطول، إذا تبين أن اقتصادات الدول الأخرى غير قادرة على التعامل مع مستوى القيود المطلوبة من الولايات المتحدة".
توقع خبراء من مصرف "غولدمان ساكس" مساراً صعباً أيضاً لليورو، حيث يتوقعون ارتفاعه إلى 1.10 دولار خلال العام المقبل، مقارنة بنحو 1.07 دولار حالياً، مع تحسن النمو الاقتصادي في النصف الثاني من 2024 وتلاشي تأثير صدمة ارتفاع أسعار الطاقة.
وتتمثل المخاطر الرئيسية التي حددها الخبراء في ضعف النمو الذي يؤثر على الائتمان السيادي، فضلاً عن الصدمات الإضافية في أسعار الطاقة.
أما بالنسبة للين الياباني، فالسوق يشعر "بخيبة أمل" بسبب تقدم اليابان نحو سياسة التشديد المالي. ويتوقع "غولدمان ساكس" تراجع سعر صرف الين إلى 155 يناً للدولار خلال الأشهر الستة المقبلة، من نحو 149 حالياً، مشيرين إلى أن الين يجد صعوبة في مواجهة الوضع الاقتصادي الكلي.
وفيما يتعلق بالجنيه الإسترليني، يتعرض لمزيد من الضغوطات في المدى القريب نظراً لحساسيته تجاه أسعار الفائدة الحقيقية. حيث أشار الخبراء إلى أن الاتجاه الصاعد سيظل محدوداً، خاصة مع تردد بنك إنجلترا في استئناف رفع أسعار الفائدة. ومن المتوقع وصول سعر الجنيه إلى 1.18 دولار خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، من مستوى 1.24 دولار الذي يسجله حالياً.