الذهب يحاول الانتصار.. والفيدرالي يسعى للسيطرة على الأضرار

فاجأ جيروم باول الأسواق في مؤتمره الصحفي مساء الأربعاء الماضي .. وتحدّث بلهجة واضحة أن الفيدرالي أصبح يفكّر جدّيا بخفض أسعار الفائدة في أقرب وقت ممكن من العام القادم.

هذه المفاجأة أحدثت صدمة في الأسواق بشكل عام .. لكن هذه الصدمة يمكن القول عنها أنها مؤقتة .. لأن الأسواق كانت تراهن أساسا على البدء بعمليات خفض أسعار الفائدة في اجتماع الفيدرالي الثالث في عام 2024 [اجتماع 01/05/2024] .. والذي حدث فعليا أن جيروم باول أعلن أن هذا الأمر أصبح رسميا ولم يعد فقط رهان الأسواق.

قبل المؤتمر الصحفي كانت الأسواق تراهن على البدء بالتخفيض في الاجتماع الثالث كما ذكرنا أعلاه .. وبعد المؤتمر الصحفي أصبحت الأسواق تراهن على خفض أسعار الفائدة بدئا من الاجتماع الثاني لعام 2024 [اجتماع 20/03/2024] أي أن ما حدث فعليا هو صدمة مؤقّتة .. متوافقة أساسا مع رؤية ورهان الأسواق.

السيطرة على الأضرار التي أحدثها حديث البروفيسور

·      هناك مصطلح اقتصادي معروف يسمى [Damage Control] .. وهو يعني التحكم بالأضرار أو السيطرة عليها ومعالجتها.

·      هذا المبدأ عادة ما يتم من خلال إظهار رد فعل واضح على حدث أو مجموعة أحداث أثّرت على الاقتصاد بشكل أو بآخر.

·      حديث جيروم باول في مؤتمره الصحفي الأخير تم وصفه من قبل بعض المختصين الاقتصاديين بأنه أحدث ضررا [Damage] في الأسواق بشكل مباشر.

·      وربما تصريحات أعضاء الفيدرالي التي شهدناها مؤخرا يوم الجمعة هي أحد أنواع السيطرة على الأضرار.

·      وعلى وجه التحديد تصريحات [ويليامز] رئيس فيدرالي نيويورك الذي ذكر نصا "يحتاج بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى التركيز على الأهداف وليس على آراء السوق" .. وكأنه يغمز إلى أن حديث جيروم باول قام بمحاباة الأسواق أو مجمالتها من خلال التركيز على نقطة خفض أسعار الفائدة بينما قال في حديثه أيضا "نحن لا نتحدّث عن تخفيضات الأسعار الآن".

·      بمعنى آخر أن التضارب واضح في التصريحات بين أعضاء الفيدرالي .. وهو ما يحدث حالة من الفوضى أيضا في رد فعل الأسواق.

·      التساؤل الذي قد يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ .. أن الأسواق سوف تأخذ حديث جيروم باول فقط على محمل الجدية لأنه يبقى هو رئيس الفيدرالي .. بينما البقية هم أعضاء في الفيدرالي؟!.

·      التساؤل منطقي إلى حد ما .. لكن .. الأسواق تفاعلت مع تصريحات أعضاء الفيدرالي لأن حديثهم لم يكن عن رأيهم الشخصي .. بل كان حديثهم عن أعضاء الفيدرالي بشكل عام.

·      والنقطة الثانية .. أن التفاعل مع حديثهم أتى بطريقة أقل حدّة من تفاعل الأسواق مع حديث "باول" سابقا يوم الأربعاء .. لذلك كان رد الفعل منطقي أيضا بناء على النقطتين السابقتين.

·      في فترة سابقة وعندما كانت [جانيت يلين] رئيسة الفيدرالي .. كان لها تصريح سلبي مشابه في طريقته لتصريح جيروم باول .. ومن ثم في الأسبوع التالي كان هناك تصريحين من أعضاء الفيدرالي .. والمفارقة أن رد الفعل كان كبيرا في المرة الأولى مع تصريحات [يلين] .. ومن ثم رد الفعل كان مماثلا وأكثر بقليل مع تصريحات عضوي الفيدرالي.

·      بعبارة أخرى الأسواق تتفاعل مع التصريحات التي تعتبرها أكثر واقعية بناء على المعطيات الحالية .. وبعض المختصين يعتبرون أيضا أن هذه التصريحات المتضاربة هي جزء من خطة عمل الفيدرالي للسيطرة على الأضرار بحسب المصطلح الاقتصادي.

·      بمعنى أن الفيدرالي عندما شاهد رد فعل كبير من الأسواق على حديث "البروفسيور" غيّر من تكتيكه .. وقام بحركات جديدة على رقعة الشطرنج للحفاظ على سيطرته على خصمه "الأسواق".

العقود الآجلة وعقود الخيارات

-       من الرسم البياني أعلاه للعقود الآجلة للذهب يمكن ملاحظة أن العقود الآجلة للذهب لم تشهد حجم تداولا كبير في يوم الفيدرالي.

-       بل على العكس كان يوما اعتياديا من حيث أحجام التداول .. وأدنى بقليل ربما من متوسط أحجام التداول في الفترة الموضّحة في الرسم البياني.

-       العقود الآجلة المستمرة بتاريخ 1 ديسمبر [بعد حديث جيروم باول السابق] بلغ 510,000 لوت تقريبا .. بينما العقود الآجلة المستمرة بنهاية تداولات الجمعة 15 ديسمبر بلغ 478,000 لوت .. أي أن العقود الآجلة المستمرة انخفضت بأكثر من 6%.

-       عقود الخيارات أيضا لم تشهد حجم تداولات كبير في يوم الفيدرالي .. وكان حجم التداولات متوسطا أو أعلى من المتوسط بقليل مقارنة بالشموع في الرسم البياني للفترة المحدّدة.

-       إلا أن يجب ملاحظة أن عقود الخيارات المستمرة ازدادت بشكل واضح كما هو واضح من الخط البياني المرافق للشموع [لاحظ الدائرة الحمراء بداية شهر ديسمبر والداشرة الحمراء نهاية تداولات يوم الجمعة الماضية].

-       ارتفعت العقود المستمرة من 806,000 لوت [في 1 ديسمبر] إلى 894,000 لوت [في 15 ديسمبر].

-       أي أن نسبة ارتفاع العقود المستمرة بلغ تقريبا 11% ارتفاعا عن ما كان عليه بداية هذا الشهر.

الذهب .. أساسيا

-       البيانات الاقتصادية المنتظرة هذا الأسبوع بالرغم من أهميتها بشكل عام .. إلا أنها لا تتضمن بيانات كبرى مؤثّرة في الأسواق .. باستثناء بيانات يوم الجمعة نهاية هذا الأسبوع.

-       حيث يصدر مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي العام والأساسي .. وهو المؤشر المفضّل للفيدرالي الأمريكي .. والمتوقع أن يصدر بانخفاض طفيف عن القراءة السابقة [السابق 3.5% المتوقع 3.4%].

-       إذا لم نشهد مفاجآت في البيانات بشكل عام [سواء مفاجأت إيجابية أو سلبية] فإن المتوقّع أن تكون حركة الأسعار مرتبطة بشكل أكبر بالتحليل الفني.

-       أحد البيانات المتوسطة الأهمية لكنها قد تحدث تأثيرا في الأسواق .. هو المذكور في الصورة أعلاه .. والذي يصدر مساء تداولات يوم الثلاثاء [فجر الأربعاء] .. قد يحدث تأثيرا إيجابيا في الأسواق إذا ما صدر كما هو متوقع له.

-       خصوصا وأن الأسواق قد تقارن التدفقات الإيجابية الواردة لسندات الخزانة الأمريكية مع التدفقات السلبية المسحوبة من الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الصيني .. وهذا قد يعطي إيجابية للدولار.

خلاصة القول

·      التحليل الفني لأسعار الذهب والفضة في الفيديو المرفق نهاية هذا المقال.

·      عقود الخيارات برأيي أنها لازالت هي المتحكم الرئيسي في حركة أسعار الذهب لغاية الآن .. وارتفاع حجم العقود المستمرة فيها بعكس العقود الآجلة .. هو دليل إضافي على قوّة تأثيرها وسيطرتها على الأسعار.

·      عقود الخيارات طويلة الأمد تنتهي بنهاية تداولات يوم الثلاثاء 26/12/2023 .. لذلك يجب الانتباه وأخذ الحذر في تداولات يوم الثلاثاء الأسبوع القادم .. خصوصا وأن عقود الخيارات كما ذكرت تبدو المتحكّم الأكبر والرئيسي في أسعار الذهب .. لذلك قد يكون التأثير مضاعفا.

·      التساؤل الذي يتبادر دائما إلى الأذهان .. ماذا إن لم يحدث رد فعل واضح؟! .. هذا الأمر وارد .. لأنه قد يتم تغطية المراكز بمراكز أخرى مماثلة في العقود الجديدة .. لكن من المنطقي أن تكون هناك سيولة كبيرة في الأسواق .. وربما بعض التحرّكات الحادّة.

·      على سبيل المثال كان لدى الأسواق نهاية العقود الآجلة للأسهم والمؤشرات في نهاية تداولات يوم الجمعة الماضية .. لم نشهد رد فعل واضح في الأسواق .. لكن شهدنا حركة سعرية سريعة وخاطفة على مؤشر داو جونز وصلت إلى 100 نقطة في 3 دقائق فقط .. وعادت الأسعار لتستقر بعدها .. لأن السيولة الكبيرة تحدث خللا في الأسواق .. ومن ثم إما أن يتم إعادة تغطيتها بمراز جديدة وهذا يلغي حدوث أثر كبير السوق .. أو أن يتم التخلي عن نسبة منها .. وهنا يحدث التأثير الأكبر بحسب النسبة التي يتم التخلي عنها.

·      التساؤل الآخر .. هل من الممكن أن نشهد رد فعل إيجابي وارتفاع أسعار الذهب؟! .. بكل تأكيد لا يمكن الجزم بالاتجاه .. لكن من المنطقي أن يكون رد الفعل سلبيا هابطا .. لأن مراكز عقود الخيارات تميل بشكل كبير لعمليات الشراء .. مما يعني منطقيا أن التخلي عن جزء منها يعني السلبية والهبوط.

·      أما التأثير الإيجابي فقد يحدث إذا تمت عملية شراء عقود مماثلة في الفترة الجديدة قبل عمليات إغلاق أو تصفية العقود التي شارفت على نهايتها .. وتبقى جميع السيناريوهات واردة بحسب طريقة تفاعل كبار المستثمرين.

·      حجم العقود المحدود الذي شهدناه يوم الفيدرالي سواء في العقود الآجلة أو في عقود الخيارات يعني بشكل أو بآخر أن ارتفاع الأسعار ب 55 دولار في يومها لم يترافق مع زخم حقيقي .. أي بعبارة أخرى أن هذه الإيجابية كانت مؤقّتة وأقرب للوهمية في حينها.

·      شخصيا رأيي أن السلبية هي الأقرب فنيا وأساسيا ومنطقيا.

سوف نتابع معكم تقلبات الأسعار أولا بأول في المقالات القادمة، ولمزيد من التحديثات السريعة والمستمرة يمكنكم متابعة

حسابي على منصة X [تويتر]

@GhaithAbohlal

حيث يمكنكم التفاعل من خلال التعليقات في أي وقت

تذكير على هامش المقال:

. أسواق التداول تتقلب باتجاهاتها دائما، وتعتمد على الكثير من المعطيات والأخبار، بالإضافة إلى كبار البنوك وصناع السوق الذين يقومون غالبا بتوجيه السوق، حتى بخلاف الواقع والمنطق أحيانا.

. الآراء والأفكار أعلاه هي خلاصة التحليل، وهي ليست توصيات مباشرة، وإنما هي نصيحة للمتابعين، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا أحد قادر على الربح بشكل مستمر من عمليات التداول حتى كبار المستثمرين.

. لذلك نسعى دائما للحد من الخسائر، وزيادة الأرباح بما يتوافق مع التحليل ووجهة النظر لطريقة تداول الأسعار، وذلك من خلال تطبيق العديد من طرق التحليل مجتمعة ومتقاطعة لمحاولة الوصول لأفضل النتائج.

. نحن علينا الاجتهاد، والله ولي التوفيق.