انتهت دورة التشديد النقدي غير المسبوقة التي اتبعها بنك الاحتياطي الفيدرالي، لكن جاءت بيانات التوظيف الأمريكية التي صدرت هذا الأسبوع لتضيف مزيدًا من الغموض بشأن توقعات الفائدة، وهو الأمر الذي ينعكس بطبيعة الحال على أسعار الذهب.
تعرض الذهب لبعض الضغط هذا الأسبوع من البيانات الاقتصادية التي أكدت أن سوق العمل الأمريكي ما زال يتمتع بالقوة ويضيف مزيدًا من الوظائف، وهو الأمر الذي يؤخر سيناريو الهبوط الناعم الذي يحاول الفيدرالي إجراؤه مما يدفعه نحو الحفاظ على الفائدة في مستويات عالية لفترة أطول.
في اجتماعه الأخير للسياسة النقدية لعام 2023، أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي، في توقعاته الاقتصادية المحدثة، إلى احتمال إجراء ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة العام المقبل. وفي الوقت نفسه، وفقًا لأداة متابعة الفائدة الأمريكية المتاحة على موقع إنفستنغ السعودية، كانت الأسواق تقوم بتسعير ما يقرب من 200 نقطة أساس من التيسير في عام 2024، ويتوقعون أن يبدأ البنك المركزي في التيسير في وقت مبكر في شهر مارس.
ولكن بعد صدور بيانات التوظيف اليوم، خفف المتداولون خلال هذه اللحظات من تعاملات، اليوم الجمعة، من توقعاتهم بأن يبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة في مارس بعد أن أظهر تقرير سوق العمل الشهري أن أصحاب العمل أضافوا المزيد من العمال في ديسمبر أمبر مما توقعه الاقتصاديون.
أشارت العقود الآجلة التي المرتبطة بسعر فائدة بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى أن المتداولين يرون فرصة بنسبة 50٪ فقط لخفض سعر الفائدة في مارس، مقابل فرصة تبلغ 65٪ تقريبًا قبل بيانات الوظائف الأقوى من المتوقع.
كما قام المتداولون أيضًا بتقليص رهاناتهم حول المدى الذي سيخفض فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة هذا العام، ويتوقعون الآن أن ينهي سعر الفائدة، الذي يقع حاليًا في نطاق 5.25٪ -5.5٪، العام فوق 4٪ بقليل. وكانوا في وقت سابق قد حددوا سعر الفائدة في نهاية العام بأقل من 4٪.
وفي الوقت نفسه، قلصت أسواق المال رهاناتها على تخفيضات أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي لعام 2024، وسعر 140 نقطة أساس من 144 نقطة أساس قبل البيانات الأمريكية.
وتشير أيضًا العقود الآجلة لأسعار الفائدة في المملكة المتحدة إلى حوالي 117 نقطة أساس من التخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2024، بانخفاض من 130 نقطة أساس يوم الخميس.
فيما قام متداولو العقود الآجلة لأسعار الفائدة الأمريكية قصيرة الأجل بتخفيض الرهانات على تخفيضات أسعار الفائدة الفيدرالية بعد بيانات الوظائف.
أظهر تقرير العمل الشهري في الولايات المتحدة الصادر عن مكتب إحصاءات العمل ارتفاع وتيرة التوظيف في شهر ديسمبر بأكبر من التوقعات، بجانب ثبات معدل البطالة وارتفاع متوسط الأجور في الساعة على أساس سنوي، وكلها أسباب تمنح الفيدرالي المبرر لإبقاء السياسة النقدية المتشددة لفترة أطول.
وكانت بيانات يوم الخميس قد أظهرت أن مطالبات البطالة الأسبوعية انخفضت أكثر من المتوقع الأسبوع الماضي وأن أصحاب العمل في القطاع الخاص وظفوا عمالًا أكثر مما كان متوقعًا في ديسمبر. حيث أضاف القطاع الخاص الأمريكي 164 ألف وظيفة في ديسمبر مقارنة بتوقعات أشارت إلى 130 ألفًا فقط، كما تراجعت طلبات إعانة البطالة إلى أدنى مستوى في 3 أشهر تقريبًا، وهي بيانات تشير أيضًا إلى استمرار قوة سوق العمل.
أظهرت البيانات الصادرة منذ قليل أنالاقتصاد الأمريكي أضاف بالقطاع الخاص 216 ألف وظيفة عن شهر ديسمبر، فيما توقع الخبراء إضافة 170 ألفًا، وسجلت القراءة السابقة 199 ألفًا ولكنها عدلت بالخفض إلى 173.
فيما أضاف أيضًا بالقطاع الخاص غير الزراعي 164 ألف وظيفة في ديسمبر، وكانت تشير التوقعات إلى إضافة 130 ألفًا، وتم تعديل القراءة السابقة بالخفض إلى 136 ألف بدلاً من 150 ألفًا.
وعلى الجانب الآخر، سجل معدل البطالة الأمريكية 3.7% في ديسمبر كالقراءة السابقة. فيما توقع الخبراء أن يسجل 3.8%.
وسجل متوسط الأجور في الساعة على أساس شهري 0.4% في ديسمبر كالقراءة السابقة، فيما كانت تشير التوقعات إلى ارتفاع بـ 0.3% فقط.
قبل العام الجديد، كان العديد من المحللين والبنوك يميلون إلى توقعات السوق أكثر من توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي نفسه؛ ومع ذلك، لا يزال هناك محللون يرون أن شهر مارس/آذار هو الوقت المناسب لبدء دورة التيسير النقدي، فيما يرى البعض الآخر أن تخفيض الفائدة سيأتي في وقت متأخر.
وعلى الرغم من أن الاقتصاديين ومحللي السوق يتوقعون رؤية تيسير نقدي قوي من بنك الاحتياطي الفيدرالي في 2024، إلا أنهم قالوا إن ذلك سينتج عن تباطؤ النمو الاقتصادي، وهو ما يتعارض مع توقعات السوق.
وفي غضون ذلك، نستنتج أن الذهب سوف يواجه رياح معاكس الفترة القادمة، والمتمثلة في حفاظ الفيدرالي على نهجه النقدي المتشدد، خاصة بعد أن جاءت بيانات التوظيف أقوى من المتوقع. أما الأمر الآخر الذي قد يفاقم الضغوط على المعدن الأصفر، هو أن يتسارع التضخم من جديد، إذ من المقرر صدور بيانات التضخم الأمريكية يوم الأربعاء القادم. وبشكل عام هذه الرياح المعاكسة ستقتصر على الأشهر القليلة القادمة فقط، ففي جميع الأحوال سيخفض الفيدرالي الفائدة هذا العام، وسواء كان هذا في اجتماع مارس أو في اجتماع آخر يتلوه، فهذا الأمر سوفر دعمًا هائلاً لأسعار الذهب ومن المرجح أن تقفز لمستويات قياسية جديدة.