لطالما كان الذهب، ذلك المعدن اللامع الذي سحر البشرية على مر العصور أكثر من مجرد معدن نفيس، فقد تحول عبر التاريخ إلى رمز للقوة والثراء، وملاذاً آمناً يلجأ إليه المستثمرون عندما تضربهم عواصف الأسواق المالية، ولكن ماذا يعني التداول في الذهب اليوم؟ وكيف يمكن للمتداولين والمستثمرين الاستفادة من هذا الأصل الثمين في الأسواق المتقلبة؟
كان الذهب يستخدم كوسيلة للتبادل التجاري منذ أكثر من خمسة آلاف عام، بدءً من حضارات العراق القديمة وصولاً إلى الإمبراطوريات الكبرى مثل الفراعنة والرومان، لكن الذهب لم يكن مجرد وسيلة لتسهيل التجارة، بل تحول إلى مقياس للقيمة في أوقات الأزمات، مما أكسبه سمعته كملاذ آمن، وقمته السعرية الفريدة التي وصل إليها مؤخراً ما هي إلى عتبة جديدة للمزيد من القمم التي تثبت مع كل لحظة بأننا لابد من الوقوف مطولاً بخططنا الاستثمارية أمام مرايا الأسواق !
في عام 2008، في خضم الأزمة المالية العالمية، كان العالم بأسره يشهد انهياراً عظيماً، ولم يكن ذلك مجرد انهيار للأسهم أو العقارات فحسب، بل كان انهياراً للإيمان ذاته، الإيمان بالنظام المالي، الإيمان بالاقتصاد العالمي الذي ظل يترنح على أعمدته الهشة، فجأة، لم تعد الثروة التي كانت تبدو كأنها لا تُمس سوى وهم، وباتت الأسواق أشبه بساحة معركة، حيث تساقطت الشركات الكبرى والبنوك العريقة واحدة تلو الأخرى، كأنها أبراج من ورق.
ولكن في هذا الظلام الحالك، حيث كانت الأصوات تعلو بالصراخ والهلع، كان هناك شيءٌ وحيدٌ يلمع بريقه في الأفق: الذهب. الذهب، ذلك المعدن الذي يبدو كأنه خارج عن الزمن، غير مرتبط بحضارة أو أمة معينة، يبقى كما هو، متعالياً فوق الفوضى البشرية، بينما كان الدولار يتهاوى واليورو يتذبذب، كانت العيون تتجه إلى الذهب، تلك الأيقونة التي لم تفقد بريقها قط، ولم يكن غريباً أن يجد الإنسان في هذا المعدن الأصفر ملاذاً يهرب إليه في لحظات الانهيار، كأنه يعيد اكتشاف حقيقة قديمة، حقيقة أن الذهب هو القيمة الحقيقية، الثابتة، التي لا تتغير مهما تلاعبت الأزمات بالبشر.
في تلك اللحظة، لم يكن الذهب مجرد استثمار، بل كان ملجأً نفسياً، ملاذاً لأولئك الذين شعروا بأن كل شيء ينهار حولهم، مثلما يلجأ البشر إلى اليابسة في أوقات الفيضان، كان المستثمرون يهربون إلى الذهب، يبحثون فيه عن الطمأنينة، لقد أدركوا أن الثقة في العملات الورقية لوقت طويل قد تبددت، تلك العملات التي تُصنع بإرادة الحكومات وتُستخدم كمقياس للقوة الاقتصادية، لم تعد تحمل سوى السراب، ومع ذلك، فإن الذهب بقي واقفاً، كأنه يتحدى الجميع قائلاً: "لقد كنت هنا منذ البداية، وسأبقى هنا حتى النهاية".
في هذا السياق، كان الذهب يمثل ليس فقط الحماية من التراجع المالي، بل كان يمثل نوعاً من الحنين إلى الأصل، إلى قيمة لا تتأثر بأي تغيرات سياسية أو اقتصادية، فحين تتراجع الثقة في كل شيء، يبقى الذهب رمزاً للأمان، إنه يشبه ذلك الصديق القديم الذي لطالما ظل بجانبك، لا يهتم بتقلبات الحياة ولا بالأزمات، بل يظل موجوداً ببساطته وثباته.
وهكذا، في عام 2008، ومع تلاشي الأوهام حول قوة الأنظمة الاقتصادية القائمة، كان الذهب هو الذي حمل شعلة الثقة، وظل واقفاً في وجه العاصفة، تلك اللحظة التي ارتفع فيها الذهب إلى مستويات تاريخية كانت بمثابة عودة إلى الأصل، إلى شيء أعمق من الأسواق والأرقام، كان ذلك تذكيراً بأن الذهب لم يكن يوماً مجرد سلعة، بل كان انعكاساً لصراع الإنسان مع الزمن، مع الخوف من الفناء، مع رغبته في التمسك بشيء حقيقي في عالم يتهاوى من حوله، لقد كان التداول في الذهب في تلك اللحظة أكثر من مجرد قرار مالي، كان استثماراً في الفطرة الإنسانية، في غريزة البحث عن الأمان وسط الفوضى، وما أشبه اليوم بالأمس !! حيث أننا نعيش في هذه الأوقات العصيبة أعمق أزمة اقتصادية على الاطلاق " راجع مقالي المنشور على Investing.com "الذهب يقول الحقيقة حينما تكذب الحكومات".
استراتيجية التحوط (Hedging)
عندما يتحدث المرء عن التحوط، فإنه في الواقع يخوض في أعمق مخاوف الإنسان — الخوف من فقدان ما بناه، من تلاشي الثروة التي كرس حياته لها، كأنما نرى المستثمر في صراعه اليومي مع الأسواق، متوجسًا دائمًا من تلك اللحظة المظلمة التي قد ينهار فيها كل شيء. "في عالم المال يا أعزائي القراء، كما في الحياة، كل شيء مؤقت. الأساطير التي نرويها لأنفسنا عن استقرار السوق والأسهم ليست إلا أوهامًا، فجأة .. تقتحم الأزمات الحياة مثل عاصفة هوجاء، لتتبدد كل تلك التصورات الواهية التي كان المستثمر يعول عليها" حذيفة، خطاب. صائدو الأرباح، من النقطة صفر إلى السوق المئة، كيف تحقق أرباحاً مذهلة في سوق الفوركس؟ أمازون (AMZN) (NASDAQ:AMZN) (AMZN) للكتب، 2024.
وهنا، يظهر الذهب كأنه مخلص قديم، صامت لكنه دائم، يتجلى في اللحظات التي يبدو فيها كل شيء على شفا الانهيار، ما الذي يجعل الذهب ملاذاً في هذه اللحظات؟ هل هو بريقه الفاتن؟ أم ثقله المادي الذي يعيد إلى الإنسان شعوره بالأمان؟ لا، إنه أبعد من ذلك، الذهب الذي لطالما كان استعارة للخلاص، للثبات في مواجهة الزمن المتقلب، للبحث عن ملاذ في عالم لا يتوقف عن الانزلاق نحو الفوضى.
عندما يبدأ المستثمر في التحوط، فإنه لا يبحث فقط عن حماية أمواله، بل هو يبحث عن ضمان، عن يقين في عالم تسيطر عليه الشكوك. لقد رأى بأم عينه كيف تتلاشى أصوله في لحظة — الأسهم التي كانت في الأمس مصدر فخره، العقارات التي بناها كرمز لثروته، كلها عرضة للتراجع تحت وطأة قوى لا يمكن السيطرة عليها، ويقف الذهب هنا كحاجز ضد ذلك الانهيار، كدرع يحمي ما تبقى من أمل المستثمر.
هذا هو معنى التحوط: أن تضع ثقتك في شيء لا يتأثر بالأوهام التي تحيط بالعالم المالي. الذهب لا يزول بريقه ولا ينطفئ بمرور الزمن، بل يظل في ثباته البارد، كأنه شبح من العصور القديمة، يذكرنا بأن القيم الحقيقية لا تتغير، عندما تهوي الأسهم، وعندما تبدأ العقارات في التراجع، يبقى الذهب صامدًا، كأنه يبتسم بسخرية لهذا العالم الذي لا يفهم قيمة الثبات.
وما التحوط إلا فعل من أفعال الخوف والرغبة في النجاة، إنه ذلك القرار الذي يتخذه المستثمر حين يشعر بأن النظام الذي طالما اعتمد عليه بدأ يتفكك. التحوط هو البحث عن أمان مفقود في واقع يتداعى.
فالذهب هنا إذاً ليس مجرد أصل مادي، بل هو فكرة. فكرة أن هناك شيئاً في هذا العالم يمكنه البقاء في وجه الزمن، في وجه الانهيارات الاقتصادية والسياسية، كأنه قارب نجاة يطفو على سطح محيط من الفوضى. وحين يرتفع الذهب في الأوقات التي تتراجع فيها الأصول الأخرى، لا يعود ذلك مجرد انعكاس لسعره في السوق، بل هو انعكاس لرغبة الإنسان في البقاء، في الاحتفاظ بما يملكه، في عدم الاستسلام للعالم الذي يريد سلب كل شيء منه. نعم، الذهب هو ذاك الحاجز الأخير بين لحظتك الآملة في الربح والخسارة الكاملة.
استراتيجية الاختراق (Breakout Trading)
في أثناء مراقبتك للخطوط الباردة التي ترسم مستقبل الذهب. تلك الخطوط، التي نسميها بالدعم والمقاومة، عليك أن تكون على يقين بأنها ليست مجرد أرقام ورسومات عابرة، إنها تمثل نقاط الانكسار في نفسية السوق، وتكشف عن لحظات الضعف والقوة في هذا المعدن الذي ظل على مر العصور موضع الطمع والرغبة والخوف. في كل نقطة على تلك الرسوم البيانية، يتصارع العقل مع الأمل، ويتأرجح المستثمر بين توقعات الماضي ورهانات المستقبل.
عندما يبدأ المتداول في استخدام استراتيجية الاختراق فإنه كمن يترقب الانفجار في هدوء البحيرة قبل العاصفة.. يعلم أن هناك لحظة فارقة، لحظة لن تتكرر في غالب الظن، عندما يتخطى سعر الذهب حاجزاً تاريخياً، فيتحول السوق إلى ميدان لمعركة غير مرئية، الجميع ينتظرون تلك اللحظة، لكنها لا تأتي بسهولة. مثلما يجلس الإنسان في انتظار الإلهام، يقف المتداول منتظراً اللحظة التي تتكسر فيها نقاط الدعم أو المقاومة، وهو يدرك في أعماقه أن تلك اللحظة قد تكون فرقًا بين النجاح أو الانهيار.
في عام 2020، كان السوق على أعتاب شيء غير مسبوق، فالعالم بأسره كان يعيش في حالة من الاضطراب والحكومات تتخبط، والشعوب تحاول النجاة من أزمة صحية واقتصادية لم يسبق لها مثيل عرفت بجائحة كورونا. وفي هذا السياق المظلم، حيث الخوف والشك يحيطان بكل شيء، تخطى الذهب حاجزًا لم يتجاوزه من قبل — حاجز الـ 2000 دولار للأونصة، لم يكن ذلك مجرد رقم مالي، بل كان علامة على انفجار نفسي في السوق.
هنا تظهر استراتيجية الاختراق في أوج قوتها، المتداولون الذين كانوا يراقبون تلك الخطوط، أولئك الذين يمتلكون البصيرة لرؤية اللحظة المناسبة، انقضوا على الفرصة، فبينما كان العالم يغرق في الفوضى، كانت حركة السوق تفصح عن اتجاهات غير متوقعة، كسر الذهب مستوى المقاومة، وتدفقت الصفقات كأنها نهر لا يمكن إيقافه، كل شيء كان يحدث بسرعة، والفرص تتطاير كما تتطاير شرارات النار في ليلة مظلمة.
ولكن، كما يعلم كل متداول جيدًا، فإن هذه اللحظات ليست لحظات انتصار فقط، بل هي أيضًا لحظات اختبار للنفس، فالمتداول الذي يعتمد على "استراتيجية الاختراق" يتوجب عليه بكل تأكيد أن يتقن فن الصبر والاندفاع في آن واحد، إنه يعلم أن السوق لا يرحم، وأن الفرصة التي تلوح في الأفق قد تكون وهمًا، كما قد تكون حقيقة مذهلة، وكما كان الذهب ملاذًا للمستثمرين منذ آلاف السنين، فإنه في هذه اللحظات الحاسمة يمثل فرصة لاستغلال اضطرابات السوق لتحقيق أرباح سريعة، وربما تغيير مسار حياة بكاملها، والأمر لا يتعلق فقط بالأرباح، بل بالصراع النفسي الذي يعيشه المتداول.. هل ستكون هذه اللحظة هي تلك اللحظة التي تحلم بها؟ هل سيكون هذا الاختراق هو بداية لنجاح كبير، أم أنه مجرد فخ جديد في عالم لا يرحم؟
كما في مواقف كثيرة في حياة الإنسان، تقف "استراتيجية الاختراق" على حافة هاوية، إنها تمثل الأمل والخوف، القوة والهشاشة، النجاح والانهيار، والأمر كله يعتمد على قدرة المتداول على قراءة السوق كما يقرأ الصياد خطوات طرائده .. بحذر، بترقب، وباستعداد دائم لمواجهة ما هو غير متوقع.
استراتيجية التجارة على الأخبار (News Trading)
تخيل نفسك وأنت تجلس في قلب عزلتك، محاطاً بتلك الأخبار المتدفقة كالسيل الجارف، أخبار لا تهدأ، أخبار تُولد في اللحظة ولا تموت إلا لتفسح المجال لما هو أشد فوضى منها، في هذا الطقس المتشابك، حيث تتقاطع خيوط السياسة بالاقتصاد، تجد نفسك في لعبة لا يمكن التنبؤ بها، لعبة تتحكم فيها قوى لا تراها، وتسيرها أحداث قد تحدث في لحظة، لكنها تُغيِّر مسار التاريخ.
"استراتيجية التجارة على الأخبار" ليست مجرد تكتيك مالي، إنها، في جوهرها، محاكاة لتلك النزعات البشرية التي تدفعنا دائمًا للبحث عن الاستقرار في عالم فوضوي، فكل خبر هو نافذة إلى المجهول، وكل تصريح سياسي هو بمثابة بوصلة قد تقلب السوق رأسًا على عقب. المتداول، مثل قارئ متعمق في روايات القدر، يعلم أن عليه أن يلتقط إشارات العالم، أن يحاول فهم ما لا يمكن فهمه، فالأسواق لا تنتظر، والأسعار تتغير بأسرع من رد الفعل البشري.
في عالمنا هذا، حيث باتت الحروب والنزاعات الجيوسياسية جزءاً من الحياة اليومية، تقف "استراتيجية التجارة على الأخبار" كجسر بين هذا الواقع المتقلب والسوق المالي، الأخبار السياسية ليست مجرد كلمات تتدفق عبر الشاشات، إنها طلقات تبدأ حرباً في السوق، تتحول معها أسعار الذهب إلى مرآة تعكس خوف العالم، فعلى سبيل المثال عندما تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط كما نشهد اليوم، أو عندما تتهاوى الحكومات أو تتفكك التحالفات، يلمع الذهب في أعين المستثمرين كأنه الكنز الوحيد المتبقي في هذا العالم الفوضوي.
المتداول الذي يعتمد على "استراتيجية التجارة على الأخبار" لا يعيش فقط في ظل الحاضر، بل يترقب المستقبل القريب، متوجسًا دائمًا من الخطر الذي قد ينفجر في أي لحظة. الأخبار ليست مجرد وقائع، إنها إشارات، تنبؤات بما قد يحدث غدًا، وكما كان المحارب القديم يترقب أصوات الطبول البعيدة كإشارة لحرب تقترب، يستمع المتداول الحذق إلى همسات السياسة العالمية، محاولاً التقاط العلامات التي قد تشكل الفرصة التالية.
وفي هذا العالم الذي تحكمه الأخبار أيضا يكمن التناقض الكبير، فالأخبار تُخلق، تُبث، ثم تموت في لحظات، وعلى المتداول أن يكون حاذقًا بما يكفي ليعرف متى يتدخل، ومتى ينسحب. في التجارة على الأخبار، السرعة ليست كل شيء، إنها لعبة الحدس والفطنة، لعبة تحتاج إلى نفس طويل وحذر مستمر، فعندما يشتعل نزاع في منطقة من العالم، يعرف المتداول أن الذهب سيرتفع، لكن أيُ ارتفاع هذا؟ ومتى؟ وهل يكون الارتفاع مؤقتًا؟ أم أنه بداية لحقبة جديدة من عدم الاستقرار؟
نجد أن تلك اللحظات الحاسمة التي يقرر فيها الشخص مصيره تتوازى مع لحظات السوق، القرار الخاطئ قد يكلف الكثير، والقرار الصائب قد يجلب ثروات، ولكن في النهاية، يعتمد الأمر كله على قراءة الإنسان للأحداث، على قدرته في فهم القوى التي تحرك العالم من خلف الكواليس.
وفي هذه اللعبة، لا مجال للعواطف، كما يقول دوستويفسكي: "الإنسان هو مزيج من الأمل والخوف"، هذا المزيج هو ما يجعلنا نتخذ قرارات قد تبدو متهورة، ولكنها، في الأعماق، تعكس رغبتنا الملحة في النجاة، المتداول الذي يعتمد على الأخبار يعيش في هذا التوتر الدائم، بين الأمل في أن تكون الأخبار فرصة لتحقيق المكاسب، والخوف من أن تكون مجرد فخ آخر ينصبه السوق.
وبينما نسير في مختلف دروب الأسواق المالية، تظل حكمة القدماء التي جعلت من الذهب معياراً للقيمة هي ذاتها التي تفتح لنا أبواب الفرص في المستقبل، وكنهاية لهذا المقال يا أعزائي القراء أعلم بأنني قد جئت بجديد للبعض وليس بجديد للبعض الآخر في آن واحد، لكنني بكل تأكيد سأكون سعيداً فيما لو حرضت بعد حديثي هذا فكرة لتلمع في رأس أي مستثمر منكم قد تكون سبباً في جعله يضيف للوحة المفاتيح " زراً للحكمة وإدارة المخاطر في تداولاته" وزراً لاختيار أفضل الأصول " بجانب أزرار البيع والشراء!
يمكنكم متابعة آرائي وتحليلاتي ودراساتي للسوق عبر Investing.com و أيضاً من خلال حسابي الجديد المخصص للعمل _Hozayifa@ على منصة X " تويتر ".