إن خطر انكماش الأسعار الآخذ في التزايد في عدد من الأسواق يشكل تهديداً للتعافي الضعيف لأسعار المنازل العالمية. فقد عانت سوق المنازل العالمية لكي تتعافى من التصحيح الحاد للأسعار خلال الكساد الكبير بين عامي 2008 و2009. وأدى الانخفاض الأخير في أسعار السلع الأساسية إلى زيادة مخاطر انكماش الأسعار بشكل كبير، خاصة في منطقة اليورو (انظر تحليلنا الاقتصادي بتاريخ 21 أكتوبر 2014). وكما حدث في اليابان خلال "العقود الضائعة"، يمكن لانكماش الأسعار أن يتسبب في حدوث انخفاض عام في أسعار الأصول، بما في ذلك المنازل. وربما يشير ذلك إلى حدوث تصحيح كبير في أسعار المنازل في أسواق معينة مستقبلاً.
متوسط الأسعار الحقيقية للمنازل عالمياً
(مؤشر 50 بلداً، تعديل بفعل التضخم)
المصدر: صندوق النقد الدولي
ومن حيث القيمة الحقيقية، وصل متوسط أسعار المنازل العالمية إلى أدنى مستوى له في 50 بلداً من البلدان الكبرى خلال الربع الثاني من عام 2009. وظل التعافي ضعيفاً إلى حد ما منذ ذلك الوقت، مع ارتفاع متوسط الأسعار الحقيقية للمنازل فقط بنسبة 1,2٪ سنوياً على مدى الأعوام الخمسة الماضية. وبصفة عامة، كانت الاقتصادات المتقدمة، تحديداً الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ومعظم منطقة اليورو، هي الأكثر تأثراً بالأزمة، فقد انخفضت أسعار المنازل بشكل حاد في تلك البلدان بين الأعوام 2007 و2009 وتعافت ببطء منذ ذلك الوقت. وكانت أسعار المنازل أكثر مرونة خلال الأزمة في اقتصادات أخرى (خاصة اقتصادات الأسواق الناشئة) حيث عاودت الارتفاع في وقت سابق تمشياً مع معدلات النمو الاقتصادي المرتفعة.
إن منطقة اليورو هي السبب الرئيسي وراء ضعف تعافي أسعار المنازل العالمية، فقد أدى تباطؤ النمو والبيئة الانكماشية إلى حدوث انخفاض تدريجي ومطرد في أسعار المنازل، إذ تراجع مؤشر أسعار المنازل في منطقة اليورو بنسبة 15,4٪ بالقيمة الحقيقية منذ الذروة التي بلغها في الربع الثالث من عام 2007. وتأثرت بشكل خاص أسواق العقارات في اليونان وإيطاليا وإسبانيا، نظراً للركود الحاد الذي تلى أزمة منطقة اليورو.
وقلل الانخفاض الحاد الذي حدث مؤخراً في أسعار السلع الأساسية من توقعات التضخم العالمي على نحو كبير مع تزايد مخاطر انكماش الأسعار، لا سيما في منطقة اليورو. ومن المرجح أن يكون لذلك أثر سلبي على أسعار المنازل العالمية، حيث يمكن أن ينتقل الانخفاض في أسعار السلع إلى أسعار الأصول، ما يؤدي إلى توقعات بحدوث المزيد من التراجع في الأسعار، وخلق دوامة من انكماش أسعار الأصول.
وشهدت أسواق المنازل في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة تعافياً قوياً في الفترة 2013-2014، وقد ساعدت في ذلك أسعار الفائدة المخفضة وسياسات دعم قطاع الإسكان، لكن زيادات الأسعار الآخذة في الارتفاع قد زادت من مخاوف حدوث إنهاك اقتصادي. ويشير تحليل صندوق النقد الدولي إلى أن أسعار المنازل في المملكة المتحدة قد تكون مقيمة على نحو مبالغً فيه بحوالي 30٪ مقارنة بمتوسط الدخل والإيجارات على المدى الطويل. وفي نفس الوقت، يقدر الصندوق أن الأسعار الحالية للمنازل في الولايات المتحدة تتماشى إلى حد كبير مع الأسس الاقتصادية. غير أن ضغوط انكماش الأسعار يمكنها أن تؤثر على الأسواق في المملكة المتحدة والولايات المتحدة ، على الرغم من ارتباطها بالأسس الاقتصادية.
الأسعار الحقيقية للمنازل حسب البلد (الربع الثاني 2014)
(% التغيير خلال العام الماضي، تعديل بفعل التضخم)
المصادر: مصادر وطنية، قاعدة البيانات الخاصة بأسعار العقارات السكنية التابعة لبنك التسويات الدولية، *الربع الأول هو آخر مصدر متاح
وقد اتسمت أسعار المنازل في معظم الأسواق الناشئة بمرونة نسبية تجاه تأثير الأزمة المالية العالمية والركود، وظلت ترتفع باطراد على مدى السنوات القليلة الماضية. غير أن تباطؤ اقتصادات الأسواق الناشئة في الفترة 2013-2014 تسبب في خفض أسعار المنازل وأدى إلى تباطؤ في نمو الأسعار.
وتعتبر الصين مثار قلق بالغ، إذ تباطأت الزيادة في أسعار المنازل الحقيقية من 16,3٪ في العام حتى الربع الرابع من 2013 إلى 5,1٪ في الربع الثاني من 2014، وتراجعت الأسعار الحقيقية في الواقع بنسبة 2,0٪ في الربع الثالث من 2014. وهذا يشير إلى أن سوق العقارات الصينية ربما تسير نحو أزمة. فيمكن للتصحيح الحاد في أسعار العقارات أن يؤدي إلى زيادة معدلات الاعسار، ما يهدد بحدوث أزمة في نظام الظل المصرفي الذي توسع على نحو مبالغ فيه. ويبدو أن تدابير تقييد الائتمان لقطاع العقارات وتقييد عمليات المضاربة قد هدأت الأوضاع في السوق، ولكن أي انخفاضات أخرى في أسعار المنازل في المستقبل يمكن أن تكون لها تداعيات كبيرة على الاستهلاك الخاص والقطاع المصرفي.
بإيجاز، يمكن القول بأن ضغوط انكماش الأسعار العالمية تزيد من مخاطر حدوث تصحيح في أسعار المنازل في عام 2015. وفي بعض البلدان، خاصة في منطقة اليورو مع النمو البطيء أو السلبي في أسعار المنازل، فإن مخاطر انكماش الأسعار وحدوث دوامة هبوط في أسعار المنازل تتزايد على نحو مستمر. أما في البلدان الأخرى التي توقف فيها التعافي حتى الآن، فهناك مخاطر بأن أسواق العقارات ربما تكون مقيمة على نحو مبالغ فيه، وحدوث عملية تصحيحية مزعزعة للاستقرار قد يكون قاب قوسين أو أدنى.