كان 2015 عاماً حافلاً بالأحداث بالنسبة لأسعار النفط. فقد بدأت السنة باسترداد النفط لبعض الخسائر التي تكبدها في النصف الثاني من عام 2014، حيث ارتفعت أسعاره من 49 دولار أمريكي للبرميل في منتصف يناير إلى 68 دولار أمريكي للبرميل في أوائل شهر مايو.
وفي وقت لاحق، تبخر ذلك الانتعاش تماماً مع تراجع أسعار النفط إلى 43 دولار أمريكي للبرميل بنهاية أغسطس. وأعقب ذلك فترة من الاستقرار في الشهرين التاليين حيث ظلت أسعار النفط في نطاق 45-55 دولار أمريكي للبرميل.
ولكن عاودت أسعار النفط تراجعها منذ مطلع نوفمبر ، وبلغ السعر حالياً بحدود 35 دولار أمريكي للبرميل. ويمكن أن يعزى انخفاض السعر الأخير إلى مزيج من عوامل العرض والطلب. وبينما ركّز بعض المحللين على دور المضاربين في انخفاض الأسعار في الآونة الأخيرة، إلا أننا لا نرى أن هناك ثمة أدلة كافية تسند هذا الادعاء.
انخفضت أسعار النفط بنسبة 26.2 % وذلك من 51 دولار أمريكي للبرميل في أوائل نوفمبر إلى 37.3 دولار أمريكي للبرميل في 31 ديسمبر. وقد كانت عوامل الطلب هي السبب الرئيسي وراء هذا التراجع حيث كانت مسؤولة عن 69% من الانخفاض.
ويقدر بأن يكون معدل النمو السنوي في الطلب على النفط قد تباطأ بشكل حاد إلى 1.3مليون برميل في اليوم في الربع الأخير من عام 2015، متراجعاً من 2.2 مليون برميل في اليوم في الربع الثالث. بالإضافة إلى ذلك، قامت وكالة الطاقة الدولية بخفض تقديراتها للطلب العالمي في الربع الأخير من 2015 بمقدار 200 ألف برميل في اليوم.
ويرجع كل هذا التخفيض تقريباً إلى أمريكا الشمالية والجنوبية، حيث يبدو أن كل من كندا والولايات المتحدة شهدتا درجات قياسية من الطقس الدافئ لهذا الوقت من السنة. وقد أدت هذه الأجواء إلى خفض الطلب على الطاقة والتدفئة، مما أدى إلى تراجع أسعار النفط.
في حين كانت عوامل الطلب هي المحرك الرئيسي للانخفاض الأخير في أسعار النفط، فقد لعبت عوامل العرض أيضاً دوراً حيث كانت مسؤولة عن 31% من الانخفاض.
ويعزى ذلك جزئياً إلى قرار أوبك بالحفاظ على إنتاجها عند المستويات الحالية في اجتماعها الذي انعقد في 4 ديسمبر، مما أدى إلى انخفاض بنسبة 1.9% في الأسعار في نفس اليوم. علاوة على ذلك، يحتمل أن يكون رفع العقوبات عن إيران بأسرع من المتوقع قد أسهم أيضاً في انخفاض الأسعار.
لقد اعتبر بعض المحللين أن دور المضاربات كان أحد العوامل وراء التراجع الأخير لأسعار النفط. وأشار هؤلاء المحللون إلى أن المضاربات التي تقوم بها صناديق التحوط بالرهان على مزيد من التراجع في أسعار النفط قد ارتفعت إلى مستوى قياسي. لكننا لا نرى وجود أدلة كثيرة تساند هذا الطرح وذلك لسببن.
أولاً، تضارب صناديق التحوط في السندات المالية (مثل العقود الآجلة والخيارات) ونادراً، إن لم يكن مطلقاً، ما تستثمر في السلع بشكلها المادي. لذلك، فإنها لا تؤثر في الطلب الحقيقي على النفط، وبالتالي لا تؤثر على أسعاره.
ثانياً، بينما ترتبط مراكز صناديق التحوط بأسعار النفط، فإن التحركات في أسعار النفط هي التي تسبق في العادة التغيرات التي تظهر في مراكز صناديق التحوط وليس العكس. ويشير ذلك إلى أن المراكز المبنية على المضاربة لا تحرك أسعار النفط، لكنها في الواقع تتحرك وفقا لهذه الأخيرة. وهذا يعني أن صناديق التحوط تتبع استراتيجية قائمة على حركة الأسعار، فأي تراجع للأسعار يقودها إلى المراهنة على المزيد من التراجع في المستقبل.
ختاماً، يبدو أن تضافر عاملي الطلب والعرض هو ما كان وراء الموجة الأخيرة من انخفاض أسعار النفط وليست المضاربات. لكن، باستبعاد احتمال تأثير عامل المضاربات على أسعار النفط، فإن ذلك لا يعني بأية حال أن المشهد في السوق أقل تعقيداً.
فهناك العديد من الدوافع التي من شأنها تحريك العرض والطلب كما أن بعضها، مثل الأحوال المناخية و الأوضاع الجيوسياسية، يصعب التنبؤ بها. وبعد أن عاشت أسواق النفط عام حافلا بالمستجدات في 2015، فإنها تطرق أبواب عام 2016 المليء بالأسئلة وعدم اليقين.