يتيح الاقتصاد النيجيري فرصاً كبيرة، في بلد يبلغ تعداد سكانه 179 مليون نسمة، معظمهم من الشباب، ويزداد نمواً بسرعة بنسبة 2.7% سنوياً. كما أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بلغ نسبة 7.7% على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، مع وجود برنامج استثماري ضخم لإنفاق واحد تريليون دولار أمريكي حتى عام 2030، وهو ما من شأنه أن يوفر فرصاً للمشاركة من قبل القطاع الخاص، إضافة إلى أن هناك عدداً من القطاعات غير النفطية الكبيرة التي لديها القدرة على النمو بقوة. ويمثل قطاع الخدمات 38% من الناتج المحلي الإجمالي، والزراعة 20% والصناعات التحويلية 10%، وتتشكّل أساساً من المواد الغذائية والمنسوجات والملابس. علاوة على ذلك، فإن هناك ثمة مؤشرات باحتمال تحسّن البيئة السياسية. فقد تمخضت الانتخابات الأخيرة في شهر مارس الماضي عن فوز الرئيس الجديد، محمدو بوهاري، ودخول حزب جديد إلى السلطة بعد 16 عاماً من حكم حزب الشعب الديمقراطي، للمرة الأولى في تاريخ نيجيريا التي يتم فيها إبعاد رئيس للبلاد عن السلطة ديمقراطياً. ويسود تفاؤل كبير بأن السيد بوهاري بإمكانه أن يعزز من الشفافية ويرفع كفاءة أداء الحكومة. بالإضافة لذلك، فإن مخاطر التمرد في شمال البلاد آخذة في الانحسار حالياً بعد أن استعاد الجيش معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها المتمردون.
نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في نيجيريا
(%)
المصادر: صندوق النقد الدولي وتوقعات قسم الاقتصاد في QNB
لكن نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي قد تباطأ إلى النسبة المتوقعة التي تبلغ 4.0% في عام 2015، حيث يواجه الاقتصاد بعض التحديات. أولاً، أثر تراجع أسعار النفط سلباً على الأداء الاقتصادي، فنيجيريا تعتمد بشكل كبير على النفط الذي يشكل 90% من إيرادات التصدير و85% من إيرادات الحكومة، ويعني تراجع الأسعار وانخفاض الانتاج أن حجم الإيرادات قد تقلص بواقع النصف تقريباً في عام 2015. وقد ظل إنتاج النفط يتراجع منذ 2011 بسبب ضعف الاستثمار وعدم الاستقرار في مناطق الإنتاج. وتم تخفيض سعر صرف العملة المحلية بواقع 21% خلال العام الماضي، حيث قاد تراجع إيرادات التصدير إلى عجز في الحساب الجاري وأدت المخاوف بشأن الاقتصاد إلى هروب رؤوس الأموال. وهبطت الاحتياطات الأجنبية من 6 أشهر من غطاء الواردات في بداية عام 2014 إلى حوالي 4 أشهر، أي أعلى بقيل من المعدل الذي يوصي به صندوق النقد الدولي والذي يبلغ 3 أشهر للاقتصادات ذات سعر الصرف الثابت. وقد أدى تراجع سعر صرف العملة المحلية واختناقات الإمداد إلى ارتفاع معدل التضخم (9.4% في سبتمبر 2014)، الأمر الذي أجبر البنك المركزي على إبقاء أسعار الفائدة على ارتفاع (تم رفعها آخر مرة إلى 13.0% في نوفمبر 2014)، مما تسبب في إبطاء النمو الاقتصادي.
ثانياً، أدى ضعف الاستثمار إلى تردي البنية التحتية الأساسية وزيادة اختناقات الإمداد. وبلغ إجمالي الاستثمار 17% من الناتج المحلي الإجمالي في المتوسط خلال الأعوام الخمسة عشر الماضية مقارنة مع نسبة 28% في كافة الأسواق الناشئة و20% في بقية اقتصادات منطقة إفريقيا جنوب الصحراء. وتنتج نيجيريا طاقة كهربائية أقل من دولة قطر على الرغم من عدد سكانها الكبير، فالطاقة الكهربائية باهظة الكلفة وتشهد أجزاء واسعة من البلاد انقطاعات في التيار الكهربائي، بالإضافة إلى ازدحام الموانئ وتردي وضع السكك الحديدية، ويتم نقل كل الوقود المخصص للاستهلاك المحلي عبر طرق برية غير معبدة إلا بنسبة 20% فقط. ويُتوقع أن تؤدي فجوة البنية التحتية في نيجيريا إلى تقليص النمو بنسبة 2% في السنة على الأقل. ويعتقد البنك الدولي أن نيجيريا بحاجة إلى استثمارات في البنية التحتية تتراوح قيمتها بين 30 و 50 مليار دولار أمريكي في السنة، وهذه الأرقام أكبر بثلاث مرات تقريباً من المستويات الحالية.
ويعتبر تمويل مشاريع البنية التحتية تحدياً كبيراً تواجهه الحكومة في ظل تراجع أسعار النفط الذي أضر بالقدرة على الإنفاق. لذلك، أعطى الرئيس الجديد الأولوية لإعادة هيكلة قطاع النفط والغاز. فقد قام السيد بوهاري بتعيين مدير جديد لشركة النفط الوطنية النيجيرية، الذي بدوره قام بترشيد وتحديث الإدارة، وهو حالياً بصدد إخضاع الشركة ككل لتدقيق قضائي. ومن شأن زيادة الشفافية والفعالية في شركة النفط الوطنية النيجيرية أن يقود إلى نتائج مذهلة. فعلى سبيل المثال، نجد أن قطاع الطاقة بحاجة ماسة إلى الغاز من أجل تشغيل محطات توليد الطاقة في الوقت الذي تحرق فيه شركات النفط والغاز ما يقدر بـ 1 مليار دولار أمريكي من الغاز سنوياً بسبب تدني اسعار الغاز نتيجة ضعف البنية التحتية والافتقار إلى التشريعات والضوابط الملائمة. علاوة على ذلك، لدى نيجيريا الإمكانية لتضاعف تقريباً إنتاجها من النفط الذي يبلغ حوالي 2 مليون برميل في اليوم حاليا. كما من شأن زيادة مشاركة القطاع الخاص أن تجلب تمويلاً أكثر لمشاريع البنية التحتية. ويقوم البنك الدولي حالياً بمساعدة نيجيريا على تطوير القدرة والقوانين لعقد شراكات بين القطاعين العام والخاص من أجل الاستثمار في البنية التحتية.
في حال تكللت هذه المبادرات بالنجاح وزادت مشاركة القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب، فمن شأن ذلك تغيير آفاق المستقبل بالنسبة لنيجيريا. ويعتبر إحراز التقدم على المستويين السياسي والأمني أمراً أساسيا في هذا الخصوص. فلدى السيد بوهاري المقدرة على تحرير الاقتصاد وفتح المجال أمام القطاع الخاص للعب دور أكبر، مما قد يؤدي إلى ارتفاع النمو بشكل كبير. وعلى الرئيس بوهاري تشكيل حكومته قريبا من أجل إضفاء وضوح أكثر على السياسة الاقتصادية والمالية، وبالتالي تحفيز الثقة والاستثمارات ودعم التعافي التدريجي للنمو باتجاه المعدلات المرتفعة التي حققها الاقتصاد النيجيري في الماضي.