احتفل مصرف قطر المركزي يوم الثلاثاء الماضي بالافتتاح الرسمي لأول مركز لتسوية ومقاصة العملة الصينية (الرنمينبي) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومقره الدوحة. وسيُتيح المركز تسوية المطالبات المقومة بالرنمينبي في الدوحة واستبدالها بعملات أخرى تشمل الريال القطري. ويمثل ذلك خطوة هامة أخرى في مجال التجارة والتكامل المالي بين الصين ودولة قطر، الدولتان اللتان تعدان من بين أسرع الاقتصادات نمواً في العالم. كما إنه أيضاً يعزز دور قطر كمركز مالي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وما عداها من المناطق الجغرافية.
أصبحت الصين أكبر مُصدر لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في عام 2014. وقد نما حجم صادراتها إلى المنطقة بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 14,3٪ على مدى السنوات الخمس الماضية ليصل إلى ما يقدر بـ 141,9 مليار دولار أمريكي في عام 2014. وتمثل الصادرات الصينية الآن أكثر من 13٪ من جميع السلع المصدرة إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المرجح أن تواصل هذه الحصة نموها بسرعة مع استمرار الصين في تعزيز دورها كمركز رئيسي للصناعة في العالم خلال السنوات المقبلة (انظر تقريرنا الصين – رؤية اقتصادية 2015).
صادرات الصين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
(مليار دولار أمريكي، يشمل أفغانستان وباكستان)
المصادر: صندوق النقد الدولي وتحليلات مجموعة QNB
وفي ظل دورها المتنامي في الاقتصاد العالمي، سعت الصين لتدويل استخدام عملتها منذ الأزمة المالية العالمية بين عامي 2008 و2009 من أجل تقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي. ولتدويل الرنمينبي ثلاث فوائد رئيسية. أولاً، يعمل تدويل الرنمينبي على تقليل تكلفة المعاملات المالية من خلال اتاحة الاستبدال المباشر لمطالبات الرنمينبي بعملات غير الدولار الأمريكي. ثانياً، يزيد تدويل الرنمينبي من الطلب على الأصول المقومة بالرنمينبي في جميع أنحاء العالم بسبب احتفاظ المؤسسات المالية بمزيد من السيولة بالرنمينبي. ثالثاً، سوف تقل حاجة البنك المركزي الصيني للاحتفاظ بالاحتياطيات الدولية بالدولار الأمريكي مع ازدياد التداول التجاري بعملة الرنمينبي. في الواقع، بينما تضاعفت احتياطيات الصين الدولية تقريباً منذ نهاية عام 2008 لتصل إلى 3,8 ترليون دولار أمريكي بنهاية عام 2014، انخفضت حصة الاحتياطيات المستثمرة في سندات الخزانة الأمريكية بمقدار خمس نقاط مئوية إلى 32,6٪ خلال نفس الفترة.
وقد حققت عملية تدويل الرنمينبي تقدماً كبيراً منذ إطلاقها في عام 2008. فوفقاً لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، يعتبر الرنمينبي حالياً العملة الثانية الأكثر استخداماً في العالم في مجال التمويل التجاري، ويحتل المرتبة الخامسة في عمليات الدفع العالمية. كما يعد الرنمينبي أيضاً العملة التاسعة الأكثر أهمية في السوق العالمي لصرف العملات الأجنبية وفقاً لتقييم بنك التسويات الدولية. ويُرجح أن يرتفع ترتيب الرنمينبي مع الهيمنة المتزايدة للعملة الصينية في إجراء التسويات وإعداد قوائم حسابات السلع.
وقد تحققت الزيادة الكبيرة في الاستخدام الدولي للرنمينبي جزئياً عبر اتفاقيات المبادلة الثنائية بين البنك المركزي الصيني و28 بنكاً مركزياً آخراً في مختلف أنحاء العالم لمبادلة ما مجموعه 3,1 ترليون رنمينبي (حوالي 508 مليار دولار أمريكي). وتسمح هذه الاتفاقيات باستخدام الرنمينبي خارج الصين لتسوية المعاملات التجارية والاستثمارية المقومة بالرنمينبي، فضلاً عن إنشاء أصول مقومة بالرنمينبي. وقد وقع مصرف قطر المركزي إحدى اتفاقيات المبادلة الثنائية هذه في نوفمبر الماضي بقيمة 35 مليار رنمينبي. وسوف تسمح هذه الاتفاقية للتجارة المتنامية بين الصين وقطر أن تكون مقومة بالرنمينبي.
وبالإضافة إلى اتفاقيات المبادلة الثنائية، زادت الصين بالفعل عدد مراكز تسوية العملة الصينية في العالم من أجل السماح بتسوية المطالبات بالرنمينبي عبر بنوك مقاصة صينية مختارة. قبل عام 2014، كانت هناك مراكز تسوية بالرنمينبي في عدد قليل من المدن الآسيوية فقط، مثل هونغ كونغ وماكاو وسنغافورة وتايبيه. ومنذ ذلك الوقت، تم افتتاح مراكز إقليمية جديدة للتسوية بالعملة الصينية في فرانكفورت ولندن ولوكسمبورغ وباريس وتورنتو وسيدني. وقد جرى افتتاح آخر مركز الاسبوع الماضي في الدوحة من خلال فرع البنك الصناعي والتجاري الصيني في قطر. وسوف يُمكن هذا المركز من تسوية المطالبات من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وما عداها في الدوحة، مما يجعل من قطر مركزاً مالياً رئيسياً للتدفقات المالية المقومة بالرنمينبي.
مستقبلاً، يُرجح أن يكتسب تدويل الرنمينبي زخماً إضافياً في عام 2015 بفضل تحرير حساب رأس المال وسعر الصرف في الصين، وأيضاً بسبب الإدراج المحتمل للرنمينبي ضمن سلة عملات صندوق النقد الدولي، التي تعرف بحقوق السحب الخاصة. وقد زادت السلطات الصينية بالفعل حصص شراء الأصول المحلية بالرنمينبي للمستثمرين من المؤسسات الأجنبية وربطت بين أسهم بورصتي هونغ كونغ وشنغهاي. كما يُرجح أن يتم تنفيذ تدابير إضافية لتحرير معاملات حساب رأس المال خلال الأشهر المقبلة. وبالإضافة إلى ذلك، يُحتمل أن تتم زيادة نطاق سعر الصرف الخاص بالتداول والذي يربط الرنمينبي بالدولار في عام 2015، جنباً إلى جنب مع إمكانية التحويل الكامل للعملة الصينية. وأخيراً، يُتوقع أن ينظر صندوق النقد الدولي في إدراج الرنمينبي ضمن سلة حقوق السحب الخاصة في أواخر عام 2015. وتضم سلة حقوق السحب الخاصة حالياً الجنيه الاسترليني واليورو والين الياباني والدولار الأمريكي. وإذا تمت إضافة الرنمينبي، فإن ذلك سيكون بمثابة اعتماد رسمي لدور العملة الصينية كأداة رئيسية في التمويل العالمي.
ستعود على قطر ثلاث فوائد رئيسية من تدشين مركز التسوية بالرنمينبي الأسبوع الماضي. أولاً، سيعمل المركز على تعزيز دور قطر كمركز مالي عالمي. ثانياً، سوف يُعمق المركز الروابط مع الصين وبقية الدول الآسيوية. ثالثاً، سيتيح المركز عرض حزمة من المنتجات المالية الجديدة المقومة بالرنمينبي للمستثمرين، بمن فيهم القطريين. وبالتالي فإن مركز التسوية بالرنمينبي في الدوحة يمثل خطوة أخرى هامة في الشراكة المالية من أجل النمو الاقتصادي بين كل من الصين ودولة قطر.