في البداية .. أحمد الله على سلامة خادم الحرمين الشريفين وأدعو الله له بالصحة والعافية وولي عهده الأمين ،
أصحاب السعادة، أيها الحضور الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يسعدني أن أرحب بكم جميعاً في المعهد المصرفي بمناسبة افتتاح ندوة "الاستثمار في أفضل الممارسات لإدارة المخاطر في ظل بيئة رقابية متغيرة". وأشكر الزملاء في المعهد المصرفي وشركة ”Moody’s Analytics” على تنظيم هذه الندوة، وعلى جهودهم المستمرة في نشر وتعميق الوعي المصرفي والمساهمة في تعزيز مستوى الثقافة المالية.
الأخوة والأخوات الحضور،
مع حدوث الأزمات المالية، أدرك المختصون أهمية مواكبة إدارة المخاطر للتغيرات المتسارعة في بيئة الأعمال والانتشار الواسع لاستخدام أدوات مالية جديدة وازدياد الطلب عليها، وتبني أحدث التقنيات والأنظمة التي تساعد على التكيف مع التوجهات الدولية لإعادة هيكلة القطاع المالي. وقد يؤدي الإخفاق في تفعيل إدارة المخاطر إلى خسائر فادحة في قطاعي المال والأعمال وتآكل الثروات وتهديد استقرار الأنظمة المالية. ولعل ما حدث خلال الأزمة المالية الأخيرة وما ترتب عليها من خسائر خير مثال على عدم كفاءة إدارة المخاطر في المؤسسات المالية الكبرى خاصة في الدول المتقدمة.
الأخوة والأخوات،
تشير الدراسات ذات العلاقة بإدارة المخاطر إلى ضرورة تبني مبادئ رئيسة من اللازم توافرها حتى تكون إدارة المخاطر كفؤة وفاعلة، ومن أهمها مايلي:
أولاً، مهمة إدارة المخاطر ليست مقصورة على الإدارة العليا فقط، فلا بد من مشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة بالعمليات المصرفية على كافة المستويات الإدارية بالمنشأة، ولا سيما من تقع على عاتقهم مهمة تقييم المخاطر المحتملة بشكل شامل ودقيق.
ثانياً، الاستراتيجية الأولى لإدارة المخاطر تكون في تجنبها قدر الإمكان أو تقليص حجمها، وعند عدم القدرة على تجنب المخاطر، يجب مراقبتها وإدارتها بفعالية.
ثالثاً، تبني إدارة المخاطر الوقائية وتنمية القدرات على التنبؤ بالمخاطر المحتملة دون استثناء.
وقد يكون من المناسب هنا تسليط الضوء على بعض مجالات إدارة المخاطر المرتبطة بهذه المبادئ الثلاثة ومن أهمها مايلي:
1- بناء نماذج إدارة مخاطر مثالية اعتماداً على بيانات موثوقة لفترة زمنية طويلة، مع الأخذ في الحسبان الأحداث السابقة حتى وإن كان احتمال حصولها منخفضاً.
2- إدارة مخاطر الطرف المقابل (Counterparty Risks) وتسليط الضوء على الشركات والمؤسسات المالية المترابطة (Too-interconnected) التي قد تساهم في زيادة احتمال وقوع المخاطر في النظام المالي (Systemic Risks). وهذه القضايا تُناقش حالياً ضمن اللجان المختصة في مجموعة العشرين واللجان الدولية الأخرى ذات العلاقة.
3- دراسة مخاطر السيولة (Liquidity Risks)، ومخاطر عدم توافق الأصول والخصوم (Maturity Mismatch Risks).
4- تنامي مستويات المخاطر وازدياد التحديات المرتبطة بها، حيث واجه مدراء المخاطر في الفترة الأخيرة مستويات أعلى من مخاطر الديون السيادية التي لم تعد مرتبطة فقط بالاقتصادات الناشئة بل شملت الاقتصادات الكبرى في العالم.
5- تطوير نماذج قياس المخاطر ومواكبتها للتغيرات الحاصلة في بعض الأنظمة، ودراسة تأثيرها على نتائج النماذج المستخدمة على الأجلين المتوسط والطويل.
6- أهمية بناء القدرات البشرية المؤهلة لتقييم المخاطر.
الأخوات والأخوة،
أود أن أستعرض في عجالة تجربة مؤسسة النقد بالنسبة لموضوع الندوة ولا سيما بالنسبة للمصارف وشركات التأمين. لقد تطورت البنية الأساسية المالية في المملكة من خلال سلسلة من الخطوات والإجراءات المنظمة التي أسهمت بتحقيق الاستقرار المالي الذي نجني ثماره الآن. ومن أبرز هذه التطورات والخطوات المتخذة التي أدت إلى رفع الكفاءة في إدارة المخاطر مايلي:
- مواكبة التطورات العالمية ونقل الممارسات في مجالات الاشراف والرقابة من خلال إصدار لوائح وتعليمات داخلية للمؤسسات المالية التي تشرف عليها المؤسسة، بما في ذلك المعايير الجديدة لكفاية رأس المال المعتمدة على احتساب أوزان المخاطر، والقواعد الخاصة بالتدقيق الداخلي والخارجي، والقواعد الخاصة بلجان المراجعة، ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتجنب الاحتيال المالي وغيرها من التعليمات الهادفة إلى تعزيز متانة النظام المالي في المملكة. إضافة إلى إصدار لوائح الحوكمة، ومتطلبات الرقابة الداخلية في المصارف، وتوجيه المصارف التجارية وشركات التأمين المحلية لتطبيق المعايير المحاسبية الدولية.
- اتخذت المصارف المحلية وبتوجيه من المؤسسة، منذ بداية التسعينيات، سياسات تخصيص احتياطيات كافيه لمواجهة الظروف والأحداث الطارئة والتقلبات الدورية (countercyclical capital buffers and provisioning policies) وغيرها، وقد مكنها ذلك من تجنب آثار الركود الاقتصادي العالمي والأزمات المتعاقبة خلال تلك الفترة، والحفاظ على معدل كافٍ لرأس المال.
- اعتماد مبادرات رئيسة لتعزيز إدارة المخاطر على مستوى النظام المالي والمصرفي المحلي، ومنها إنشاء شركة (سمة) للمعلومات الائتمانية لتعزيز استخدام نظم التقييم الداخلي المستندة على تقييم مخاطر الائتمان.
- عملت المؤسسة على تطبيق معايير اتفاقية بازل في الوقت المناسب، والمعايير الدولية الأخرى الصادرة عن لجنة بازل، والجمعية الدولية لهيئات الرقابة والإشراف على التأمين، ومجلس معايير المحاسبة الدولية، ومجلس الاستقرار المالي. وانعكست هذه الجهود في إيجاد إطار إشرافي قوي أثنت عليه الجهات الدولية ذات العلاقة، وانعكس ذلك في نتائج التصنيف الائتماني للمؤسسات المالية في المملكة.
- استمرت المؤسسة في حث المصارف وشركات التأمين المحلية على متابعة ما يستجد من أنظمة على المستوى الدولي في المجال المالي وتأثيرها في النظام المالي المحلي، مع تكثيف الدورات التدريبية لرفع قدرات العاملين في قطاعي المصارف والتأمين في عدد من المجالات بما في ذلك إدارة المخاطر، والاستفادة من التقنية الحديثة للتوسع في المنتجات والخدمات المصرفية والتأمينية الآمنة.
- صدرت مؤخراً الموافقة على أنظمة التمويل في المملكة، ونشرت المؤسسة مشاريع اللوائح التنفيذية لأنظمة التمويل يوم أمس الأثنين 5/1/1434هـ، والتي تشمل التأجير التمويلي، والتمويل العقاري، ومراقبة شركات التمويل، وقد اشتملت تلك الأنظمة ولوائحها التنفيذية على مواد تؤسس وتؤكد على أهمية إدارة المخاطر المتعلقة بمثل هذه الخدمات المالية وحماية المستهلك والمستفيد والشركات بما لا يخل بسلامة النظام المالي وعدالة التعاملات.
الأخوة والأخوات الحضور،
في الختام، أود التأكيد على ضرورة متابعة التطورات العالمية ولا سيما التوجه العالمي نحو الإصلاح وإعادة الهيكلة لتعزيز دور النظام المصرفي والمالي في النمو الاقتصادي. وعلى الجميع السعي بالمشاركة الفاعلة في بناء مستقبلٍ أفضل لنظامنا المالي يرتكز على معرفةٍ أعمق بمختلف جوانب المخاطر واستثمار الوقت والجهد والموارد الكافية للوصول إلى الهدف المنشود وتحسين القدرات والكفاءة البشرية التي تُعد العامل الأساس للنجاح.
أشكركم على حسن إصغائكم، واتمنى لكم نقاشاً مثمراً.
والله الموفق، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أضف تعليق
ننصحك باستخدام التعليقات لتكون على تواصل مع المستخدمين، قم بمشاركة ارائك ووجه اسألتك للمؤلف وللمستخدمين الاخرين. ومع ذلك، من أجل الحفاظ على مستوى عالٍ، الرجاء الحفاظ وأخذ المعايير التالية بعين الاعتبار:
سيتم حذف الرسائل غير المرغوب فيها وسيتم منع الكاتب من تسجيل الدخول الى Investing.com.