كلمة معالي الاستاذ/حمد السياري في حفل تكريمه

بسم الله الرحمن الرحيم

أشكر معالي المحافظ على كلمته
كما أتقدم بالشكر لإخواني وزملائي كل من أصحاب المعالي والسعادة أعضاء مجلس إدارة المؤسسة وجميع موظفي المؤسسة على إقامة هذا الحفل. 
كما اشكر جميع الحضور من المدعوين الذين شرفوني بالحضور

في هذا لموقف، تعجز الكلمات، عن البوح الصادق بما تكنه الصدور من مشاعر المحبة والتقدير لزملاء العمل، خاصة بعد مضي أكثر من 30 عاماً من العمل الدؤوب معهم والتعاون المستمر في بناء هذا الصرح الشامخ وخدمة الوطن المعطاء.

عملت في الخدمة العامة طوال حياتي العملية ولمدة 48 سنه تزامنت مع فترة بناء الاقتصاد السعودي الحديث ، وكان لي شرف المشاركة في (مجالات مختلفه) وفي مراكز مسؤولة ، كان آخرها محافظاً لمؤسسة النقد العربي السعودي لمدة 26 عاماً.  تطور خلالها الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي ومؤسسة النقد تطورا كبيرا.  ولقد سهل من المهمة في المؤسسة أن كان هناك انجازات من الأسس وقواعد العمل حققها مشكورين محافظو المؤسسة والمسؤولون السابقون فأصبحت المهمة للتطوير والبناء على ماأنجزوه.

لقد شهد الاقتصاد السعودي ، وشهدت معه في هذه العقود المحدودة فترة مليئة بالتطور والتغيير بل والانتقال في بعض الجوانب من مستويات متواضعة إلى مستويات متطورة جدا تنافس أكثر الاقتصادات تقدماً. ويمكن الاستدلال بعددٍ من المتغيرات التي تدل على هذا التغير ، ولكن تكفي الإشارة إلى ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي من 22 بليون ريال ومتوسط دخل للفرد بنحو 4 ألاف ريال في عام 1970 إلى 1430 بليون ريال للناتج المحلي ومتوسط دخل بلغ 60 ألف ريال في عام 2007 كما يظهر ذلك في بيانات أخر تقرير سنوي للمؤسسة.

وقد تخلل فترات التطور خلال هذه العقود مراحل من التذبذب الحاد والصدمات التي شكلت تحديات كبيرة للسياسات الاقتصادية.  ففي المالية العامة تناوبت الفوائض والعجوزات الكبيرة فمن فائض تجاوز 20% من الناتج المحلي عام 1980 إلى عجز تجاوز 25% من الناتج المحلي عام 1987 تتالت بعده سنوات العجز إلى أن تحققت فوائض في السنوات الأخيرة كان أخرها فائض بمعدل 34% من الناتج المحلي للعام الماضي بينما قدرت ميزانية العام الحالي العجز بـ 4% من الناتج المحلي.  هذا التذبذب في المالية العامة صاحبه تقلب في وضع الحساب الجاري بين فوائض كبيرة وعجوزات مماثله ، كما صاحبه بناء احتياطيات في وقت الوفرة واستخدامها عند الحاجة ، كما نتج عنه بناء مديونيات حكوميه للمحافظة على وتيرة الإنفاق التنموي ، سدد جزء كبير منها في السنوات الأخيرة.

وإضافة للصدمات الناتجة عن التذبذب في أسواق البترول كان هناك صدمات ناتجة عن أحداث إقليمية من الحروب أكثرها حده احتلال الكويت.  وجميع هذه التذبذبات والصدمات تولد انعكاسات على الوضع الاقتصادي والمصرفي المحلي وينتج عنها تحديات وضغوط على السياسة النقدية وعلى الاستقرار المالي بما في ذلك مضاربات على العملة المحلية وتحديات للنظام المصرفي.  مما تطلب جهودا كبيره وأحيانا إجراءات استثنائية للمحافظة على الاستقرار المالي المحلي.  ويزيد من نوعية وتعقيد التحديات العمل في بيئة اكتفي بالقول أنها بيئة محافظة.

وإضافة للصدمات التي تنشا نتيجة تطورات محليه أو إقليمية، كان هناك مجال للتأثر بالصدمات التي تنشا في المناطق الأخرى من العالم بحكم العولمة التي دمجت اقتصادات الدول وجعلت كلا منها، خاصة الاقتصادات المنفتحة على العالم كاقتصاد المملكة عرضه للتأثر من الصدمات التي قد تحصل في مناطق أخرى من العالم.  وأصبح من التحديات اخذ الاحتياطات لحماية الاستقرار المالي المحلي من الهزات العالمية كالأزمة المالية في أمريكا اللاتينية وفي شرق اسيا والازمة العالمية الحاليه التي بدأت من أكثر الاقتصادات تطورا وانتشرت لتشمل الاقتصادات المتطوره والناشئة.  وكان للنظام المصرفي نصيبه من التعرض لصدمات التوسع والانكماش والصدمات الاقليمية والعالمية، واثر ذلك على برامج البنوك وعلى النشاطات الاقتصاديه التي تتعامل معها ومع عملائها وعلى سلامة قروضها.  ولولا الاجراءات الاحترازية والرقابة الصارمة للالتزام بالنسب والمعايير التي كان يقال أنها متحفظة، ثم تبين أنها الدرع الواقي للنظام المصرفي في أوقات الاضطراب، لكانت البنوك هنا عرضة لما تتعرض له البنوك في أجزاء كثيرة من العالم في الوقت الحاضر.

أيها الاخوه
خلال تلك الفترة شهدت المؤسسة تطوراً كبيراً بفضل الجهود المتواصلة للزملاء العاملين في المؤسسة يستحقون عليها الشكر.

مع توسع وتطور الاقتصاد حجماً ونوعاً توسع القطاع المصرفي بشكل ملحوظ سواء في حجم موجوداته أو القروض أو عدد العمليات أو نوعيتها.  وتدل المؤشرات إلى تضاعف حجم أعمال القطاع المصرفي بأكثر من عشرة أضعاف خلال أل 25 سنه الماضية.  وصاحب ذلك نمو كبير في أعمال المؤسسة مع القيام بمسؤوليات اضافيه.  فتم إنشاء إدارات جديدة للحاسب الآلي والتقنية البنكية، وإدارة مراقبة أعمال التامين التعاوني، وإدارة مراقبة سوق الأسهم التي كانت النواة لهيئة السوق المالي إضافة إلى الأمانة العامة للجنة تسوية المنازعات المصرفية والأمانة العامة لفصل المنازعات والمخالفات التأمينية.  كما تم التوسع في أعمال الإدارات القائمة.  كذلك بذلت جهود كبيرة لتوظيف التقنية الحديثة في جميع أعمال المؤسسة وفي تطوير أنظمة المدفوعات الوطنية مما اوجد نقله نوعيه في الأداء داخل المؤسسة ومع الأجهزة الحكومية الأخرى ذات العلاقة.  وبين المصارف ببعضها ولخدمة عملائها مما رفع مستوى الكفاية في أداء الاقتصاد الوطني.

أيها الإخوة
بين برامج التطوير والتحديث حظيت تنمية العنصر البشري باهتمام خاص باعتباره المحور الرئيسي للتطوير.  ولان المؤسسة تعمل في صناعة فنية متخصصة تحتاج لمهارات مدربة في العديد من المجالات فقد تم توجيه اهتمام خاص لبناء تلك المهارات وتطويرها بالابتعاث العلمي للدرجات الاكاديميه العليا من الماجستير والدكتوراه، وللتدريب الفني التخصصي للحصول على شهادات فنية متخصصة في التخصصات التي تحتاجها المؤسسة.  فتم إيفاد حوالي 370 مبتعثا للحصول على الماجستير ، وأكثر من 100 موظف للدكتوراه ، وما يزيد عن 680 للحصول على تدريب متخصص بما في ذلك شهادات مهنية متخصصة من أفضل الجامعات والمراكز في الخارج خلاف الدورات القصيرة للغالبية العظمى من الموظفين إلى أن أصبحت المؤسسة مصدرا للمهارات المتخصصة محليا، بل وحتى خارجيا عند الحاجة لمهارات سعودية متخصصة كما يلاحظ أن نسبة ذوي المؤهلات العليا إلى إجمالي الموظفين عالية بالمؤسسة مقارنة بالجهات الأخرى بالرغم من نسبة التسرب العالية نتيجة قوه الطلب على المهارات المتخصصة  كما شهد المعهد المصرفي نقله نوعية في مستوى التدريب ونوعية البرامج والدورات التي ينظمها منفردا أو بالتعاون مع مؤسسات ماليه أو تدريبية كبيرة.  وأخيرا فان المؤسسة تخطط بالتعاون مع هيئة السوق المالية لإنشاء أكاديمية متخصصة في العلوم المالية لمواجهة الاحتياجات المتزايدة للمهارات المتخصصة في هذا القطاع.

أيها الاخوه:
نشأت الحاجة لتطوير أدوات لتنفيذ السياسات النقدية بما يحقق الأهداف المرسومة في نظام المؤسسة.  فتم إصدار أدوات مالية قصيرة الأجل في منتصف الثمانيات الميلادية إلى أن بدا إصدار سندات التنمية مع بدء برامج الاقتراض الحكومي التي أغنت عن سندات الإيداع لإدارة السيولة.  كما تم تطوير عمليات عقود مبادله كأدوات مسانده مما ساعد على تنظيم التدفقات النقدية ووفر هاشا إضافيا في إدارة السيوله.  وقد لعبت هذه الأدوات دورا مهما في تنفيذ السياسة النقدية وتنظيم السيوله في أوقات الأزمات مما مكن بفضل الله من تجاوز الآثار السلبية لازمات عديدة بدا من الانكماش الاقتصادي في النصف الثاني من الثمانينات اثر انخفاض إنتاج وأسعار البترول ثم أزمة احتلال الكويت والأزمات المالية في آسيا وأمريكا اللاتينية وأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 والحروب الإقليمية وأخيرا أزمة الرهن العقاري.  وقد شهدت مؤسسات مالية دوليه في مقدمتها صندوق النقد الدولي بنجاح السياسة النقدية بالمملكة.

أيها الإخوة الزملاء
في مجال الرقابة على المصارف التجارية، سعت المؤسسة إلى تطوير مهارات العاملين في الإدارة العامة للرقابة على البنوك، سواء بالإشراف المكتبي أو التفتيش الميداني من أجل تعزيز وتقوية عملية الإشراف والرقابة.  وقد شهدت فترة الثمانينات مرحلة مهمة إثر الانكماش الاقتصادي المحلي الذي أوجد مجالاً لاختبار متانة المصارف التجارية واستقرار النظام المالي.  ومع تراكم التجارب حرصت المؤسسة على تقوية الإطار التنظيمي والمؤسسي ، وإدخال متطلبات الرقابة الداخلية في المصارف.  وفي فترة التسعينات تم إصدار سلسلة من الأنظمة والتعليمات للقطاع المصرفي شملت معايير جديدة لكفاية رأس المال تعتمد على أساس احتساب حجم المخاطر، وقواعد خاصة بالتدقيق الخارجي والداخلي، وبلجان التدقيق، وصدور نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتجنب الاحتيال المالي.  كما طلبت المؤسسة من المصارف تطبيق المعايير المحاسبية الدولية، وتفعيل الشفافية والإفصاح عن بياناتها المالية، وتعزيز رؤوس أموالها، وواجه النظام المالي السعودي خلال العقد الحالي اختبارا أخر تمثيل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والأزمات العديدة التي شهدتها المنطقة والعالم إلا أنه ظل قوياً وسليماً.  وكانت متانة النظام المصرفي وفعالية الرقابة إحدى العوامل في حصول المملكة على تقييم متقدم من قبل مؤسسات التصنيف الدولية.

كذلك أوكلت للمؤسسة مهمة مراقبة نشاط شركات التأمين التعاوني وفقاً للنظام الصادر بالمرسوم الملكي في تاريخ 2/6/1424هـ (1/8/2003 م) الذي يُعد البداية الحقيقية لانطلاقته وتطوره.  وقد قامت المؤسسة بإنشاء أدارة مستقلة لهذا الغرض، وهي تشرف على وحدات هذا النشاط التي تتكون من شركات مرخص لها بمزاولة نشاط التأمين التعاوني، وأخرى مرخص لها بمزاملة المهن الحرة ذات العلاقة بنشاط التأمين مثل وسطاء ووكلاء التأمين، والخبراء الاكتواريون، وخبراء المعانية وتقدير الخسائر، وأخصائي التسوية والمطالبات، واستشاريي التأمين.

ومن التطورات البارزة في مجال نشر البيانات والمعلومات، ما شهده التقرير السنوي للمؤسسة من تحسن كبير ليصبح المرجع الاقتصادي الرسمي الأول في المملكة.  كذلك تم إصدار النشرة الإحصائية الشهرية والنشرة الإحصائية ربع السنوية اللتين تصدران بشكل منتظم وحديث.  كما تم تدشين موقع المؤسسة على الانترنت الذي يحتوي على العديد من المعلومات وأحدث البيانات والتعاميم والأخبار الحديثة عن المؤسسة.
وعلى صعيد التعاون الدولي والإقليمي، تتمتع المؤسسة بسمعة طيبة في الأوساط المالية الدولي، وتمثل المملكة بالتعاون والتنسيق مع وزارة المالية في عدد من المؤسسات والتجمعات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ومجموعة العشرين، إضافة إلى المؤسسات المالية العربية المشتركة.  كما أنها اختيرت عضواً في بنك التسويات الدولي في 1996م نظراً لثقل المملكة في النظام المالي الدولي.  وعلى صعيد دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تمكنت المؤسسة بالتعاون مع مؤسسات النقد والبنوك المركزية الخليجية من تحقيق الكثير من الانجازات في مجال التعاون المشترك والتنسيق للسياسات الرقابية والنقدية كان أبرزها الاتفاق على مشروع الاتحاد النقدي.

أيها الإخوة الزملاء
أن التطورات التي شهدتها المؤسسة خلال ربع القرن الماضي كثيرة ومتشعبة لا يتسع المجال لحصرها جميعاً، ولكن رغبت في استعراض أبرزها في هذه المناسبة لأعبر عن خالص شكري وتقديري للزملاء الذين عملوا معي بكل جهد وإخلاص لتحقيقها.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.