كلمة معالي محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي الدكتور محمد بن سليمان الجاسر في حفل تكريم معالي الاستاذ حمد السياري

معالي أخي الأستاذ/ حمد بن سعود السياري
أصحاب المعالي والسعادة، أيها الإخوة الحضور
يسعدني أن أرحب بكم جميعاً في حفل تكريم أخي وأستاذي معالي الأستاذ/ حمد السياري. وأود بدايةً أن أتقدم نيابة عن مجلس إدارة المؤسسة ومنسوبيها وبالأصالة عن نفسي لمعاليه بالشكر الجزيل على ما بذله خلال فترة عمله من جهودٍ مخلصةٍ وعملٍ دءوبٍ كان له الأثر الكبير في تطوير وتحسين بيئة ومناخ العمل بالمؤسسة، وإيجاد جيل مصرفي مؤهل، تعلم واقتبس منه الكثير في مجال التحليل المالي والاقتصادي، وصياغة وصنع القرارات والسياسات النقدية والمصرفية، وتعظيم الشعور بالمسئولية والوطنية وتحمل أعباء الإشراف على قطاع مالي ومصرفي متطور ومتين. وإننا مهما أسهبنا في الثناء على معاليه، فإننا لن نوفيه حقه، ولكننا نسأل الله أن يجزيه عنا وعن بلاده خير الجزاء وأن يجعل ذلك في ميزان حسناته.

أصحاب المعالي والسعادة، أيها الإخوة الحضور
لو أردت الحديث بإيجازٍ كبيرٍ عما عرفناه من سماتٍ شخصيةٍ وسيرةٍ عطرةٍ لمعالي أخي الأستاذ/ حمد السياري، لطال بنا المقام، ولكن لعلني أوجزها بالتالي : لقد وُفق في الجمع بين محاسن متعددة منها دماثة الخلق، وحسن التعامل مع الموظفين، والحرص على تنمية مهاراتهم وقدراتهم المهنية والفنية، وسعة الاطلاع بمتطلبات العمل المالي والمصرفي السليم، والحلم والصبر عند مواجهة التطورات غير المواتية، وعدم الالتفات لنداءات الحلول السهلة التي قد تكون عواقبها معاكسةً على المدى الطويل. ولقد كان لقيادته الحكيمة دورٌ فاعلٌ فيما وصلت إليه المؤسسة خاصةً والقطاع المصرفي والمالي عموماً من تطور كبير ونجاح مبهرٍ في العقود الماضية.
فعلى المستوى الداخلي للمؤسسة، حرص معاليه على تطوير وتوطين العناصر البشرية، ورفع مهاراتهم من خلال التدريب والتعليم المتواصل لاكتساب المعرفة والحرفية الفنية والمهنية واستخدام أحدث التقنيات والمعايير المالية والمحاسبية والإشرافية المتعارف عليها دولياً، إضافةً إلى توظيف أفضل الكوادر الوطنية المتاحة في المناصب القيادية بالمؤسسة، ناهيكم عن إنشاء إدارات مهمة بالمؤسسة والتوسع في أعمال الإدارات القائمة، وتوظيف التقنية الحديثة في جميع أعمال المؤسسة، حتى تمكنت المؤسسة بقيادة معاليه من تحقيق نجاح واضح ومشهود له من المؤسسات المالية الدولية.
  وفي المجال النقدي، شهد سعر صرف الريال استقراراً يندر حدوث مثيل له، حيث حافظ على معدل صرفه عند 3.75 ريالاً للدولار منذ منتصف عام 1986 حتى وقتنا الحاضر. كذلك شهدت الأسعار المحلية استقراراً كبيراً خلال تلك الفترة، حيث بلغ متوسط معدل التغير السنوي لها نحو 1.1 في المئة، على الرغم من الارتفاع الكبير الذي شهدته في العاميين الماضيين. وقد أدت هذه الانجازات إلى دعم مسيرة التنمية الاقتصادية، وتعزيز الثقة بالنظام المالي والاقتصادي المحلي، وتشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية، وتنظيم التدفقات المالية، وتحفيز التجارة الخارجية.
وعلى صعيد التطورات البنكية، فقد حققت المؤسسة إنجازات واضحة في مجال تعزيز وتطوير العمل المصرفي من خلال الحرص على تكوين كيانات مصرفية ضخمة استطاعت اكتساب مكانة مرموقة إقليمياً وعالمياً، وتقديم خدمات مالية ومصرفية حديثة ومتنوعة تلبي حاجة السوق وتدعم مسيرة التنمية الاقتصادية بالمملكة، وذلك باستخدام أحدث ما توصلت إليه التقنية، وبإتباع أفضل المبادئ والمعايير الدولية للإشراف المصرفي السليم. ومن المؤشرات الدالة على ذلك، ارتفاع إجمالي الموجودات للمصارف من 176 مليار ريال في 1986م إلى أكثر من 1300 مليار ريال في نهاية عام 2008م.
وفي إطار التعاون الإقليمي والدولي، أصبح للمؤسسة مكانةً مرموقةً سوءاً على الصعيد الدولي من خلال عضويتها في بنك التسويات الدولية، ومشاركتها اجتماعات وأعمال مؤسسات دولية هامة مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أو التعاون على المستويين العربي والإقليمي بما في ذلك انجازات مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي كان آخرها مشروع الاتحاد النقدي الخليجي.

 أيها الأخوة الحضور
  لم تكن فترة قيادته خالية من المواقف الصعبة، فقد شهد النظام المالي والمصرفي اختبارات عدة استطاع مواجهتها بكل عزم وثبات، وذلك بدءاً من التراجع الحاد في الإنتاج وأسعار النفط في منتصف الثمانينات من القرن الميلادي الماضي، إلى أزمة تحرير الكويت، والأزمات المالية في آسيا وأمريكا الجنوبية في التسعينات، تلتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في الولايات المتحدة، والحرب على العراق، وأخيراً الأزمة المالية الدولية الحالية. وقد تمكنت المؤسسة بقيادته من التصدي لجميع هذه الأزمات وتخفيف آثارها وتداعياتها السلبية على الاقتصاد المحلي، حتى أصبح ملاذاً آمناً للاستثمارات المحلية والأجنبية في السنوات الأخيرة.
 أيها الأخوة
الجانب الشخصي لعلاقتي بأستاذي حمد السياري ذو شجون . فقد قابلته أول مرة  حوالي عام 1982م في مكتبه في المؤسسة ضمن فريق وزارة المالية المرافق لبعثة صندوق النقد الدولي لمشاورات المادة الرابعة. وكنت حديث عهد بالعمل الحكومي والعلاقات مع صندوق النقد. ولكنني عملت معه بشكل قريب منذ انضمامي لمكتب المملكة في صندوق النقد الدولي عام 1988.
وأذكر أن احد الزملاء حذرني من الاقتراب كثيرا من الأستاذ حمد لأنه سوف يغرقني بالأسئلة. ولم يخب ظنه أو ظني خاصة انني كنت استمتع كثيرا بتلك الأسئلة والبحث عن إجاباتها. يعلق في ذاكرتي سؤاله وقلقه من مقالة ظهرت في مجلة الايكونومست عدد 3 يونيو 1989 حول "الانشطار البارد" أو ( Cold Fusion  ) والذي لو ثبتت نظرية علماء جامعة يوتا لأوجدت بديلاً هائلاً للبترول كمصدر طاقة رخيص. وأذكر إننا تناقشنا حول ذلك في واشنطن بوجود معالي الاستاذ محمد ابا الخيل ومعالي الدكتور أبراهيم العساف والمرحوم الدكتور يوسف نعمة الله.
أذكر ذلك كمثال على فضوله العلمي الذي لم يتوقف عند تاهيله القوي في العلوم الشرعية أو دراساته العليا في الاقتصاد أو خبراته المتراكمة عبر احتكاكه مع بيوت الخبرة العالمية  في مجال الإدارة العامة والاستثمار والتنمية الصناعية.
ان ذلك الفضول العلمي لدى معاليه جعله ينبوعاً لا ينضب للمعرفة التي وضّفها في جميع ما أوكل اليه من مسئوليات بل ولإعطاء القدوة الحسنة لجيل الشباب من منسوبي الجهات التي عمل فيها أو ترأسها. وكنت من اولئك المحظوظين ( ذلك عندما كنت شاباَ !! ) ولكن أغنى فترة في حياتي المهنية كانت خلال الاربعة عشر عاماً التي مضت عندما عملت بشكل لصيق مع معاليه كنائب له في هذا الصرح: مؤسسة النقد العربي السعودي. لقد اكرمني بأن منحني ثقته بإعطائي صلاحيات كبيرة في إدارة معظم شئون المؤسسة, مع مراقبة لصيقة من أستاذ حنون وواثق. كان لا يبخل علي بتحدي بعض الافكار التي اطرحها, وإثارة أسئلة يرى إنها قد غابت عني. وكان يشجعني وزملائي على التفكير المهني الحر المنضبط. وفي نفس الوقت, كان دائما لا يبخل ايضاً بحكمته وحنكته الناتجة عن ثاقب رؤية وعمق تجربة وممارسة. لقد كانت تلك الفترة غنية بالتجربة وجلسات ما صار يسمى بالعصف الذهني "Brainstorming  " والتي كانت تقودنا الى اتخاذ قرارات ناجعة من حيث توجيه السياسة النقدية والاستثمارية والمصرفية والإدارية للمؤسسة بشكل يبعث على الفخر والاعتزاز.

 
أيها الأخوة الحضور
إننا إذ نكرِّم الليلة معالي أخي الأستاذ/حمد السياري، فإنما نكرم مبادئ خدمة الوطن عبر الصداقة والأخوَّة والزمالة والإخلاص في العمل التي عرفناها عن معاليه خلال فترة كانت كافية لسبر أغوار الرجال واكتشاف معادنهم.  وإننا نشهد له اليوم وكل حين، بأنه قد أنجز ووفى وأدى الأمانة الملقاة على عاتقه بكل كفاءةٍ واقتدار. والحقيقة، إن كنا نفتقده كرئيس نلجأ بعد الله إليه، ونستنير بتوجيهاته عبر دروب التنمية والتطوير، إلا أننا في المؤسسة مطمئنون، بل ومتأكدون، بأن معاليه سيكون معنا أينما كان قلباً ومشورةً ورأياً ونصحا. وختاماً، فإن ما تقدم من عبارات ومشاعر صادقة لم تكن في مجملها بكلمة وداع، وإنما تأكيد محبة وتعزيز علاقة نحرص كل الحرص أنا وزملائي في المؤسسة على وصلها أبد الدهر، فلكم منا كل المودة والتقدير والاحترام أخي وأستاذي معالي الشيخ/ حمد السياري.