بروكسل، 25 ديسمبر/كانون أول (إفي): بعد أن عاشت طيلة عقد من الزمان في حلم اليورو، استيقظت دول منطقة العملة الأوروبية الموحدة في 2010 وبشكل مفاجيء على كابوس صادم أظهر لها مدى هشاشة عملتها التي وضعت امام اختبار صعب يبدو أن أمامها الكثير لتثبت مقدرتها على تجاوزه.
وعلى الرغم من أن الأزمة لم تبدأ في أوروبا، وإنما انطلقت شرارتها الاولى من الولايات المتحدة بعد انهيار بنك (ليمان برازرز) في الربع الاخير من عام 2008 ، إلا أن اثارها الاشد قسوة بدأت بالفعل في القارة العجوز، بعد تراكم ديون عدة دول بمنطقة اليورو وارتفاع العجز في موازناتها حتى اصبحت غير قادرة على مواجهة الازمة بمفردها.
وبطبيعة الحال انعكس ذلك الوضع على اليورو، حتى ان العديد من مسئولي الاتحاد الاوروبي لا يخفون حقيقة انه "بات في خطر" لأول مرة منذ العمل به نهاية عقد التسعينات، حتى لو كان اعترافهم بتلك الحقيقة يخرج خلسة من خلف الابواب المغلقة.
وتسبب التفشي الجنوني للخوف بين المستثمرين من ضياع استثماراتهم، بجانب جشع المتلاعبين بالأسواق المالية، في الاضرار بالعملة الموحدة وتعرية عيوبها والاقتصاديات الضعيفة التي كانت تحتمي بها، والتي راحت تتساقط الواحدة تلو الأخرى.
وكانت اليونان الضحية الأولى بعد ان أعلنت أن دينها العام تجاوز نسبة 110% من إجمالي ناتجها المحلي، فيما بلغت نسبة العجز في موازنتها 12.7%، وهو مااضطر أثينا للتوجه بطلب المساعدة من شركائها الأوروبيين.
ولم تتأخر الاستجابة كثيرا، رغم الشد والجذب السياسي، نتيجة لمعارضة المانيا تحمل فاتورة بهذا الحجم، حيث صدق الاتحاد الأوروبي في مايو/آيار على خطة مساعدة لليونان تقارب قيمتها 110 مليار يورو، لتجنب الافلاس.
وعلى الرغم من أن خطة اليونان قد غلب عليها الارتجال الى حد ما نتيجة لضيق الوقت، إلا ان قواعد جديدة بدأت تظهر تباعا في محاولة لـ"ترتيب البيت" من الداخل ومنع انتشار العدوى بين اعضاء الاتحاد، وكان ابرزها منع أي دولة داخل منطقة اليورو من تمويل ديون دولة أخرى، إلى جانب عدم اللجوء لأي جهة خارجية، على اعتبار أن "الأوروبيين قادرين على الذود عن أنفسهم".
إلا أن ذلك الشعار لم يكن سهل التطبيق بعد أن اضطرت أوروبا للجوء فعليا إلى خبرة ومصادر صندوق النقد الدولي لضمان مصداقية ونجاح خطط التقشف القاسية المتعلقة بحزم الانقاذ التي أجبرت على تنفيذها.
ولم تمر سوى ستة شهور حتى جاء الدور على أيرلندا، التي اضطرت كذلك لطلب المساعدة عقب انهيار قطاعها البنكي، الأمر الذي وجه ضربة قاسية لموازنتها.
ومن المقرر ان تتلقى أيرلندا 58 مليار يورو من شركائها، بما فيهم بريطانيا التي لا تشكل جزءا من منطقة اليورو، مقابل تنفيذ خطة تقشف قوية تتضمن رفع الضرائب وتقليل مساعدات الدعم الاجتماعية وتقليص الادارة والقطاعات العامة.
ويتم تطبيق نفس "الوصفة"، ولكن بشكل أقل "حدة"، في عدد من الدول الأوروبية التي لم تعلن حتى الآن حاجتها للمساعدة، مثل البرتغال وإسبانيا، حيث تعدت معدلات البطالة في الأخيرة أربعة ملايين عاطل، بنسبة 20 في المائة.
وبطبيعة الحال، كانت رؤية العديد من مفتشي صندوق النقد الدولي يتوافدون على بروكسل وأثينا ودبلن للمساعدة في تنظيم الوضع المالي في أوروبا بمثابة شيء يصعب هضمه بالنسبة لبعض كبار مسئولي الاتحاد الأوروبي.
وعلى الرغم من ذلك، بدأ القادة الأوروبيين يستوعبون الأمر، وانتقلوا إلى مرحلة التعلم من الدروس المستفادة، حيث اتفقوا على اجراء اصلاحات موسعة لقواعد اتحادهم النقدي، الذي يعاني من أقسى أزماته منذ انشائه في 1999.
وتهدف تلك الاصلاحات إلى منع حدوث عجز يتعدي حدود المعقول عند دولة معينة بشكل يضر باقي الشركاء والعملة الموحدة، فضلا عن مواجهة انعدام التوازن في الاقتصاديات الصغيرة التي تهدد استقرار المنطقة.
وبناء على ذلك، سيتوجب على حكومات الدول الاعضاء بداية من 2011 ارسال مشروعات موازنتها إلى بروكسل لكي يتم دراستها ومراجعتها بشكل مشترك، وإذا ما ظهر عدم تمكن أي منها من ابقاء العجز عند أقل من 3% من إجمالي الناتج القومي، فستخضع للغرامة بشكل أوتوماتيكي.
كما اتفق قادة الاتحاد الأوروبي على انشاء آلية دائمة للاستقرار المالي تسمح بمنح القروض تحت شروط صارمة لدول اليورو التي تعاني من مشكلات في السيولة أو عدم القدرة على السداد.
ومن المنتظر ان يبدأ سريان تلك الآلية بداية من 2013 وذلك بعد نهاية فترة العمل بـ"صندوق تعاون الحكومات" والذي تبلغ قيمته 440 مليار يورو وتم انشاؤه في مايو/آيار بهدف تجنب انتقال عدوى الأزمة اليونانية لباقي الدول الاوروبية.(إفي)
م ف/ م ز/ ف ع/ ا ا ح