في كتاب “ثروة الأمم” الصادر عام 1776، كتب آدم سميث إن “العلامة الأكثر حسماً لازدهار أي بلد هي زيادة عدد سكانها”.
ولاحقاً تبادل ديفيد ريكاردو وتوماس مالتوس، الانتقادات حول ما إذا كانت الإمدادات الغذائية ستستمر.
وبحلول عام 1937، كان الاقتصادي جون ماينارد كينز يحذر من انخفاض عدد السكان في المستقبل وما يتبعه من آثار اقتصادية ضارة.
وتعد اليابان طائر الكناري في منجم الفحم، إذ آثار اقتصادها المزدهر في الثمانينيات الخوف في العالم.
وبعد انفجار الفقاعة في التسعينيات، تضخم الدين العام وحدث الانكماش، وقال كثيرون في الغرب إن ديون اليابان غير مستدامة وينبغي على البنك المركزي الياباني فعل المزيد لتعزيز التضخم.
وفي عام 2013، شرع حاكم البنك المركزي الياباني كورودا هاروهيكو، في تيسير نقدي كبير، إذ كان الدين يحوم حول 230% من الناتج المحلي الإجمالي.. لكن ثمة شيء غريب حدث، فلم تنفجر أزمة مالية، ولم يقترب التضخم من هدف 2%.
يقول شيراكاوا ماساكي، وهو سلف كورودا: “يحتاج الكتاب القياسي حول الاقتصاد الكلي إلى بضعة فصول إضافية، فهو لا يتناول المشكلات التي واجهتها اليابان”.
وتواجه العديد من الدول الغنية الآن “ركوداً مزمناً” مشابهاً، حيث التضخم المنخفض ومعدلات الفائدة المنخفضة والنمو المنخفض، حسبما ذكرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية.
ورغم ظهور معدلات تضخم أعلى مؤخراً، تشير أسواق المال إلى أن الركود المزمن سيعود قريباً، إذ تلعب الديموغرافيا دوراً كبيراً، فقد بدأت اليابان ببساطة في شيخوخة السكان والانكماش في وقت سابق، لكن في ظل تكيف اليابان مع الأمر وتشابه البعض الآخر بها بشكل أكثر، فإن البعض يرى اقتصادها من منظور جديد.
لم يتبين أن الدين يمثل مشكلة من هذا القبيل.
ويجادل آدم بوزين، من معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: “ما اعتقدنا أنه حدود مالية لم يعد حدوداً مالية، فقد أجبرت اليابان الناس على مواجهة الواقع، وقد يظل سعر الفائدة أقل من معدل النمو لفترات طويلة جداً، كما تجاوز الدين العام 100% من الناتج المحلي الإجمالي لنحو 25 عاماً دون أن يتسبب في أزمة”.
مما لا شك فيه أن اقتراض البلاد بعملتها الخاصة يعد أمراً مفيداً، حيث تمتلك الحكومة أصولا مالية كبيرة وتملك بنك اليابان حصة كبيرة من الديون.
لكن كما يجادل ديفيد وينشتاين، من جامعة كولومبيا، تمكنت اليابان أيضاً من احتواء الإنفاق، فقد كتب في ورقة بحثية مع مارك جرينان منذ عام 2000 أن إنفاق الفرد من كبار السن انخفض بالفعل.
كما يقول وينشتاين إن “الأسواق متفائلة لأن اليابان لديها قدرة نادرة على التكيف”، فمع انخفاض معدلات الضرائب الهامشية، هناك أيضاً مجال لزيادة الإيرادات.
لا يزال البعض يخشى ما سيحدث إذا ارتفعت أسعار الفائدة، حيث يقول يوشيكاوا هيروشي، رئيس جامعة ريشو، إن الحجة القائلة بأنه لا داعي للقلق بشأن ديون اليابان لقدرتها على الرد عبر فرض الضرائب حجة “أكاديمية للغاية”، خاصة أن رفع الضرائب على السلع الاستهلاكية خطوة خاسرة سياسياً.
ويطارد صناع السياسات شبح الصدمات الخارجية التي تخلق احتياجات مالية جديدة، فقد أثار يانو كوجي، نائب وزير المالية، مؤخراً ضجة بعمود يقارن الوضع المالي للبلاد مع تيتانيك.
مع ذلك، فإن بعض السياسات المالية المتعقلة يجب أن تُستخدم بقوة أكبر.
والآن، يشعر كثيرون بالأسف على تسجيل زيادتين في ضرائب الاستهلاك في توقيت غير مناسب في عامي 2014 و2019، كما أن المرشح المفضل لآبي في السباق الأخير على زعامة التنمية المحلية دعا إلى تأجيل هدف التوازن الأساسي للحكومة حتى يصل بنك اليابان إلى هدفه للتضخم، ثم أعلنت حكومة كيشيدا في نوفمبر عن حافز مالي ضخم بقيمة 55.7 تريليون ين “أي 483 مليار دولار”.
ربما تشكل الشيخوخة وتقلص السكان عبئاً على الطلب وبالتالي التضخم.
وبالنسبة إلى شيراكاوا، هذا إثبات من نوع ما، فقد جادل في بنك اليابان أن الانكماش المالي كان أكثر العوامل التي تسبب النمو المنخفض، وليس السبب.
في كتاب جديد بعنوان “أوقات مضطربة”، يقول شيراكاوا إن تأثير التغيير الديموغرافي على النمو “لم يحظى بعد بالتقدير اللازم”.
ظل النمو الإجمالي بطيئاً، لكن النمو للفرد كان مؤخراً مشابهاً للنمو في مجموعة السبع، وكانت البطالة ضئيلة، وزاد طول العمر وظل عدم المساواة منخفضاً نسبياً.
وقال الاقتصادي بول كروجمان في تغريدة على موقع “تويتر” في عام 2020: “ربما يتعين على الاقتصاديين الغربيين الذين انتقدوا اليابان بشدة في عام 2000 تقريباً، بمن فيهم أنا، الذهاب إلى طوكيو والاعتذار للإمبراطور، ليس لأنهم فعلوا شيئاً عظيماً، لكننا فعلنا ما هو أسوأ بكثير”.
مع ذلك، لا يزال بإمكان اليابان القيام بعمل أفضل، ويجب أن يتجه الإنفاق العام بشكل أكبر إلى تحسين النمو على المدى الطويل.
كما يشعر الاقتصاديون في طوكيو بالقلق من أن الحكومة أهدرت حافزها الوبائي على المعونات، حيث وجدت دراسة أجراها هوشي تاكيو، من جامعة طوكيو، أن الدعم المالي في عام 2020 كان سيذهب على الأرجح للشركات التي كانت تكافح بالفعل قبل كوفيد.
في الوقت نفسه، يمكن أن تساعد زيادة الإنتاجية في تعويض تأثير تقلص عدد السكان، كما يعتقد يوشيكاوا أن الابتكار هو مفتاح النمو، وأن الشيخوخة تخلق مشاكل جديدة يمكن لرواد الأعمال حلها، وتحولات الأجيال ربما تساعد أيضاً، فبينما لا يزال الكثيرون يفضلون الوظائف المستقرة بالشركات الكبرى، يتجه بعض ألمع الخريجين اليوم للشركات الناشئة.
ختاماً، لا تزال الإصلاحات الهيكلية ضرورية، خاصة في سوق العمل غير المرن، حيث يجب أن يكون من الأسهل على العمال التنقل بين الشركات والصناعات، وأصعب على الشركات استغلال العمال غير المنتظمين.