يختلف المحللون الاقتصاديون حول الأثر الاقتصادي البعيد المدى للثورات العربية، ولكنهم يتفقون على التكلفة الباهظة التي تدفعها البلدان التي تعيش انتفاضات شعبية في الوقت الحالي.
وزير المالية الأردني محمد أبو حمور تحدث قبل نحو أسبوعين في مؤتمر مصرفي عربي في روما، عن هروب رؤوس أموال تصل إلى حد 500 مليون دولار أميركي، أسبوعيا، في أنحاء العالم العربي. وقبله بأيام، حذر الرئيس السوري بشار الأسد في آخر كلمة عامة ألقاها من جامعة دمشق، من «خطر انهيار اقتصادي». وفي اليمن، حذر الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية اليمنية، منتصف الشهر الماضي، من انهيار الاقتصاد في البلد إذا استمرت الأزمة السياسية الراهنة دون حل. وفي مصر، كشف تقرير للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في منتصف أبريل (نيسان) الماضي، أن الوضع الاقتصادي في مصر «مخيف ومقلق».
عندما وقعت الثورة في تونس وبعدها مباشرة في مصر, لم تحصل هزات قوية في الأسواق العالمية, لكن توسع نطاق الثورة إلى ليبيا ودول أخرى في الشرق الأوسط يؤثّر مباشرة على الاقتصاد العالمي سواء تعلق الأمر بالنفط أو بالسلع.
ويلاحظ أن ارتفاع أسعار النفط من الانعكاسات المباشرة لتفجر الثورة في ليبيا خصوصا، التي تصدر يوميا 1.1 مليون برميل من النفط إلى أوروبا ومرتبطة بالغرب باستثمارات بمليارات الدولار, وهناك مخاطر جيوسياسية أكبر في المنطقة بالغة الخطورة في ما يتعلق بالاقتصاد العالمي, بسبب ما يجري في البحرين من صراع سياسي بين الأسرة الحاكمة والمعارضة الشيعية, وفي ظل محاولة عدد من الدول الأخرى التأثير في مجرى تلك الأحداث.
ستؤثر هذه الأحداث الجارية في المنطقة في الاقتصاد العالمي على مستويات مختلفة لعوامل محددة. فأسعار النفط سترتفع وترفع بدورها تكاليف الإنتاج وضرائب الاستهلاك. كما أن هذا سيزيد الضغط على أسعار السلع عامة, ويحد من تدفق صادرات دول أخرى إلى المنطقة.
وتحدث الاقتصادي السعودي د. عبدالله القويز لـ"لعربية نت" عن الدور الذي سيلعبه إنتاج البترول خلال هذه الأوقات. فالدول المنتجة ستعمل على زيادة إنتاجها لتغطية النقص مما سيرفع من أسعار البترول ويزيد بالتالي من مدخول دول مجلس التعاون الخليجي المنتجة له.
وقال القويز "بعض الدول العربية المنتجة للبترول تشهد ثورات والنتائج المرضية لهذه الثورات ستؤدي ربما إلى إعادة الاتفاقيات بين شركات البترول وبين هذه الدول."
إن الثورات العربية يمكن أن تؤدي إلى تحويل الاقتصادات العربية أو بعضها على الأقل إلى اقتصادات قوية ولها تأثير في المنطقة, بمعنى اقتصادات تضاهي الاقتصادات الأوروبية، فهذا التوقع يحوي جانباً من الحقيقة أو الواقع، وذلك لأنه ما يمكن أن تتمخض عنه هذه التحركات والمطالبات الشعبية قد يصب مباشرة في خانة تنقية البيئة الاقتصادية ورفع معدل الإنتاجية وتحسين مستوى التنافسية التي تؤدي بدورها إلى تحسين مستوى الأداء الاقتصادي. ولعل أبرز ما يمكن أن تؤدي إليه ثورات الربيع العربي هو : القضاء أو على الأقل الحد من الفساد والهدر من خلال سيادة القانون والإتيان بحكومات شعبية تخضع للرقابة والمساءلة. كما أنها ستؤدي إلى إحداث نقلة نوعية في العملية التعليمية التي كانت تعاني من التخلف والجمود بسبب تسلط الأجهزة الأمنية، ما أدى إلى تردي نوعية التعليم ومخرجاته, وايضا لعل أهم ما يمكن أن تتمخض عنه الثورات العربية على المسار الاقتصادي, هو إعادة توزيع الثروة أو بالأحرى إعادة خلق الطبقة الوسطى التي تمثل أهم دعائم الاقتصاد الحديث لما تمثله من قوة إنتاجية وقوة استهلاكية لا غنى عنها. ومما لا شك فيه هو أن الحكومات التي ستتلو رحيل أنظمة الحكم الحالية في الدول العربية ستكون أكثر حرصاً على مصالح دولها وشعوبها، والتي تأتي المصالح الاقتصادية في مقدمتها، ما سيؤدي إلى تحسين الشروط التجارية لها التي سيكون لها تأثير كبير على أدائها الاقتصادي.
أما بالنسبة الى تحول الدول العربية إلى ديمقراطيات يسود فيها القانون ويتراجع فيها الفساد, سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد بشكل قد يفاجئ الكثير من المراقبين، لأن المتابع لحركة الاستثمارات العالمية يجد أن المنطقة العربية تعتبر من أقل المناطق جذباً للاستثمارات الأجنبية بالرغم من الإمكانات والموارد والكوادر الكبيرة التي تتمتع بها مقارنة بباقي دول العالم، فالموارد الأولية كبيرة والكوادر البشرية أكبر والأسواق واعدة، لكن وبالرغم من كل ذلك نجد أن الاستثمارات الأجنبية في المنطقة العربية ضعيفة والاستثمارات البينية أكثر ضعفاً، وذلك بسبب كما أسلفنا وانتشار الفساد وتدني الشفافية. وبعد تحول الدول العربية الى دول ديموقراطية, سوف يتحول ويتغير هذا الوضع تماما, وتتحول الدول العربية الى اقتصاديات قوية صاعدة, تماما مثل النموذج التركي في محاربة الفساد وجلب الاستثمارات الاجنبية.
www.nuqudy.com/نقودي.كوم