رغم مرور ما يقرب من 10 سنوات منذ أن تخليت عن وظيفة بدوام كامل في مجال التمويل، إلا أن الأسواق – وغرائب السوق – لاتزال تثير إعجابي، خاصة عندما ترسل إشارات تتعارض مع إجماع واسع النطاق بين المحللين والمستثمرين، وبالنظر إلى جميع خيبات الأمل في عام 2022، فإن التوقعات للعام الجديد متشائمة للغاية، وأعلنت الشركات الكبرى عن تسريح العمال، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تشهد دولة واحدة على الأقل من كل 3 دول ركودًا هذا العام.
ليس من الصعب العثور على أسباب هذا التشاؤم، إذ أدت المفاجآت التضخمية الكبيرة لعام 2022 إلى تشديد هائل وسريع للسياسات النقدية في معظم الاقتصادات الكبرى، وواصلت البنوك المركزية الرئيسية التحدث بحزم، ورغم تقليص مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لحجم زياداته في أسعار الفائدة من 75 نقطة أساس إلى 50 نقطة أساس في ديسمبر، فقد أوضح أنه من المرجح زيادة أسعار الفائدة – وأن خفض سعر الفائدة ليس مطروحًا لعام 2023، والأسوأ من ذلك، أن العديد من المشكلات الأخرى، مثل الحرب الروسية في أوكرانيا، تستمر في الغليان، مما يهدد سلاسل التوريد والأسواق والاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
في مرحلة ما من مسيرتي المهنية، تعرفت على تقويم قديم يقدم مجموعة لا نهائية من الاستدلالات حول الأداء السابق لأسواق الأسهم الأمريكية، إحدى العناصر الصلبة التي ظلت عالقة معي دائماً هي قاعدة الأيام الخمسة: إذا حقق مؤشر “ستاندرد آند بورز 500” ربحاً صافياً خلال أيام التداول الخمسة الأولى من السنة التقويمية، فإن أداء الأسهم سيكون جيداً خلال العام بشكل عام؟
وعندما طلبت من زملائي التحقق من ذلك في الفترة من 1950 إلى 2014، وجدوا أنه ينطبق على أكثر من 80% من الوقت.
حسنًا، في الأيام الخمسة الأولى من عام 2023، ارتفع السوق بما يزيد قليلاً على 1%، مما يعني أن هناك فرصة تزيد على 80% أن يكون أدائه إيجابيا في العام – على الأقل وفقًا لقاعدة الأيام الخمسة، ولكن قبل أن تتسرع في شراء الأسهم المفضلة لديك، دعني أضيف بعض التحذيرات الواضحة.
أولاً، يميل سوق الأسهم إلى الارتفاع أكثر مما ينخفض: فالسنوات التي يتراجع فيها لا تقترب من وتيرة السنوات التي يرتفع فيها، هذا ليس مفاجئًا بشكل خاص، بالنظر إلى الدور البارز الذي تلعبه أسواق الأسهم في التمويل.
ثانيًا ، قاعدة الأيام الخمسة ليست محكمة إذ إن هناك احتمال بنسبة 20٪ تقريبًا أن ينتهي السوق الصاعد بالانخفاض خلال العام. في نهاية المطاف، ستحدد الظروف الاقتصادية، وليست بعض الأساليب الاستدلالية، النتيجة.
بعد كل شيء، لماذا يجب أن تكون الأيام الخمسة الأولى حاسمة لأي شيء؟
من المفهوم أن العديد من المستثمرين الأفراد والمؤسسات يرغبون في الإشارة إلى الثقة لهذا العام، ولكن لا يوجد سبب اقتصادي أساسي يجعل هذه الفترة تنبؤية بشكل خاص.
ومع ذلك، فإن التطورات الأخيرة الأخرى تقدم بعض الأمل، فقد يغير المعلقون نبرتهم قريبًا، وقد يجعل ذلك المستثمرين أكثر انفتاحًا على تبني رواية جماعية مختلفة عن تلك التي كانت تؤثر على سلوكهم حتى الآن. أستطيع أن أرى ثلاثة أسباب وراء حدوث ذلك.
أولاً، رغم الحرب في أوكرانيا، انخفضت أسعار العديد من السلع الأساسية – بما في ذلك الغاز الطبيعي – بشكل كبير في النصف الثاني من عام 2022. وهذا لا يزيد فقط من احتمالية تخفيف الضغوط التضخمية، بل يعني أيضًا أن الدخل المتاح للشركات والمستهلكين ليس معرضًا للخطر كما كان يُفترض سابقًا. بنفس القدر من الأهمية، كانت العديد من المؤشرات عالية الأهمية في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023 أفضل مما كان متوقعًا، لاسيما في أوروبا.
ثانيًا، كانت مؤشرات التضخم الأخرى أيضاً أفضل مما كان متوقعًا على جانبي المحيط الأطلسي، بما في ذلك أحدث سلسلة لبيانات الأجور في الولايات المتحدة، بينما يصر بنك الاحتياطي الفيدرالي والعديد من البنوك المركزية الأخرى على أنهم سيظلون متشددون، أتذكر شيئًا ما قاله لي مرة مدير صندوق تحوط أمريكي ناجح مشهور: “الشيء الوحيد الذي يمكنك معرفته عن الاحتياطي الفيدرالي هو أنه سيغير رسالته عندما تظهر أدلة مختلفة”، وبالتالي، إذا استمرت صورة التضخم في التحسن بشكل أسرع مما يتوقعه مسئولو الاحتياطي الفيدرالي، فسوف يغيرون وجهة نظرهم.
أخيرًا، يجب ألا ينسى المرء الصين، التي تخلت فجأة عن سياسة صفر من كوفيد في ديسمبر، رغم الارتفاع الهائل في عدد الإصابات ومعدل الدخول للمستشفيات، فإن إنهاء عمليات الإغلاق يمهد الطريق لانتعاش دوري كبير في الاقتصاد الصيني – حتى مع جميع التحديات الهيكلية الأخرى التي يجب على السلطات الصينية مواجهتها، وتذكروا أنه كان هناك انتعاش مماثل بعد الإغلاق في العديد من البلدان الأخرى (حتى المملكة المتحدة، على الرغم من جميع مشاكلها الأخرى).
سيبحث المستثمرون عن المزيد من القرائن فيما سيحدث بعد ذلك، وإذا تمكنت الأسواق من البقاء ولو مرتفعة قليلاً حتى نهاية الشهر، فأعتقد أن آراء العديد من المراقبين ستتغير أيضًا، ثم سيحين الوقت للنظر فيما إذا كانت الأمور تتحسن حقًا – أو ما إذا كان من الأفضل تجاهل قاعدة الأيام الخمسة.
بقلم: جيم أونيل، الرئيس السابق “غولدمان ساكس”، ووزير المالية البريطاني السابق.
المصدر: موقع بروجكت سينديكيت”.