من راندي فابي وكانوبريا كابور
سولو (إندونيسيا) (رويترز) - خلال تبادل لإطلاق النار في مايو أيار 2011 قتلت قوات مكافحة الإرهاب الإندونيسية زعيم جماعة متشددة يعتقد أنها وراء سلسلة من محاولات التفجير الفاشلة في مدينة سولو بوسط جاوة.
أدى مقتل سيجيت كوردوي مؤسس جماعة "فريق الحسبة" إلى انقسام الجماعة إذ شكّل البعض فرقة للنهي عن المنكر بالمدينة بينما ارتبط كثير غيرهم ببحر النعيم الذي كان يقيم بالمدينة سابقا وتعتقد السلطات أنه منسق إندونيسي بارز لصالح تنظيم الدولة الإسلامية.
وتقول الشرطة وأشخاص يصفون أنفسهم بأنهم أصوليون وأشخاص يعملون مع المتشددين في سولو إن بحر النعيم الموجود حاليا في مدينة الرقة معقل الدولة الإسلامية في سوريا يبني الآن وبعد مرور خمس سنوات شبكة من المتشددين أكثر تعقيدا في سولو.
ويقول مسؤولو مكافحة الإرهاب إن سولو التي لها تاريخ طويل من ارتباط مدارس ومساجد فيها بإسلاميين أصوليين أرض خصبة أمام بحر النعيم لتجنيد متشددين وإن كثيرا من أعوانه كانوا أعضاء في جماعة فريق الحسبة.
وبسبب ذلك تخشى السلطات من تزايد خطر وقوع هجوم كبير في إندونيسيا.
وتم احتواء أنشطة المتشددين الإسلاميين في إندونيسيا -أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان - بعد حملة على الجماعة الإسلامية -فرع القاعدة في المنطقة- ألقت بمئات من قادتها وأعضائها وراء القضبان في أواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
لكن السلطات تقول إن الدولة الإسلامية مثل القاعدة من قبلها تحيي حركة إسلامية أصولية متشرذمة في إندونيسيا التي عانت من نماذج عديدة لتلك الحركة في القرن الماضي.
وقال مسؤولون في هيئة الرقابة على التحويلات المالية في إندونيسيا خلال مؤتمر دولي لمكافحة الإرهاب عقد في مدينة بالي في منتصف أغسطس آب إن ما يقرب من 800 ألف دولار حولت من دول أجنبية لتمويل جماعات إسلامية أصولية منذ 2014. لكن ليس واضحا كم من هذا المال جاء من بحر النعيم الذي تقول الشرطة إنه الآن المتشدد المطلوب رقم واحد في إندونيسيا.
كانت رويترز قد اتصلت بشخص عرف نفسه بأنه بحر النعيم في نوفمبر تشرين الثاني على تطبيق تلجرام مستخدمة تفاصيل قدمها أحد معارفه. وفي هذا الاتصال قال بحر النعيم إن الدولة الإسلامية لديها "ما يكفي من الرجال في إندونيسيا لتنفيذ عملية ولديها تأييد أكثر من كاف" وتنتظر التوقيت المناسب لتنفيذ عمليات. ولم تتمكن رويترز من التحقق من هوية الرجل على نحو مستقل أو من إدعاءاته.
* "حركة تزدهر"
بدأ أمير محمود وهو جهادي سابق تدرب في أفغانستان تأسيس منتدى أنصار الدولة الإسلامية في سولو (تعرف أيضا باسم سوراكارتا) في يوليو تموز 2014 "لرعاية تطور" حركة جهادية في إندونيسيا.
وقال إن نحو ألفي شخص حضروا أحد التجمعات الأولى للمنتدى في جامع بيت المكمور حيث أيد الكثيرون قيام خلافة إسلامية في الشرق الأوسط.
وقال محمود وهو أيضا محاضر بجامعة إسلامية "هذا نداء روحي عفوي."
وأضاف "الدولة الإسلامية... حركة تزدهر."
وقال محمود إن اثنين من أبنائه غادرا إندونيسيا للقتال في صفوف الدولة الإسلامية في الشرق الأوسط وإن أحدهما قتل. ولا تحظر إندونيسيا على مواطنيها تأييد جماعات مثل الدولة الإسلامية أو القتال معها في الخارج.
وتقول الشرطة إنها لا يمكن أن تلقي القبض على من يشتبه بأنهم إرهابيون إلا إذا ارتكبوا جريمة على الأراضي الإندونيسية.
وقال فريدي هاريس المدير العام بوزارة العدل لشؤون القوانين لرويترز "إذا كان هناك شخص يعلن تأييده لتنظيم الدولة الإسلامية يكون ذلك دليلا أوليا للشرطة للتحقيق في ما إذا كان مشاركا في جماعات أو أنشطة إرهابية."
وأضاف "إذا كان هناك دليل على ضلوعهم في ذلك وقتها نبدأ الإجراء" القانوني.
وقال محمود الذي لم يتهم في أي مؤامرة للمتشددين إن الاتصال ببحر النعيم عبر الانترنت ليس صعبا. وأضاف متحدثا في مطعم صغير بالقرب من قصر سلطان سولو "أنشأ بحر النعيم موقعا بخصوص التفجيرات على الإنترنت وبإمكان الناس الوصول إليه."
ومع ذلك يصعب الوصول إلى الموقع منذ قيام الحكومة بغلق المدونات والمواقع المرتبطة ببحر النعيم. وأقر مسؤولون أمنيون بأن بحر النعيم لا يزال يتصل بأتباعه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات التراسل.
وقال إيدي لوكيتو وهو زعيم جماعة للنهي عن المنكر تسمي نفسها جماعة المسلمين في سوراكارتا إنه على علم بواحد على الأقل من أتباع بحر النعيم في المدينة تلقى منه تحويلات بنكية منتظمة.
ويقول لوكيتو إنه لا يؤيد الدولة الإسلامية لكن يضيف "هذا الجيل الشاب لديه شغف غير عادي بالجهاد ويريدون أن يحملوا السلاح بسرعة."
* هجمات جاكارتا
قال معهد تحليل سياسات الصراع الذي يتخذ من جاكرتا مقرا له إن بحر النعيم- رغم أنه لم يكن عضوا في جماعة فريق الحسبة- كان حلقة الوصل بين الدولة الإسلامية وأعضاء الفريق عندما كان يدير مقهى للإنترنت في سولو.
واختفى بحر النعيم في يناير كانون الثاني 2015 بعد أن أمضى فترة سجن حكم عليه بها في 2011 لحيازته ذخيرة وتعتقد الشرطة أنه انتقل إلى سوريا.
وبرز بحر النعيم بعد نحو عام عندما قالت الشرطة إنه العقل المدبر لهجوم وقع في وسط جاكرتا قتل فيه ثمانية أشخاص بينهم المهاجمون الأربعة.
ومنذ ذلك الوقت تم الربط بينه وبين هجمات أخرى أحبطت بينها مؤامرة دبرها أحد أبناء سولو وهو جيجيه رحمة ديوا لإطلاق صاروخ على منطقة منتجع في مارين باي بسنغافورة باستخدام زورق من جزيرة باتام الإندونيسية المجاورة.
وقالت شرطة مكافحة الإرهاب إن عضوا آخر في فريق الحسبة يدعى نور الرحمن (31 عاما) فجر نفسه خارج مركز للشرطة في سولو في يوليو تموز في أحد الهجمات التي أعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عنها في العالم خلال شهر رمضان وكان من بينها هجوم قتل فيه أجانب بمقهى فاخر في داكا عاصمة بنجلادش قبل ذلك بأيام.
* ثقافة جاوة
وسولو التي تربض في مروج التلال البركانية في جاوة هي مركز للثقافة التقليدية في الجزيرة والتي تمزج بين عناصر من الهندوسية والبوذية والروحانية. والمدينة التي يسكنها 800 ألف نسمة مسقط رأس الرئيس جوكو ويدودو والأسرة الملكية في سولو.
وسولو منذ وقت طويل مركز أيضا للحركات الإسلامية الأصولية التي تستلهم أفكارها من الشرق الأوسط. وهي مسقط رأس أبو بكر باعشير الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية الذي يمضي عقوبة السجن 15 عاما لإدانته بالمساعدة في تمويل معسكر تدريب للمتشددين في إقليم أتشيه حيث يوجد تيار إسلامي قوي.
وتضم المدينة عشرات المدارس الإسلامية بينها مدرسة تابعة لباعشير.
وقال صلاح الدين وهو خبير بارز في شؤون المتطرفين الإسلاميين في إندونيسيا يعرف نفسه باسم واحد مثل كثير من الإندونيسيين "عدد أفراد الجماعات الأصولية في سولو كبير للغاية بالفعل ... تجنيد الناس في سولو أسهل منه في أماكن أخرى."
وقال مسؤولون أمنيون إن 12 جماعة شبابية أصولية أو نحو ذلك تنشط في المدينة بينها مجموعات على غرار هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية منها فريق الحسبة وجماعة المسلمين في سوراكارتا التي تداهم صالات القمار والمقاهي وبيوت البغاء.
وبرز هؤلاء بشدة بعد سقوط الرئيس الراحل سوهارتو في 1998. كان سوهارتو يقمع بلا هوادة أي بادرة معارضة لحكمه من جانب الجماعات الإسلامية المتشددة.
ويصر أجوس جنيدي الذي قاد جناح النهي عن المنكر في فريق الحسبة بعد وفاة سيجيت مؤسس الفريق في 2011 على أن الجماعة تشن فقط مداهمات لمواقع المنكرات. ومضى قائلا "لا شئ أكثر من ذلك."
واشتكى جنيدي الذي يدير متجرا صغيرا لبيع الأعشاب الطبية والمصاحف قائلا "في كل مرة يحدث اعتقال يتعلق بإرهابيين دائما ما يتم ربط هذا بالحسبة في سولو."
* نقص الخبرة
قال مسؤول كبير في مكافحة الإرهاب إن بحر النعيم يستخدم من يتصل بهم في سولو للبحث عن أشخاص يعتقد أن من السهل جذبهم للفكر الأصولي.
وأضاف "بعد أن يجري اتصال بينه وبينهم عبر الانترنت يعلمهم كيف يصنعون القنابل ويصدر لهم توجيهات تكتيكية عن كيفية تدبير الهجمات."
وقال محمود مؤسس منتدي مؤيدي الدولة الإسلامية إن أتباع بحر النعيم عاجزون عن شن هجوم كبير.
وأضاف "لا يمكنهم الحصول على مواد مثل التي استخدمت في قنبلة بالي" مشيرا إلى تفجيرات شاطئ كوتا في بالي في 2002 التي أودت بحياة 202 معظمهم من الأجانب.
وقال "كان من السهل الحصول عليها في الماضي لكن جرى التضييق على ذلك."
ويمكن أن يتغير ذلك. ففي الأسبوع الماضي ألقت قوات مكافحة الإرهاب القبض على متشدد مشتبه به هناك زعم بأن له صلات ببحر النعيم.
وتقول السلطات إن المشتبه به كان يخطط لهجوم في بالي بنفس النوع من المتفجرات الذي استخدم في هجمات الدولة الإسلامية في باريس في نوفمبر تشرين الثاني وبروكسل في مارس آذار.
وصادرت الشرطة في المداهمة 150 جراما من مادة (تي.إيه.تي.بي) المتفجرة التي تسمى في دوائر المتشددين "أم الشيطان".
وقال المسؤول الكبير في مكافحة الإرهاب عندما سئل عن الخطر الذي تمثله شبكة بحر النعيم "ربما يبدون كهواة الآن... لكن النمط الذي يبدو أنهم يتحركون عليه وينظمون أنفسهم به يعني أنها مسألة وقت قبل أن يكون بوسعهم تنفيذ هجوم خطير."
(إعداد محمد عبد اللاه للنشرة العربية - تحرير مصطفى صالح)