من داشا ايفانسييفا
قيصرية(تركيا) (رويترز) - تخلى ياسين (55 عاما) مثل غيره من الناخبين المحافظين في قلب منطقة الأناضول عن حزب العدالة والتنمية في انتخابات يونيو حزيران خشية أن يكون موقف الحزب من المقاتلين الأكراد قد أصبح أقل تشددا بعد سنوات من محادثات السلام.
لكن الحزب استعاد ثقة ياسين عبر تجديد حملته العسكرية على المقاتلين في حزب العمال الكردستاني وها هو ينوي التصويت مجددا لصالح حزب العدالة والتنمية في انتخابات الأول من نوفمبر تشرين الثاني.
ووصف ياسين مقاتلي حزب العمال الكردستاني الذي قاد حركة تمرد على الحكومة التركية استمرت ثلاثة عقود للحصول على قدر أكبر من الحكم الذاتي للأكراد بأنهم أناس "إن منحتهم إصبعك فإنهم يطلبون ذراعك" مضيفا "لكن اليوم نحن سعداء بموقف الحكومة."
ولم يتضح بعد إن كان حزب العدالة والتنمية سيتمكن من جذب ما يكفي من أصوات الناخبين القوميين لاستعادة حكم الحزب الواحد الذي خسره في انتخابات يونيو حزيران في أكبر انتكاسة له منذ صعوده إلى السلطة عام 2002.
وعلى الرغم من ان الحملة العسكرية على الأكراد قد هدأت مخاوف البعض غير أن حزب العدالة والتنمية ما زال يواجه شعورا بالاستياء من تباطؤ الاقتصاد والنهج الاستبدادي المتزايد للرئيس رجب طيب إردوغان والاعتقاد بوجود فساد حتى في أحد معاقله التقليدية مثل قيصرية.
وفي الوقت الذي ركزت فيه التغطية الإعلامية على أداء حزب "الشعوب الديمقراطي" الموالي للأكراد الذي تخطى التوقعات واجتاز بسهولة نسبة العشرة في المئة التي يحتاجها لدخول البرلمان للمرة الأولى الا أن استطلاعات الرأي قالت إن الكثير من الضرر الذي تعرض له حزب العدالة والتنمية كان بسبب حزب الحركة القومية الذي حصل على 16 في المئة من الأصوات في أقوى أداء له منذ سنوات.
وفي قيصرية مسقط رأس الرئيس التركي السابق وأحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية عبد الله جول انخفضت نسبة تمثيل الحزب من سبعة مقاعد إلى خمسة. ويعزو تانر يلدز وزير الطاقة السابق والمرشح الحالي عن الحزب الانتكاسة إلى "الفشل في التواصل" مع القاعدة الشعبية بشأن عملية السلام مع الأكراد.
وقال يلدز لرويترز بعد لقاء ناخبيه في قيصرية "في الانتخابات السابقة في يونيو حزيران كان العنوان الرئيسي هو نزع السلاح. وهذا لم يحدث. لهذا اعتقد المواطنون اننا نقدم نوعا من التنازل." وأضاف "اليوم انتقلنا من اقتراح نزع السلاح إلى نزعه إجباريا."
غارات جوية
وبدأت تركيا شن غارات على معسكرات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق في 24 يوليو تموز وفق ما أسماه رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو بأنه "قتال متزامن ضد الارهاب" بعد عامين من وقف إطلاق النار.
ويبدو أن الحملة العسكرية تنجح في اجتذاب الأصوات.
وقال أوزير سنقر رئيس شركة "متروبول" لاستطلاعات الرأي إن حزب العدالة والتنمية يستعيد الناخبين الذين اتجهوا إلى حزب الحركة القومية وزاد حصته من الأصوات من 40.3 في المئة إلى 43 في المئة.
وتنبأت متروبول بأن يحافظ حزب الشعوب الديمقراطي على نسبة العشرة في المئة التي يحتاجها لدخول البرلمان مما يعني أنّه في حال أراد حزب العدالة والتنمية الحصول على المزيد من الأصوات فيجب أن ينتزعها من حصة حزب الحركة القومية.
غير أنّ المؤشرات تظهر حتى الآن أن الحزب الحاكم لن يتمكن من الفوز بالأغلبية المطلقة في البرلمان.
وعلى صعيد الاقتصاد ربما لم تستفد أي منطقة في تركيا خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية مثل المدن الصناعية ومن بينها قيصرية والتي يطلق عليها اسم "نمور الأناضول" بفضل سنوات من النمو المزدهر الذي دعمته الحوافز الحكومية والقروض منخفضة الفوائد.
غير أن الخلافات مع إردوغان ألقت بظلالها على التوقعات المستقبلية لبعض الشركات الصناعية التي تتخذ من قيصرية مقرا لها.
وفي الشهر الماضي اعتقلت الشرطة أربعة رجال أعمال من قيصرية بينهم رئيس شركة (بويداج هولدنج) التي توظف 14 ألف شخص في إطار التحقيقات في "دولة موازية" يقول إردوغان انها تتغلغل في القضاء والشرطة.
ويعتقد أن رجال الأعمال هم من أتباع الداعية الإسلامي فتح الله جولن الذي تحول الى خصم لإردوغان بعد أن كان حليفا له.
ويتهم إردوغان مؤيدي جولن في الجهاز القضائي بفتح تحقيقات فساد ضد عائلته ورجال أعمال وسياسيين بارزين سعيا للفوز بالسلطة.
غير أن الحملة ضد جولن الذي يعيش في المنفى بالولايات المتحدة دفع بعض الناخبين المتدينين ممن يجلّون جولن إلى الاستياء من إردوغان.
وقالت جلنار (21 عاما) التي ترتدي غطاء حريريا محكما للرأس إن الخلاف مع حركة جولن فضلا عن عملية السلام مع الأكراد كلها أسباب أدت إلى نفور الناخبين في قيصرية. لكنها أشارت إلى أن الخوف من البدائل قد يدفع السكان المحليين إلى أحضان حزب العدالة والتنمية من جديد يوم الأحد.
وأضافت "في المرة السابقة أراد الناخبون في قيصرية أن يوجّهوا صرخة تحذير ولهذا لم يصوتوا. لكن اليوم وسط عدم وجود ائتلاف ولا حكومة سنصوّت لهم من جديد."
كما اشتكى الناخبون في قيصرية من فساد الحزب الحاكم إلى حد كبير وعدم وفائه بتعهداته.
واستبعد نور الدين كارا أوغلو (50 عاما) الاعتقاد السائد بأن عملية السلام مع الأكراد هي التي كلفت الحزب أغلبيته البرلمانية في انتخابات يونيو حزيران.
وقال "أصبحوا أثرياء جدا.. لقد نهبوا الكثير."
غير أن كارا أوغلو قال إنه لا يرى بديلا لحزب العدالة والتنمية مضيفا "أفضل لص هو من نعرفه. حزب العدالة والتنمية هو أفضل السيئين."