من إركان جورسيس وأورهان جوشكون
أنقرة (رويترز) - قال مسؤولون كبار في تركيا إن تعديلات دستورية في مخيلة حزب العدالة والتنمية الحاكم قد تمنح الرئيس رجب طيب إردوغان سلطات جديدة تمكنه من سن تشريعات بشكل مباشر واختيار وزراء وهي خطوات يخشى معارضوه أن ترسخ حكما شموليا.
وانهارت الشهر الماضي لجنة من عدة أحزاب مكلفة بصياغة دستور جديد بعد انسحاب المعارضة الرئيسية احتجاجا على مساعي حزب العدالة والتنمية -الذي أسسه إردوغان منذ أكثر من عشر سنوات- للانتقال بتركيا من نظام الحكم البرلماني إلى حكم رئاسي.
كان إردوغان قد فاز في أغسطس آب 2014 بأول انتخابات رئاسية تجرى بالتصويت الشعبي المباشر ولم يخف سرا مطامحه في إضفاء مزيد من السلطات على منصب الرئيس وهو منصب شرفي إلى حد كبير. وكان البرلمان هو من ينتخب رؤساء الدولة من قبل.
والجدال الدائر حول الدستور يحمل معاني ضمنية عميقة بالنسبة لتركيا عضو حلف شمال الأطلسي التي يقطنها 79 مليون نسمة وتطمح للانضمام للاتحاد الأوروبي. وقد تغير النتيجة طريقة الحكم في البلاد وتعيد تعريف قضايا عديدة ابتداء بمسألة المواطنة التركية وانتهاء بحماية الحريات الدينية.
ويقول أنصار إردوغان إن وجود رئاسة تنفيذية أمر ضروري لتوافر القيادة القوية التي تحتاجها تركيا للاضطلاع بدور أكبر على الساحة العالمية ويرفضون فكرة أن الأمر يتعلق بمطامح شخصية لرجل واحد.
أما معارضوه فيرون أن ذلك سيلقي بسلطة ضخمة جدا بين يدي زعيم شدد قبضته على الإعلام والقضاء والشرطة في السنوات الأخيرة. وهم يخشون أن تبعد جذور إردوغان الإسلامية المحافظة تركيا أكثر عن المعايير الغربية المتعلقة بحرية التعبير.
ودعا إردوغان البرلمان لطرح المسألة في استفتاء عام ظنا منه أن الأتراك سيقبلون ميثاقا جديدا وسلطات أقوى لرئيس الدولة. ووسط استياء المعارضة.. يُعد حزب العدالة والتنمية مقترحاته.
وقال مصطفى سن مستشار رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو "إذا ثبت أن اللجنة الدستورية لا يمكنها العمل سيبدأ حزب العدالة والتنمية في وضع دستور يتضمن النظام الرئاسي وسيستكمله بسرعة."
وأضاف قائلا لرويترز إنه يمكن التوصل لقرار قبل حلول الصيف متابعا "نحن لا نكتب رواية من عشرة أجزاء. إنه نص يجب ألا يتجاوز 60 أو 70 مادة."
وصرح عدد من كبار مسؤولي الحزب الحاكم بأن مقترحات الحزب -التي ستحتاج تأييد 14 عضوا معارضا بالبرلمان لطرحها في استفتاء عام- تخضع للنقاش بالفعل.
وقال المسؤولون القريبون من المناقشات إن الاقتراحات ستسمح للرئيس بحل البرلمان. وأضافوا أن مثل هذه الخطوة ستنهي أيضا فترة ولاية الرئيس وستعجل بانتخابات برلمانية ورئاسية لضمان الكوابح والتوازنات.
وقال مسؤولان كبيران في العدالة والتنمية يشاركان في النقاش حول المقترحات إن الرئيس سيمكنه إصدار مراسيم لسن تشريع دون مشاورة البرلمان.
وأضاف أحدهما "الرئيس في مقترحاتنا سيكون أقوى مما هو عليه في ظل النظام الأمريكي."
وسيعين رئيس الدولة أيضا مجلس الوزراء وشخصيات كبرى مثل السفراء وبعض أعضاء هيئة القضاء.
* "أمناء لا وزراء"
هناك تأييد واسع بين الأحزاب لمساعي حزب العدالة والتنمية لتعديل الدستور الذي يرجع لعهد الانقلابات العسكرية والذي خضع للتعديل أكثر من مرة. لكن هناك خلافات كبيرة حول ما ينبغي أن يكون عليه أي ميثاق جديد.
فأحزاب المعارضة تريده أن يركز أساسا على حماية حقوق الأقليات والحريات الديمقراطية.
وقال عمر سوها ألدان عضو البرلمان عن حزب الشعب الجمهوري وهو حزب المعارضة الرئيسي "النظام الحالي يشبه جدا بالفعل نظاما شبه رئاسي... حتى وإن كانت هناك أوجه قصور.. يجب ألا نضحي بنظام برلماني عمره 200 عام من أجل مطامح شخص واحد."
وأضاف "الرئيس سيعين (الوزراء) وسيخلعهم. لن يكونوا وزراء بل أمناء."
وكان إردوغان الذي تولى رئاسة الوزراء لأكثر من عشر سنوات يأمل في إصلاح دستوري سريع بعد انتخابه رئيسا للدولة يكفل تعزيز سلطاته. لكن هذه الآمال تعثرت لأسباب منها مخاوف المعارضة من حكم شمولي زاحف.
ومما غذى هذه المخاوف رفع أكثر من 1800 قضية أمام المحاكم على أفراد اتهموا بإهانة إردوغان منذ أصبح رئيسا. وشملت هذه الاتهامات قطاعا عريضا ضم طلابا وصحفيين وأكاديميين ومواطنة تحمل لقب ملكة جمال تركيا.
ومما يثير قلقا دوليا أيضا تلك المحاكمة الوشيكة لصحفيين بارزين بتهم تتصل بالإرهاب بعد أن نشرت صحيفتهما المعارضة (جمهوريت) تسجيلا مصورا لأشخاص قالت إنهم مسؤولون بالمخابرات يشحنون أسلحة إلى سوريا.
* انتخابات أخرى؟
إردوغان نفسه يؤكد أن المقترحات لا علاقة لها بمطامح شخصية وإنما بتغيير نظام يقول إنه عفا عليه الدهر ولا يمكن استمراره حيث يجري انتخاب رئيس الوزراء والرئيس كليهما بالتصويت الشعبي المباشر.
وقال مصدر بالرئاسة "وجود رئيس وزراء قوي ورئيس منتخب من قبل الشعب انتخابا مباشرا يمكن أن يمهد لأزمة. الهدف من النظام الرئاسي هو ضبط ذلك العيب."
وأضاف أنه لا توجد أزمة حاليا لسبب بسيط هو أن إردوغان وداود أوغلو يتشاركان نفس الرؤية السياسية وهو ما قد لا يكون عليه الحال بين رؤساء الدولة ورؤساء وزرائها في المستقبل.
ويعتقد عدد من مسؤولي حزب العدالة والتنمية أن الحزب قد يوافق سريعا على مسودة مقترحات لعرضها على البرلمان وهم على يقين بالفوز بعدد كاف من الأصوات يتيح إجراء استفتاء في الخريف أو في أوائل العام المقبل.
وتوقعت بعض الصحف التركية الدعوة لانتخابات برلمانية جديدة حتى يتمكن حزب العدالة والتنمية من السعي لتعزيز أغلبيته البرلمانية من أجل تمرير المقترحات بسهولة.
ومن شأن إجراء انتخابات جديدة أن يزعزع الاستقرار في تركيا التي شهدت أربعة انتخابات في العامين الأخيرين في دورة استقطبت الناخبين وأبطأت تقدم الإصلاحات.
(إعداد أمل أبو السعود للنشرة العربية - تحرير أميرة فهمي)