اسطنبول (رويترز) - تعكف السلطات في اسطنبول على وضع خطط لإخلاء الشوارع من المتسولين السوريين ونقلهم الى مخيمات على غرار تلك الموجودة على الحدود في الوقت الذي تستضيف فيه اكثر من مليون لاجىء وهو ما يشكل عبئا عليها.
وازداد وجود المتسولين في اسطنبول ومنهم الكثير من السوريين الذين فروا من الحرب التي تشهدها بلادهم منذ اكثر من ثلاثة أعوام وبينهم نساء واطفال صغار يمدون أيديهم حاملين جوازات سفرهم وينقرون على نوافذ السيارات وسط الزحام المروري.
وهم يمثلون قطاعا صغيرا جدا من السوريين الذين لجأوا الى تركيا ويعيش بعضهم في مخيمات مجهزة جيدا على الحدود بينما يقيم آخرون مع أصدقاء او أقارب أو في منازل مستأجرة متواضعة في مدن بالجنوب الشرقي وأنقرة واسطنبول.
لكن أعدادا متزايدة من السوريين على ما يبدو يعيشون في منازل متهالكة او ينامون في المتنزهات ويجنون قوت يومهم من خلال التسول في اسطنبول وهو ما يثير قلق السكان المحليين وغيرهم من السوريين الذين يحاولون الاندماج في المجتمع التركي.
وقال حسين عوني موتلو حاكم المدينة لرويترز "حذرناهم باستمرار وطلبنا منهم الا يتسولوا. لكنهم مصرون. اذا لم يتركوا التسول فإننا سنتخذ قرارا إداريا وننقلهم الى مخيم."
وأضاف "سكان اسطنبول طلبوا هذا. نتلقى شكاوى" مشيرا الى أن السوريين ايضا غير راضين عن الوضع الذي يقولون إنه يكسب ابناء بلدهم سمعة سلبية في أعين الأتراك.
وقال موتلو إن البعض تقدموا بالفعل للذهاب الى المخيمات ليتركوا المباني المهجورة التي يعيشون فيها والتي لا تكون فيها عادة كهرباء او مياه جارية. ولم يقتنع آخرون بعد واذا اقتضت الضرورة فإنه سيتم نقلهم قسرا.
وقال موتلو "نساعدهم دائما اذا كانوا يريدون الذهاب. نسدد المصروفات ونستأجر عربات ونرسلهم ونقدم لهم كل الدعم الذي يحتاجونه." وهو يقدر أن هناك بضع مئات من جملة 67 الف سوري في اسطنبول يتسولون.
وأنفقت تركيا مليارات الدولارات على إيواء اللاجئين وانتهجت سياسة "الحدود المفتوحة" خلال الصراع في جارتها الجنوبية. لكن على غرار كثيرين في المجتمع الدولي فإنها راهنت على سقوط الرئيس السوري بشار الأسد سريعا في المراحل الأولى من الحرب ولم تتوقع تفجر أزمة إنسانية بهذا الحجم.
ووفرت الحكومة وجماعات المجتمع المدني للكثير من السوريين التعليم والرعاية الصحية وغضت الطرف عن حصولهم على وظائف دون الحصول على التراخيص اللازمة لكن هناك مخاوف متزايدة بشأن اندماجهم في المجتمع على الأجل الطويل.
وخرجت احتجاجات متفرقة في الجنوب الشرقي ضد اللاجئين الذين يقبلون العمل برواتب أقل من الأتراك وتسبب وجودهم في ارتفاع أسعار السكن والأغذية.
وبعد وصولها منذ 20 يوما قادمة من مدينة حمص السورية التي سيطرت عليها القوات الحكومية بعد حصارها لمدة عام أصبحت أسرة التركماني عبدال (36 عاما) بين عدة أسر تعيش في منزل متهالك من طابقين في احدى ضواحي اسطنبول.
وتتدلى الأبسطة القديمة من أماكن الأبواب والنوافذ. وطلب منهم الرحيل لأن المنطقة تستعد لمشروع كبير لتطويرها. ومن المفارقات ان الحي الذي يقيمون به بحالة سيئة الى حد أنه استخدم مؤخرا لتصوير فيلم عن حرب سوريا.
قدم لهم الجيران الطعام والمياه النظيفة لكنهم يقولون في احاديث خاصة إنهم يطلبون الشرطة احيانا للشكوى من الضوضاء وعدم الاهتمام بالنظافة.
وقالت شابة تسكن الى جوار منزل عائلة عبدال طلبت عدم نشر اسمها "لا أريد المزيد من السوريين في تركيا. هناك دول أخرى. لماذا يأتون الى هنا؟"
وأضافت "إنهم يزعجوننا. أريدهم أن يرحلوا. المكان قذر ونحن نمرض بسببهم."
لكن من وجدوا وظائف وسكنا في اسطنبول وهم الأغلبية العظمى فيشعرون بالامتنان لكرم الضيافة التركي.
في منطقة الفاتح وهي القلب التاريخي للمدينة يعمل سوريون في الكثير من المطاعم الاناضولية. في أحد هذه المطاعم يعمل اكثر من نصفهم بدون تصاريح عمل.
وقال بلال الذي ترك دمشق قبل اكثر من 18 شهرا وذهب في البداية الى مصر ثم الاردن ولبنان "في الدول العربية كان الناس يقولون لنا عودوا الى سوريا. في اسطنبول لا أحد يزعجنا في الشارع ويحاولون مساعدتنا."
وقال إن السلطات وعدت بمنحه تصريحا بالإقامة بعد وصوله الى اسطنبول بشهر فقط.
وأقامت تركيا "مخيمات جديدة" يطلق عليها رسميا اسم "مراكز حماية مؤقتة" لأنها لا تعتبر السوريين لاجئين وذلك في أقاليمها الحدودية الجنوبية لمواجهة الطلب الإضافي وفي بعض الحالات يكون بها سوبر ماركت ومدارس ودور للعرض السينمائي.
ولكن مع امتلائها يشكو السوريون من أن طلبات انضمامهم لها تقابل بالرفض وتفضل أسر كثيرة مثل أسرة عبدال الحصول على فرصة لكسب المال وإعالة أنفسهم في المدن التركية الكبيرة.
وانهارت خطة مركزية لتسجيل اغلبية سكان المدن من اللاجئين السوريين في تركيا وهو ما يدع المسؤولين دون تصور دقيق بشأن من هم الموجودون في البلاد وما هي احتياجاتهم ويعرض اللاجئين لخطر الاستغلال ويجبرهم على الاعتماد على حسن نوايا مضيفيهم.
(إعداد دينا عادل للنشرة العربية- تحرير محمد هميمي)