من أليساندرا جالوني
تخيل كيف يكون الحال عندما يطيح بك انفجار هائل فتجد نفسك ملقى على الأرض وتتفادى سقوط خزانة الملابس عليك في بيتك وتكتشف إصابتك بجرح قطعي في الجبهة من جراء الزجاج المتطاير. ثم تمسح الدماء التي تسيل من الجرح وتبدأ تصوير الحدث.
هذا هو ما حدث لآيات بسمة منتج أول تلفزيون رويترز في لبنان والتي زودت العالم ببعض من أوائل اللقطات عن الأضرار التي تسبب فيها اشتعال النار في 2750 طنا من نترات الأمونيا المخزنة في مرفأ بيروت ما أدى إلى انفجار هائل أسفر عن مقتل 150 شخصا على الأقل ودمر قطاعا كبيرا من المدينة.
قالت آيات "كنت راقدة على الأرض وكل ما كنت أسمعه هو صفارات الإنذار في السيارات. قلت لنفسي ‘لا أريد أن أموت‘". كانت آيات قد أخذت يوم الثلاثاء إجازة من العمل.
وأضافت "ثم انطلقت شحنة الأدرينالين"."
سارعت آيات وفي رأسها جرح ينزف وشعرها مبتل بالدماء إلى ارتداء ملابسها وخرجت إلى الشارع وبدأت التصوير بالكاميرا الوحيدة التي كانت بحوزتها .. هاتفها المحمول..
من حولها كان الناس يتحركون مذهولين فوق الزجاج المكسور والركام والدماء تنزف من جروحهم. وكان البعض يحملون أقارب جرحى ويتوسلون لسائقي السيارات القريبة أن ينقلوهم إلى المستشفى..
وفي المبنى المجاور للبناية التي تسكن فيها آيات أطاح الانفجار بالسقف. ووصف من رفعوا أعينهم لأعلى مشهد كرة نارية على بعد حولت السماء إلى سحابة باللونين الأبيض والبرتقالي على شكل نبات الفطر..
قالت آيات "سقط كل شيء وكان الجيران يصرخون والأطفال يبكون. وكل ما كنت تسمعه صوت السيارات وهي تسير على الزجاج المكسور.".
لكني ظللت أقول لنفسي "صوري وارسلي. صوري وارسلي"."
لأننا صحفيون فعملنا في العادة هو التوثيق والمراقبة من خلال العدسة أو من وراء اللابتوب. غير أن زملاءنا في مكتب رويترز في بيروت، المقر الإقليمي، وجدوا أنفسهم فجأة في قلب الحدث في الوقت الذي كانوا يسارعون فيه لتغطيته.
أمضى بعضهم عدة ساعات في الشوارع بينما كانت أسرهم في البيت جرحى وفي حالة صدمة.
كانت يارا أبي نادر منتج التلفزيون تقود سيارتها عندما وقع الانفجار. وكانت قد فتحت زجاج نافذة السيارة لتستنشق هواء المساء وساعد ذلك في تفادي إصابة وجهها بالزجاج المهشم .
أصابت قطعة من الزجاج جبهتها لكنها شرعت على الفور في تصوير مقاطع الفيديو بهاتفها المحمول لإرسالها إلى زملائها.
وقالت يارا "كان كل تركيزي في إرسال ما صورته من لقطات. كان ذلك شكلا من أشكال إنكار ما حدث. ولم أرغب فعلا في النظر إلى وجهي"."
أما المصور الصحفي محمد عزاقير فقد اعتقد أن زلزالا وقع عندما شعر في البداية بالأرض تهتز من تحته. وعندما وصل إلى منطقة المرفأ كانت الجثث ملقاة في كل مكان. شاهد رجلا محشورا عند الصدر تحت سيارة وقد غطته الأتربة والدماء. اعتقد عزاقير أن الرجل ميت لكنه فتح عينيه ولوح بذراعيه عندما اقترب منه المصور..
استدعى عزاقير بعض رجال الإنقاذ وساعدهم في تحريك السيارة لتحرير الرجل..
شاهد الصور التي التقطها عزاقير لهذه الواقعة عبر الرابط:
https://reut.rs/2EZUrzL
* سوي بالأرض
حتى قبل انفجار الثلاثاء كان وسط بيروت الذي اشتهر بمشاهده البديعة قد تعرض لقدر من الدمار بفعل شهور من الاحتجاجات والركود الاقتصادي. وجاء الانفجار ليوجه الضربة الأخيرة فحطم واجهات المتاجر التي ظلت لفترة طويلة خلف المتاريس.
وتعرض مكتب رويترز في وسط بيروت أيضا للدمار. اختبأت المراسلة إلن فرانسيس تحت مكتبها عندما تساقطت قطع من السقف على الأرض وتطايرت قطع الزجاج لتخترق أجهزة الكمبيوتر.
وأخرجت إلن هاتفها لكي تطلب من زملائها إرسال خبر مستعجل. وتقول إلن "حاولت إرسال الرسالة ’انفجار كبير’ و’رجاء إرسال مستعجل جدا’. لكن الحروف خرجت مضطربة لأنني كنت أرتعش بشدة.".
وقال توم بيري رئيس المكتب الذي سعى للاختباء تحت المكتب أيضا "هل أنت بخير؟" وحاول تنبيه المحررين والاتصال بزوجته وابنه للاطمئنان عليهما. وقال "لابد أن نخرج من هنا."
وخارج المكتب لاحظ بيري وإلن إمرأة تجري نحوهما بذراعين مفتوحين والدم يتدفق على وجهها. كانت المنتجة يارا تحاول الوصول إلى المكتب
وقالت إلن لها "ما في مكتب!". وقادهما بيري إلى شقته حيث عمل الجميع طوال الليل وسط الركام والجدران المهشمة.
كانت سامية نخول رئيسة تحرير منطقة الشرق الأوسط في رويترز قد غطت الحرب الأهلية اللبنانية واجتياح العراق الذي أصيبت فيه إصابة بالغة وكذلك انتفاضات الربيع العربي..
وعندما وقع الانفجار كانت سامية في السيارة مع ابنها وابنتها وهما في سن المراهقة..
وبما اكتسبته من خبرة من التغطية الصحفية خلال سنين الحرب طلبت سامية من الاثنين الانبطاح في أرضية السيارة ثم غادروها وهرولوا للاختباء .
وقالت سامية "طول حياتي لن أنسى أبدا مشهد الصدمة والرعب في عيون أولادي والخوف الذي استحوذ علي من رؤيتهما يتألمان. هذه المأساة أيقظت ذكريات أمضيت حياتي وأنا أحاول نسيانها."
وركض الثلاثة عائدين إلى البيت. كان أول ما فعلته سامية عندما دخلت البيت هو فتح جهاز اللابتوب.