من جون ديفيسون
بغداد (رويترز) - يشاهد النشطاء العراقيون، الذين تظاهروا قبل ثلاث سنوات ضد الأحزاب والفصائل المسلحة القوية التي تدير البلاد، باستياء هذه الجماعات نفسها وهي تستخدم حاليا احتجاجات الشوارع للضغط على بعضها البعض سياسيا دون أن تتعرض لأي عقاب.
يقول النشطاء إن هذه الاحتجاجات بمثابة استهزاء بمظاهرات 2019 التي دعت إلى إسقاط طبقة سياسية أدى فسادها وسوء إدارتها إلى إبقاء العراق عاجزا عن ممارسة دوره على الرغم من ثروته النفطية الهائلة والسلام النسبي الذي شهده في السنوات الأخيرة.
وأدى الجمود السياسي الذي وضع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر في مواجهة منافسيه من الشيعة، ومعظمهم من الجماعات المتحالفة مع إيران، إلى إبقاء البلاد بدون حكومة لما يقرب من عشرة أشهر بينما يتنافس الجانبان على السلطة.
وشاهد علي سعد، وهو ناشط سابق، مظاهرة يوم الإثنين أسقط فيها متظاهرون مرتبطون بفصائل مسلحة موالية لإيران حواجز خرسانية ورشقوا قوات الأمن بالحجارة دون مقاومة كبيرة من الشرطة.
وأشار إلى أنه خلال احتجاجات 2019، قُتل مئات المتظاهرين برصاص قوات الأمن وعناصر الفصائل المسلحة من نفس الجماعات التي نزلت إلى الشوارع هذا الأسبوع.
وقال سعد إن تركهم يتقاتلون فيما بينهم سيجعل الناس يشاهدون بعض الإثارة، موضحا أنه تخلى عن العصيان منذ سنوات بعد أن قتلوا كثيرا من أصدقائه.
واقتحم آلاف من أتباع الصدر المنطقة الخضراء في بغداد مطلع الأسبوع واستولوا على مبنى البرلمان لمنع معارضيه، ومعظمهم من الأحزاب المتحالفة مع إيران، من تشكيل حكومة.
ثم نظم منافسو الصدر احتجاجا مضادا يوم الاثنين خارج المنطقة الخضراء ووصفوا تحركاته بأنها انقلاب وطالبوا أنصاره بمغادرة البرلمان.
وتدعم قوات أمنية مدججة بسلاح كثيف كل جانب مما يجعل الاحتجاجات المضادة أمرا خطيرا بالنسبة للعراق ويهدد بجره إلى مزيد من العنف.
ولم يرد المسؤولون الحكوميون والمتحدثون باسم الأحزاب المتظاهرة على الفور على طلبات للتعليق على هذا الأمر. وقد نفوا في السابق أي تورط لهم في الفساد وسوء الإدارة واتهموا بعضهم البعض بذلك سرا.
وتبدو احتجاجات كل معسكر متطابقة تقريبا.
وخرج المتظاهرون في مسيرة خارج المباني الحكومية وكانوا حريصين على رفع الأعلام العراقية الوطنية أو الأعلام الدينية الشيعية فقط. ورددوا هتافات ضد الفساد وقالوا إنهم يمثلون البلاد وشعبها.
ويُزود المتظاهرون بما يكفيهم من المياه مع ارتفاع درجات الحرارة في بغداد خلال الصيف كما تتوفر وسائل نقل لأنصارهم الذين يسافرون من جنوب العراق ذي الأغلبية الشيعية.
وقال سعد إن كل مجموعة تدعي أنها ضد الفساد وتمثل كل العراقيين واصفا إياهم باللصوص.
*الاستيلاء على السلطة بالقوة
أدار التيار الصدري بعضا من أسوأ الإدارات الحكومية في العراق لفترات طويلة.
ويواجه خصومه المدعومون من إيران، ومن بينهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي الذي ساعد في إثارة مظاهرة يوم الاثنين المضادة، اتهامات على نطاق واسع بالفساد والمحسوبية اللذين أوقعا العراق في حالة من الفوضى مع سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية على ثلث البلاد في عام 2014.
وينفي الزعماء الشيعة الرئيسيون في العراق، الذين يتقاسمون السلطة مع أحزاب سُنية وكردية كبيرة لكنها أقل نفوذا، أنهم أساءوا إدارة مؤسسات الدولة أو اختلسوا أموالا.
وهزمت القوات العراقية والتحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة تنظيم الدولة الإسلامية في 2017. وبعد ذلك بعامين، اندلعت احتجاجات ضد الطبقة السياسية متهمة إياها بمواصلة تبديد الثروة النفطية الهائلة للبلاد والفشل في تحسين حياة المواطنين أو إتاحة وظائف أو توفير ما يكفي من الماء والكهرباء.
وأطلقت قوات الأمن والجماعات المسلحة، التي يُقال إنها مرتبطة بأحزاب في السلطة، النار على نحو 600 متظاهر في احتجاجات 2019.
وانضم أنصار الصدر إلى تلك الاحتجاجات وازداد عددهم لكنهم انقلبوا على المتظاهرين المطالبين بتحقيق الديمقراطية بأوامر من الصدر وانتهت الاحتجاجات.
ويقول الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات إن الجماعات المتحالفة مع إيران قتلتهم وخانهم الصدر. ويواصل الجانبان ممارسة السلطة عبر إدارة الوزارات الحكومية.
وقال الناشط أحمد ماجد، الذي شارك في احتجاجات 2019، إن الصدر قرر أنه سيحاول الاستيلاء على مزيد من السلطة بالقوة من خلال إثارة الاضطرابات.
وبرز الصدر باعتباره الفائز الأكبر في انتخابات أكتوبر تشرين الأول لكنه سحب نوابه من البرلمان بعد أن فشل في تشكيل حكومة من اختياره.
(إعداد نهى زكريا للنشرة العربية - تحرير محمد محمدين)