من دان وليامز
القدس (رويترز) - وجدت المحكمة العليا في إسرائيل، التي لطالما نالت الإشادة باعتبارها حاملة لواء الدفاع عن الحقوق الأساسية أو تعرضت للازدراء بسبب سطوة النخبة عليها، نفسها تحت المجهر بعد تلقيها طعونا تطلب إلغاء تعديلات قضائية تجريها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وهو ما يعني أنها ستصدر حكما يتعلق بصلاحياتها نفسها.
وتلقت المحكمة عددا من الطعون على تعديل قانوني أُقر يوم الاثنين في جلسة عاصفة بالكنيست، الذي يسيطر عليه الائتلاف الحاكم المكون من أحزاب قومية ودينية بزعامة نتنياهو.
ولا يفصل مقر المحكمة عن مبنى الكنيست في القدس سوى حديقة.
لكن بالنسبة لكثير من الإسرائيليين فإن المسافة بين المبنيين قد تكون كبيرة جدا. ويرون في حشد القضاء ضد السلطتين التنفيذية والتشريعية معركة من أجل مستقبل بلد يتسم بالاستقطاب السياسي والديني والعرقي وحتى الاستقطاب القائم على الجنس.
وقال عنوان رئيسي على موقع (واي نت) الإخباري الشهير "انفجار عظيم في المحكمة العليا" في إشارة إلى الشعور بحدوث تغير وجودي شامل.
وقالت المحكمة يوم الأربعاء إنها ستستمع إلى مرافعات في سبتمبر أيلول من نشطاء ينتمون لجماعة مراقبة سياسية والذين وصفوا التعديل القانوني الجديد في طعنهم بأنه "تغيير جوهري في البنية الأساسية للديمقراطية البرلمانية الإسرائيلية وشخصية الحكومة".
وندد أنصار التعديلات القضائية بتحركات المعارضين.
وقال يوجين كونتوروفيتش الباحث في منتدى كوهيلت للسياسات المؤيد للتيار المحافظ في القدس "لا يُطلب من المحكمة العليا أن تكون قاضية في قضيتها فحسب، بل يُطلب منها أن تقرر أن التعديل الدستوري غير دستوري".
وأضاف "ستكون حقا نهاية لأي ديمقراطية لها معنى".
وبدا أن وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، وهو من المقربين جدا من نتنياهو، يتجاهل سؤالا حول ما إذا كانت الحكومة ستمتثل لقرار المحكمة العليا لو كان ضدها.
وقال لشبكة سي.إن.إن "تخضع الحكومة دائما وتلتزم بسيادة القانون في إسرائيل لأننا - لدينا في إسرائيل (مبدأ) سيادة القانون. ما لا نملكه هو حكم القضاة".
وبدأت المواجهة تلوح في الأفق منذ التسعينيات عندما دعا رئيس المحكمة العليا أهارون باراك إلى توسيع نطاق القضايا التي يمكن للمحكمة أن تصدر أحكاما فيها في ظل غياب دستور مكتوب.
وشهد ذلك الوقت جهود صنع السلام مع الفلسطينيين التي عارضها الإسرائيليون الذين أرادوا الاحتفاظ بالأراضي المحتلة، كما شهد الحملة العسكرية لمواجهة أعمال العنف عندما انهارت المحادثات، ورأى المحافظون أن بعض تدخلات المحكمة كانت تميل نحو اليسار.
ومع عودة نتنياهو إلى السلطة في ديسمبر كانون الأول بعد فوز حاسم في الانتخابات، نفد صبر الحكومة من الإجراءات القضائية التي ترى أنها تقوض صلاحياتها.
وقال ديرمر "يوجد تدقيق كامل ولا يوجد توازن. هذه هي المشكلة التي عشناها في إسرائيل على مدى الثلاثين عاما الماضية".
وقوبلت مثل هذه الحجج باعتراضات من آلان ديرشوفيتز، وهو رجل قانون أمريكي بارز يتمتع بخبرة في النظام القانوني الإسرائيلي.
وخلال مقابلة في ديسمبر كانون الأول، وصف ديرشوفيتز القضاء الإسرائيلي بأنه "جوهرة... يحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم" نظرا لاستقلاليته.
وقال إن واجب المحكمة العليا هو التصدي لنفوذ الأغلبية.
وفي حزب ليكود، الذي يتزعمه نتنياهو ويستمد دعمه الرئيسي من اليهود الشرقيين المنحدرين من أصول شرق أوسطية والذين يشكون من سوء أوضاعهم، يوجد استياء من تشكيل هيئة المحكمة الذي يغلب عليه اليهود الأشكناز، أو يهود أوروبا، على الرغم من أن اثنين من القضاة من مستوطنات الضفة الغربية التي تمثل خمسة بالمئة فقط من سكان إسرائيل.
وقال دافيد أمسالم، وهو عضو في مجلس الوزراء ويشغل منصبا بوزارة العدل، في مقابلة تلفزيونية في أبريل نيسان "المحكمة العليا عبارة عن طغمة". وطالب بمحاكمة إستر حايوت رئيسة المحكمة العليا بسبب ما وصفه بتواطؤها في محاولة للانقلاب.
وفي العام الماضي، قال أمسالم في خطاب ألقاه في الكنيست إن حايوت "تكرهه" هو وآخرين من عائلات مغربية مهاجرة. ونفت ذلك في خطاب مفتوح، وأعربت عن أسفها لهذا الادعاء، مشيرة إلى أنها ولدت لأبوين ناجين من المحرقة النازية (الهولوكوست) في معسكر مؤقت.
ومع احتدام الأزمة، عينت حايوت حراسة شخصية مسلحة لها. وكذلك فعلت المدعية العامة جالي باهراف ميارا التي عارضت خطة التعديلات القضائية.
وأصدرت باهراف ميارا يوم الثلاثاء رأيا قانونيا مؤيدا لدعوى طعن منفصلة أمام المحكمة العليا من المقرر النظر فيها الأسبوع المقبل. وتطعن الدعوى على تعديل تتبناه الحكومة لقانون شبه دستوري يحد من شروط عزل رئيس الوزراء من منصبه.
ويشعر بعض النشطاء المناهضين للحكومة بالقلق من صعود الأحزاب السياسية اليهودية المتشددة التي يهيمن عليها الذكور. وأضاف أمسالم لتلك المخاوف في خطاب أمام الكنيست الأسبوع الماضي حينما اتهم باهراف ميارا "بوضع المكياج ووضع بكرات في شعرها" بدلا من التعامل مع الاحتجاجات على التعديلات.
وأشادت ميراف ميخائيلي، رئيسة حزب العمل المنتمي لتيار يسار الوسط، بحايوت وباهراف ميارا لأنهما تحميان النساء "باسم القانون".
(تغطية صحفية آري رابينوفيتش ودان وليامز ومعيان لوبيل - إعداد محمود رضا مراد للنشرة العربية - تحرير محمود عبد الجواد)