ذكرت مجلة “الإيكينوميست” في تقرير لها أن العاصمة الجديدة إحدى المشروعات العملاقة التي يأمل الرئيس عبد الفتاح السيسي أن تجذب الاستثمارات الأجنبية وتعزز التعافي الاقتصادي وإعادة الفخر لبلاده بعد سنوات من الاضطرابات التي دمرت الاقتصاد، وستوفر دول الخليج الجزء الأكبر من تمويل العاصمة الجديدة، ولكن رغم ترحيب بعض المستثمرين بالمشروعات الكبرى، فهناك العديد من المشروعات الكبرى التي فشلت مصر في إنجازها كما أن تلك المشروعات قد تصرف انتباه الحكومة عن إعادة هيكلة الاقتصاد الراكد والنظام البيروقراطي.
وعلى الرغم من أن العاصمة الجديدة قد تخفف من مشكلة الازدحام في القاهرة، التي من المتوقع أن يصل عدد سكانها إلى 40 مليون نسمة مطلع عام 2050، فإن مشروع العاصمة الجديدة مملوء بالأفكار المبالغ فيها مثل حديقة مساحتها أكبر مرتين ونصف من الحديقة المركزية في مدينة نيويورك الأمريكية وستحتوي أيضًا على حديقة “ملاهي” مساحتها أكبر 4 مرات من ديزني لاند، ومن نواحي عديدة، فالعاصمة الجديدة ستشبه دبي، التي يساوي فيها الناتج المجلي الإجمالي للفرد عشر مرات الناتج الإجمالي للفرد في مصر، كما يهدف مشروع العاصمة الجديدة إلى توفير مليون منزل جديد، ولكن من غير الواضح كم ستكون تكلفتهم أو من سينفق على بنائهم.
وأوضحت المجلة أن هناك علامات على أن السيسي لا يتعلم من أخطاء القادة السابقين، الذين اعتمدوا أيضا على المشروعات العملاقة لحل المشكلات الاقتصادية والديمغرافية في البلاد وكانت نتائجها كارثية، وأكثر تلك المشروعات شهرة هو مشروع توشكى في الصحراء الغربية الذي كان يأمل الرئيس الأسبق حسني مبارك أن تكون محورا لوادٍ جديد باستخدام المياه التي يتم ضخها من بحيرة ناصر، ولكن لا يزال ذلك المشروع حتى اليوم أغلبه صحراء بسبب سوء التخطيط والقيادة غير الجيدة، ولكن السيسي يريد إحياء ذلك المشروع وضخ الأموال في مدن أخرى سيئة التخطيط.
ويعتقد البعض أن مصر يجب أن تسعى وراء تحقيق أهداف أكثر تواضعا، ولكن محمد الكومي، أستاذ بالجامعة الأمريمكية في القاهرة، قال إن إصلاح تسرب الأنابيب والحفر في القاهرة لن يفتح خزائن الخارج، ومن وجهة نظر متفائلة، فإن الاستثمارات ستعزز النمو وترفع العائدات الضريبية، مما سيمكن الحكومة من الإنفاق على نحو أفضل على الخدمات الإجتماعية، وقال عمرو العادلى لدى معهد كارنيجي للشرق الأوسط، إن الحكومة ليس لديها خطة لتعميم فوائد النمو، كما أنها تبحث عن مصدر الإلهام في دبي في حين أن الهند قد تكون هي النموذج الأكثر ملائمة بالنسبة لمصر نظرا لحجم البلاد ونسبة الفقر بها.
ويعد مصدر القلق الأكبر هو أن تلك المشروعات العملاقة سوف تصرف انتباه الحكومة عن إصلاحات هيكلية أوسع، والسيسي استطاع إحراز تقدم في هذا الصدد، إذ قام برفع الدعم عن الوقود والحد من العجز في الميزانية، وجعل الاستثمار أسهل، ولا يزال هناك الكثير من العمل، فالبيروقراطية المتضخمة وغير الفعالة تجعل الأمور صعبة بالنسبة للشركات، وتلتهم الجزء الأكبر من الموازنة، التي من المفترض أن تذهب للعليم والصحة والأبحاث، وتحتل مصر المرتبة 119 في مؤشر القدرة التنافسية العالمية الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
بالاضافة إلى ذلك، فإن هيكل القطاع الخاص في مصر يعني أن النشروعات العملاقة التي أطلقها السيسي لن تكون المنشط الأفضل للاقتصاد، وقد يكون هناك بعض الوظائف في شركات الإنشاء ولكن الفوائد الرئيسية ستعود على الشركات الكبرى المهيمنة في مصر وشركات الخليج التي تتبع استثمارات حكوماتها، في حين ستترك غالبية الشركات المتوسطة وصغيرة الحجم على الهامش، ورغم أن تلك الشركات توظف الجزء الأكبر من العمال المصريين، فإنها تفتقر إلى الوصول لرأس المال وتحصل على دعم ضئيل من قبل الحكومة.