من نوح براونينج ونضال المغربي
الشجاعية (قطاع غزة) (رويترز) - نزح آلاف الفلسطينيين المصابين بالهلع إلى شوارع مدينة غزة يوم الأحد فرارا من قذائف إسرائيلية أمطرت الرعب والموت على ضاحيتهم التي تحفها الأشجار.
وتشبثت الأمهات الباكيات بأطفالهن الملفوفين بأغطية وسار صبية صغار حفاة وحمل الآباء القلقون أطفالهم الصغار في حي الشجاعية.
وركبت بعض الأسر عربات تجرها الحمير وتكدسوا في سيارات. وجلس سبعة أشخاص في شوكة جرافة ضخمة تسير بهم ببطء خروجا من الدخان والدماء المراقة.
وملأت جثث مشوهة لرجال ونساء وأطفال المشرحة في المستشفى الرئيسي في غزة بينما أفادت أنباء أن جثثا أخرى ما زالت تحت الأنقاض في منطقة الشجاعية الواقعة على الأطراف الشمالية الشرقية لقطاع غزة.
وقال أحمد منصور (27 عاما) وهو ممدد على بطنه بينما كان ظهره وذراعه يقطران دما على محفة المستشفى "لقد قتلوا شعبنا.. بل قصفوا شعبنا وهم يغادرون منازلهم. أي نوع من البشر يمكن أن يفعل ذلك؟"
وقال مسعفون إن أكثر من 60 شخصا قتلوا في الهجوم الذي جاء في اليوم الثالث عشر لحملة عسكرية إسرائيلية هدفها وقف إطلاق الصواريخ التي يطلقها نشطاء فلسطينيون بشكل متواصل على جنوب ووسط إسرائيل.
وقال عامر الصقالي وهو والد لعشرة أطفال يمسك بيد ابنه الصغير "هل رأيت ما تفعله إسرائيل بنا؟ هل ترى كيف تسمح القوى العظمى في العالم لها بمهاجمة المدنيين دونما تمييز والآن لم يعد لدينا شيء... هم يعتقدون أنهم فوق القانون ومسموح لهم بأن يفعلوا ما يحلو لهم."
وسار الصقالي صوب وسط غزة أملا في أن يجد الملجأ والهدوء.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه حث جميع أهالي الشجاعية على ترك المنطقة قبل يومين متهما نشطاء حماس بإطلاق 140 صاروخا من تلك المنطقة منذ الثامن من يوليو تموز وباستخدام المدنيين كدروع بشرية.
وأظهرت لقطات مصورة مهزوزة قدمها لرويترز أحد السكان جثثا مقطعة الأوصال بينها جثث لثلاثة أطفال ممددة في عرض الشارع بدا أنها قتلت بفعل القصف.
وتصاعد دخان أسود في الهواء في تذكير ماثل بحالة النزوح عن الشجاعية.
وقال سامح حمادة (40 عاما) وهو يسير مع زوجته وأطفاله دون أن يحملوا شيئا "كانت ليلة صعبة جدا.. قصف طوال الوقت.. كل دقيقة. أدركنا أخيرا أنه لا يوجد شيء يمكن فعله سوى الفرار."
وقاطعته زوجته وهي تبكي "كانت جثث وأوصال بشرية في الشارع."
وتوقفت مجموعة من الشباب عن السير للجلوس على زاوية في شارع حينما انطلق قصف مدفعي أصاب مبنى على بعد مربعين سكنيين ففروا على غير هدى.
وأظهرت صور فوتوغرافية من حي الشجاعية أكواما من الحطام على جانب الطريق بينما واجهات المباني مدمرة والنوافذ مهشمة بفعل قوى الانفجارات.
وتقول إسرائيل إنها لا تستهدف إلا المتشددين وإنها وجهت نداءات وتحذيرات إلى نحو نصف سكان غزة البالغ تعدادهم 1.8 مليون شخص تدعوهم لإخلاء أحيائهم المختلفة.
وطالبت حماس الأهالي بالبقاء في بيوتهم ويقول كثير من السكان إنه لا يوجد مكان يذهبون إليه. وحدود القطاع مع غزة ومصر مغلقة مما يعني أن الأهالي لا يمكنهم إلا التحرك في حدود القطاع الضيق.
ولاقى مستشفى الشفاء المكتظ بالحالات بعد 13 يوما من العنف صعوبات شديدة في التعامل مع هذا السيل الجديد من القتلى والمصابين. وكانت ثمة جثتين لامرأتين محروقتين ممددتين على الأرض إلى جانب طفلين بلا رأس وثالث مشطور إلى نصفين.
وأحضر أسطول من سيارات الإسعاف الضحايا ومنهم جثة صحفي يرتدي الدرع الواقي الأزرق وبدت عليه كلمة "صحافة" بخط كبير. وحمل إلى المستشفى أيضا جثمان مسعف يرتدي الملابس الخضراء المميزة.
وفي جناح العلاج من الصدمات لم يكن هناك مكان يضع فيه الأطباء كل المصابين.
وقال طبيب امتنع عن ذكر اسمه "لا يمكننا تقديم المساعدة.. هؤلاء المصابون يموتون.. نحن نحاول إجراء عمليات لهم.. ولكن أيا كان ما نفعله.. سيموتون أيضا."
(إعداد سيف الدين حمدان للنشرة العربية- تحرير حسن عمار)