من داليا نعمة
القاهرة (رويترز) - تكاد لافتات المرشحين للانتخابات البرلمانية المصرية تحجب الناخبين أنفسهم في شوارع القاهرة وغيرها من المدن.. لكن بائع الصحف أحمد السيد محمد أفسح بالكاد مكانا للافتاته في الكشك الذي يملكه بين الكتب والمجلات والجرائد لتعلن بتواضع أن صاحبها يخوض الانتخابات لثالث مرة في ثلاثة عهود رئاسية.
"أنا متعهد صحف أتعامل مع كل فئات الشعب من الغفير للوزير.. وحاسس بهموم البواب والطبقة المتوسطة والرفيعة." بهذه الكلمات يقدم محمد المرشح المستقل نفسه لناخبيه في دائرة مدينة نصر بشمال شرق العاصمة رافعا شعار "شباب مصر.. سر نهضتنا".
وستجرى المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب يومي الأحد والاثنين بينما تجرى للمصريين في الخارج يومي السبت والأحد.
لا يمكن للجالس مع محمد أن يعتقد أنه مجرد بائع صحف بسيط مثل أقرانه أو أن يستخف بطموحه ويعتبره من شطحات خيال رجل يريد أن يقارع الكبار في حلبتهم.
محمد حاصل على شهادة متوسطة (دبلوم زراعة) عام 1996 ويدرس حاليا في كلية التجارة جامعة القاهرة في التعليم المفتوح. وورث مهنة بيع الصحف من أبيه ويصف نفسه بأنه من عائلة تعشق "رائحة الورق والكتب".
وبلكنة أهل الصعيد يقول عن دعايته الانتخابية البسيطة "كل برغوت على أد دمه.. واحنا بنحاول على أد ما نقدر بين رجال الفساد والمال السياسي."
ويضيف "لكن طبعا يمكن رؤية اللافتات المنتشرة بكثافة والمبالغ الطائلة المصروفة عليها. لو جمعوا أموالها لبنت مدينة بأكملها لأنها ملايين" مذكّرا بأن اللجنة العليا للانتخابات حددت مبلغ 500 ألف جنيه حدا أقصى للدعاية الانتخابية للمرشح الواحد.
ويقول إن اللجنة العليا للانتخابات "لا حس ولا خبر وعاملة ودن (أذن) من طين وودن من عجين."
ويدافع مرشحون عن الإنفاق الضخم على دعايتهم بالقول إن أنصارهم يجاملونهم بأنواع مختلفة من الدعاية بينها رفع لافتات وطبع ملصقات ونشرات.
رشح محمد نفسه للمرة الأولى للانتخابات عام 2010 عن فئة العمال قبل الإطاحة بالرئيس الأسبق حسني مبارك "عشان كان فيه ظلم وفساد ولقيت الشعب حقه مهدور. عضو مجلس الشعب لازم ينوب عن الشعب ويتكلم بلسانه ويجيب حقه.
"الناس تمنحه صوتها حتى يحصل لها على حقوقها ويشرّع قوانين في صفها لكن الوضع كان مختلفا تماما."
وعضو مجلس الشعب بالنسبة لمحمد "هو واحد مننا" يجب أن يخدم ناخبيه لا أن يفتح مكتبا "هايلايف" بعد فوزه ويوظف "اتنين بودي جارد" ولا يقابل أحدا.
وأضاف "لو وقعت مشكلة وقصدت النائب يستقبلني البودي جارد ويأتيني بعصير وسندوتش ويطلب مني تقديم طلبي في اليوم التالي."
وتابع محتدا "عضو مجلس الشعب يقول لي بهذا التصرف إني جعان وهذا في حد ذاته ظلم ويؤثر في نفسية الناس. أنا مش عايز منك كنائب توكلني أو تشربني انا عايزك تحمي مجال عملي وتشوف مصالح الدايرة."
* صوت الفقراء
يرى محمد أن من المشاكل الرئيسية التي تعاني منها دائرته وجود مناطق عشوائية ذات كثافة سكانية كبيرة "والناس غلابة يستخدمهم بعض رجال الأعمال وأصحاب النفوذ ويدخلون بيوتهم بالسكر والزيت والفلوس ويأخذون أصواتهم. وبالتالي تتحكم هذه المناطق بمدينة نصر التي يسكنها سياسيون وكتاب ومثقفون لأنها ذات أصوات كثيرة قابلة للشراء."
وأضاف محمد "لهذا نجد بعض الناخبين لديهم تذبذب وتردد في المشاركة وكل واحد يسأل نفسه لماذا أشارك ما دام صوتي لن يأتي بنتيجة؟"
لكن محمد يأبى التسليم بالأمر الواقع ويقول "نحاول إقناع الناخبين بأن الوضع سيتغير ونقنع الناس الفقيرة بأن من يعطيك مئة جنيه يشتريك ويسلب حقك وعندما تحتاجه بعد ذلك وتقصده سيقول لك لقد قبضت حقك مقدما."
وعن هموم العمال الذين سيقع على كاهله نقل معاناتهم ومشاكلهم إلى الحكومة إذا فاز بعضوية البرلمان قال "يجب ربط الأجور بالأسعار. الأسعار ترتفع كل يوم والمرتب كما هو. ما فيش عدل.
"كيف سينتج العامل ومرتبه لا يكفيه ويكفي أسرته؟" مشيرا إلى أن عدم كفاية المرتب تدفع المواطن لشغل وظيفة ثانية تؤثر على أدائه في عمله الأساسي.
وتوقع محمد أن يشارك في الانتخابات في دائرة مدينة نصر 50 ألفا فقط من أصل 505 آلاف ناخب مشيرا إلى نسبة المشاركة في المرحلة الأولى من الانتخابات الشهر الماضي والتي بلغت نحو 23 في المئة.
وكانت المرة الثانية التي رشح فيها محمد نفسه في الانتخابات في 2011 بعد الانتفاضة التي أطاحت بمبارك وشهدت إقبالا كبيرا أعطى الإسلاميين أغلبية المقاعد.
ويبدي اليوم كثيرون عزوفا عن المشاركة في الانتخابات لأن وجوها من عهد مبارك ظهرت فيها وباتوا لا ينتظرون من البرلمان الجديد تحقيق أهداف الانتفاضة "عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية".
يقول محمد "الناس لا ترى عضو مجلس الشعب الذي تنتخبه فلماذا ستقف في الطابور من أجله أو من أجل غيره؟"
وعما إذا كان سيتمكن من رفع صوت ناخبيه من الفقراء والعمال في المجلس الجديد كما يعد قال "صوت الحق لا يخفت وصاحب الحق قلبه قوي وصاحب الكف النظيفة قلبه قوي."
ويشكو محمد من أن المرشحين من رجال الأعمال والأغنياء هم من يظهرون على شاشات التلفزيون دون غيرهم وطالب بفرض معايير موحدة. وقال "يجب على الإعلام أن يسلط الضوء على كامل الواحد والستين مرشحا بالتساوي" مشيرا إلى عدد المرشحين في دائرة مدينة نصر.
وقبل أن يبصر البرلمان الجديد النور وسط تحديات سياسية بالغة يعلق محمد بنبرة متفائلة..
"أنا متفائل لان مصر بخير وشعبها طيب وهي حتنهض.. بكرا تشوفوا".