القاهرة (رويترز) - في ديوانه الجديد (من رائحة الفراق) يرتحل الشاعر العراقي المقيم في الدنمرك سليم العبدلي وراء أحلامه وأشواقه إلى الحرية والأمن فيكتب عن مدن أحبها دون أن تفارقه بغداد التي كان اسمها "مدينة السلام" حين جعلها أبو جعفر المنصور عاصمة للدولة العباسية عام 710 ميلادية.
ففي كوبنهاجن التي "تناهت في الصغر" يجد الشاعر هذا الأمان ولكنه تحت وطأة شتاء يعقبه شتاء آخر يحول بين الشمس والمدينة لا يجد مفرا من وصف المدينة قائلا "سلبتني هذه المدينة-حرية التنفس-بعد أن أغوتني بالأمان".
وفي تاج محل الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان بمعنى "ملك الدنيا" ضريحا لزوجته ممتاز محل يجد الشاعر نفسه وسط زحام من القادمين إلى "بيت الحب... لأشهد بدء الطواف-كان العشب يركع-ودموع النوافير تغني لحن الفراق-منذ أن شيعت ممتاز محل إلى عرش المرمر" الذي شيد به تاج محل.
وديوان (من رائحة الفراق) الذي يقع في 93 صفحة متوسطة القطع أصدرته دار الأدهم للنشر والتوزيع في القاهرة.
ويبدأ الديوان بقصيدة عنوانها (بغداد - دار السلام) بتساؤل الشاعر عن قصد المنصور حين أطلق على بغداد "دار السلام" وهي المدينة التي فيها "أجهض السلام... وغدوت دار للعنته-يتناوب الأسياد عليك-وبلون الحرب يتبدلون".
وفي ايجاز تورد القصيدة مظاهر عنف لازم تاريخ المدينة ومن ضحاياه المتصوف الشهير الحسين بن منصور الحلاج الذي صلب "على الجسر" في عهد الخليفة المقتدر عام 922 ميلادية وكان ذلك الحادث جزءا من السيرة الدامية للمدينة منذ نشأتها.
فيقول الشاعر إنه ما ان توفي هارون الرشيد عام 809 ميلادية "حتى شرع ولداه في الاقتتال" في إشارة إلى صراع ابنيه محمد الأمين "ولي العهد" وعبد الله المأمون الذي حاصر بغداد وقتل أخاه الأمين عام 813 ميلادية واستولى على الحكم.
والعاصمة السورية أيضا لا يجد الشاعر فيها الأمان المفتقد في بغداد حيث يقول في قصيدة (دمشق) مخاطبا إياها "أبدلت بني أمية بالبعث-والبعث سيعقبه السلف-الكل أولادك-غير الشرعيين. كلما اشتقت إليك-لعنت لحظة الدخول من بواباتك-فحراسك ما زالوا لا يؤتمنون".
وفي قصيدة (الإسكندرية) المصرية ما يشبه المديح لتاريخها والإعجاب بحضارات تعاقبت عليها.
حتى لو كان بعض آثار تلك الحضارات من صنع الغزاة الإغريق إلا أن الإسكندرية في رأيه كانت مثالا للتنوع والتعدد والتسامح إذ "أخرجت من رحمها الحضارات... على شاطئك تزاوج فرعون مع إيثاكا... تتبدل الأديان فيك ولا تتبدلين".
ولكن العبدلي في الأراضي الفسطينية لا يتوقف أمام مدينة بعينها بل تحمل قصيدته عنوانا جامعا هو (فلسطين) ويشده الحنين إلى أزقة القدس وحيفا والخليل ويستحضر بعضا من أبرز شعرائها ومنهم محمود درويش وسميح القاسم وفدوى طوقان.
ومن الدهشة والعجب يقول.. "أعجب.. أنحني لشعب أهمل تاريخه-واعتنق جغرافية المكان. تحدثني فدوى عن أهلها وتقول: أتعلم أن الفلسطينيين لا يموتون بمرض القلب-منذ أن أرغموا على هجر أرضهم-باتوا يزرعون الوطن-في قلوب أطفالهم".