استطاعت العملات الرقمية cyrptocurrencies أن تحدث صدى واسع حول العالم وتلفت أنتباه الناس نحوها, بل واصبحت تعتبر ثورة جديدة قادمة وبقوة لا يمكن تجاهلها او الوقوف أمامها, فقد أثبت أن لها قدرة فعالة على خدمة البشرية من خلال ما تمتلكه التقنية التي تقوم عليها هذه العملات (تقنية Blockchain) من سمات ومميزات تستطيع من خلالها أن تقدم حلولاً ناجعة للكثير من المشاكل التي يعاني منها العالم.
غير أن هذه العملات أصابها حمى المضاربة وأسهم في حدوث تحركات جنونية في أسعارها, الأمر الذي استدعى دول عظمى لاتخاذ اجراءات من شأنها حماية المستثمرين من خلال تنظيم سوق العملات الرقمية.
لسنا هنا بصدد الحديث عن التقلبات في أسعار العملات الرقمية, بل سأركز في حديثي هنا حول الاستراتيجية المناسبة للاستثمار في العملات الرقمية (لمن اتخذ قراره بالفعل للاستثمار في العملات الرقمية).
يمكنني القول بأن هناك استراتيجية (مثلى) يمكن اتباعها للاستثمار في العملات الرقمية قائمة على ثلاثة محاور, لكل محور ميزاته, وبالتالي فإن اتباع هذه الاستراتيجية سيضمن تقليل مخاطر الاستثمار في العملات الرقمية إلى أدنى حد ممكن (أي تحقيق هدف المستثمر الرشيد المتمثل بتحقيق أعلى عوائد بأقل مخاطرة).
لكن يجب الإشارة أولاً إلى نقطة مهمة للغاية كما يلي:
الاستثمار في سوق العملات الرقمية يتصف بمخاطر عالية نظراً للتقلبات الكبيرة في أسعارها, لذا فإنه يتوجب على المستثمرين أن يعوا بأن توظيف كل مدخراتهم في سوق العملات الرقمية أمراً غير سليم, فالاستثمار يقوم على مبدأ مهم وهو التنويع diversification, وبموجب هذا المبدأ فإن المستثمر الرشيد يسعى إلى تنويع استثماراته بحيث يقلل من تعرضه للمخاطر غير المنتظمة, ونظراً للمخاطر العالية التي تتصف بها سوق العملات الرقمية لذا فإنه من المناسب أن لا تزيد استثماراتك عن المبلغ الذي يمكنك تحمل خسارته.
الآن دعونا ننظر إلى الاستراتيجية المثلى التي يمكن اتباعها للاستثمار في العملات الرقمية, هذه الاستراتيجية يمكن تقسيمها إلى ثلاثة محاور أساسية, ومن خلال كل محور يمكن تحقيق أهداف معينة كما سنرى:
المحور الأولى: التعدين Mining:
إن من أهم الأمور التي تبعث بقلق المستثمرين المتحفظين هو أن العملات الرقمية مجرد عالم افتراضي يصعب معه وجود الأمان الكافي لاستثماراتك, ففي لحظة ما يمكن أن تتبخر أحلامك ومعها رأسمالك وهو ما يدعو الكثيرين إلى تجنب الاستثمار في العملات الرقمية رغم ما حققته خلال السنوات الماضية من أرباح طائلة للعديد من المستثمرين الشباب ( بالعادة يتمتع الشباب بدرجة عالية لتقبل المخاطر), مع ذلك يمكن للتعدين أن يجحض هذه المخاوف.
التعدين باختصار هو عملية تشبه عملية التنقيب عن الذهب, من خلاله يمكن للمستثمر أن يحصل على العملات الرقمية عبر أجهزة حاسوبية بخصائص عالية تقوم بعملية ومعالجات حاسوبية عبر برامج مخصصة لذلك, ونظير ذلك يحصل المستخدم على العملات الرقمية.
وفق هذا المحور يمكن للمستثمرين الاستثمار في بناء واحد من هذه الأجهزة وتوظيفه في عملية التعدين للحصول على العملات الرقمية, وبالتالي فإن ذلك سيوفر الأمان الكافي لاستثماراتك, فأنت بذلك تستثمر مدخراتك في أصول ملموسة tangible assets لها قيمة حقيقية وهو ما يقلل من مخاطرة الاستثمار في سوق العملات الرقمية.
ويمكن أيضاً أن يعتمد المستثمرين على عوائد هذا المحور للاستثمار في العملات الرقمية عبر المحورين الآخرين.
المحور الثاني: بناء محفظة عملات رقمية مثلى:
قد يواجه الكثير من المستثمرين مشكلة الاختيار بين العملات الرقمية, فهناك المئات من العملات الرقمية مما يجعل الاختيار من بينها أمراً معقداً, كما أن الكثير من العملات الرقمية حققت في الماضي قفزات كبيرة في سعرها وهو ما يجعل من الاستفادة من تقلبات أسعارها مستقبلا امراً يخالطه بعض الشك, فمثلاً قد يعتقد الكثير بأن عملة البيتكوين غير قادرة على تحقيق ارتفاعات كبيرة في اسعارها كما فعلته في الماضي.
إن وجود المئات من العملات الرقمية لا يعني بأن النجاح سيكون حليفها جميعاً, بل يجب عليك كمستثمر دراسة العملات الرقمية لتقف على تلك العملات التي سيكتب لها النجاح لا محالة, وذلك من خلال مشاريعها, واسهاماتها, ومدى امكانية الاعتماد عليها في المستقبل, فيما يلي بعضاً من العملات التي أؤمن بأنه سيكتب لها النجاح في المستقبل:
عملة ريبل XRP: هي عملة استطاعت أن تثبت للعالم بقدرتها على خدمة المؤسسات المالية والمصرفية من خلال بروتوكولها, بل أن العديد من المؤسسات المالية العريقة حول العالم بدأت تدرس امكانية الاعتماد عليها.
عملة EOS : عملة ساهمت بتطوير تقنية البلوكتشين, ويعتبرها البعض بأنها الجيل الثالث من البلوكتشين, استطاعت أن تحل العديد من المشاكل التي تعاني منها عملتي بيتكوين وايثريوم وبالتالي فهي قادرة على اثبات نفسها أمام الكم الكبير من العملات الرقمية.
عملة كاردانو ADA: عملة رقمية استطاعت أن تقدم اسهامات بارزة لتقنية البلوكتشين من خلال تقديم ابتكارات بارزة كـ أوروبوروس و محفظة ديالوس, وبحسب موقع انفستينج, أنه من المتوقع أن يتم الاعتماد على تقنية أوربوروس في المستقبل وهو ما سيجعل هذه العملة مرشحة للصعود بقوة.
عملة بايننس BNB: هي عملة منصة بايننس, حيث تعد هذه المنصة واحدة من أنجح منصات العملات الرقمية وبالتالي فإن ذلك يعزز من نجاح عملتها, ومؤخراً أعلنت منصة بايننس عن عزمها على تقديم تقنية Binance Chain وهو ما أدى إلى ارتفاع سعرها بنحو 25% بعد هذا الاعلان.
وهناك الكثير من العملات الرقمية الواعدة, يمكن أن ندلكم على بعضها لتقوموا بدراستها ومعرفة مميزاتها التي تجعل منها عملات واعدة للاستثمار منها : LSK, XLM, IOTA, NEO, وغيرها.
إن البحث عن العملات الواعدة والاستثمار فيها هو أساس هذا المحور, وبالتالي فإن النجاح في بناء محفظة عملات رقمية مثلى سيضمن لك عوائد أفضل فيما لو استثمرت في العملات الرقمية بطريقة عشوائية.
المحور الثالث: الاستثمار في عملات لا تزال في مرحلة الاكتتاب ICO:
من الأمور المهمة التي يجب أن يعيها المستثمرين هو أن الاستثمار في عملة واعدة لاتزال في مرحلة اكتتابها أفضل من الاستثمار في عملة سبق طرحها للاكتتاب, فشراء العملة مبكراً سيضمن لك دفع القيمة الاسمية للعملة وليس قيمة تضاعفت بسبب تأثير المضاربة, لكن يجب عليك ان تكون دقيقاً في دراستك للعملات واختياراتك الأمر الذي يتطلب المتابعة المستمرة والدراسة المتأنية, فليس كل العملات الجديدة مكتوب لها النجاح!
من الجدير بالذكر بأنه من المناسب ان يتحلى المستثمرون برباطة الجأش أو كما يدعوه المستثمرون بـ HODL, ما عليك سوى بناء المحفظة المثلى, ثم التحلي بالصبر, فما تتعرض له العملات الرقمية من تقلبات نتيجة سعي الحكومات العالمية نحو تنظيم العملات يصب أولاً وأخيراً نحو حمايتك كمستثمر, لذا لا بأس من بعض التقلبات في أسعار العملات.
أعتقد أن اتباع هذه الاستراتيجية يعتبر أمراً حكيماً, فمن خلالها يمكنك تخفيض مخاطر الاستثمار في العملات الرقمية من خلال الاستثمار في اصول ملموسة لها قيمتها (المحور الأول) والتي من خلال هذه الأصول سيتولد لك عوائد دائمة على شكل عملات رقمية يمكنك استخدامها في بناء محفظة مثلى تضم عملات ناجحة (المحور الثاني) وكذا عملات واعدة (المحور الثالث). لكن لا ننسى بأن الاستثمار في العملات الرقمية يجب أن لا يتجاوز المبالغ التي يمكن أن تتحمل خسارتها.