تزايد التدقيق التنظيمي في عمليات الطرح الأولي للعملات المشفرة، مصحوبا بما حدث مؤخرا من انزلاق في سعر العملات المشفرة، خاصة خلال شهر مايو، جعل المستثمرين في حالة قلق من فئة الأصول تلك. في الواقع، انهت أكبر العملات المشفرة من حيث القيمة السوقية الشهر الماضي منخفضا انخفاض كبير، كان منها: (بتكوين)، وإيثيريم، كاردانو، NEO.
وأدى الانخفاض أيضا إلى توقف السوق، حتى مع حقيقة صعود بعض الرموز المشفرة للأعلى خلال شهر يونيو.
منذ بداية 2017، أصبح الطرح الأولي للعملات المشفرة هو الطريقة الأكثر شهرة لمشاريع سلسلة الكتل الناشئة لجمع الأموال. وسُجل خلال ذلك الوقت رقما قياسيا من عمليات الطرح الأولي، وأصبحت نسخة العملات المشفرة من الاكتتاب العام الذي يتم على الأسهم. بيد أن العدد تراجع كثيرا في الآونة الأخيرة، ويعزى ذلك لافتقار المجال للرقابة التنظيمية الكافية. بالإضافة، دفع الخوف من النشاط غير القانوني، أو الاحتيال الصريح المستثمرين للشعور بمزيد من القلق، ويحتمل أن هذا أدى إلى خنق الطلب على ما يتم يطرح من العملات، وكذلك أدى لانخفاض أسعار الرموز الموجودة في السوق.
قواعد تنظيمية تخاصم السوق، وتفتت المستثمرين
يعتقد شاني بريت، المدير التنفيذي لـ GECKO، أن هذا ما يحدث تحديدا. فبينما كانت هنالك زيادة هائلة في عدد العملات المشفرة المطروحة طرحا أوليا في 2018، مقارنة بـ 2017، ولكن يبدو أن السوق في حالة مبعثرة. يعتقد بريت أن ما يحدث له عدة أسباب، ولكن يتعلق أغلبها بحالة عدم التأكد المرتبطة بتعامل الحكومات والهيئات التنظيمية مع صناعة العملات المشفرة.
نظرت الهيئات التنظيمية سابقا للعملات المشفرة نظرة ملؤها الشك، وحاليا تتعامل تلك الهيئات تعاملا عنيفا مع عمليات الطرح الأولي. وأبدى عدد من محبي العملات المشفرة قلقهم بشأن طرق تعامل هيئات تنظيمية محددة مع العملات المشفرة، فتلك الهيئات "أساءت فهم تكنولوجيا سلسلة الكتل"، وطريقة تعاملها مع العملات المشفرة بها خصومة كبيرة؛ كما عبروا عن قلقهم من "إدخال قواعد تنظيمية غير مناسبة للعملية الإبداعية" مما قد يؤدي إلى وضع قواعد سيئة.
يعتقد بريت أن ما يحدث حاليا سببه زيادة مشكلات فئة الأصول الجديدة نسبيا. ولكنه، يعرض نظرية أخرى، بأن ما حدث مؤخرا سببه إقدام المستثمرين على شراء العروض الرخيصة، ومن ثم يحافظ هؤلاء المستثمرين على ما لديهم من أصول منتظرين أن يتحرك السوق عالي التقلب في صالحهم، وبالتالي يجنون أرباحا ضخمة.
"ما يزال قطاع العملات والرموز المشفرة والطرح الأولي في مرحلة الطفولة، فبالتالي لن سيتحدد شكل إطار العمل التنظيمي لتلك الأمور، ويتحدد شكل المعاملات في القطاع عندما يدخل القطاع مرحلة النضج، ولهذا الأمر أهمية بالغة.
ومن المحتمل أيضا أن المستثمرين التقليدين الذين يدخلون السوق الآن راغبين في الاستفادة من صناديق العملات المشفرة، يراهنون على التقلب العالي الموجود في السوق، وينتظرون أن يزداد ذلك التقلب بفعل الإعلانات التنظيمية، وبهذا يستفيدون من سوق الدببة. ولكن من المحتمل أن تقل حدة التقلبات في السوق، وذلك بسبب الالتزام بقواعد الطرح الأولي التنظيمية، وبسبب احتفاظ عدد أكبر من المستثمرين بما يملكون. وسيقلل ما سبق النمو الذي رأيناه سابقا في سوق العملات المشفرة."
يرى جابريل جيانكولا أن السوق يعاني من التفتت؛ جيانكولا هو المدير التنفيذي وأحد مؤسسي qiibee. فمن وجهة نظره، يعاني فضاء العملات المشفرة من الانقسام لمكونين، هما: هؤلاء الذين يؤمنون بتقدم السوق ككل، فيشترون ويتمسكون بما لديهم، آملين وصول السعر لأضعاف سعر الشراء. ويقف هؤلاء في مواجهة الذين يدخلون السوق سريعا ويخرجون منه سريعا بعد تحقيق أرباح معقولة، وليست هائلة.
"يضع بعض المستثمرين في اعتبارهم التقلب قصير المدى في السوق، فيدخلون في استثمارات قصيرة المدى، أو استثمارات الترند بناءا على رؤيتهم أو تحليلهم. فيحاول هؤلاء تحديد متى تحدث الضربة التالية أو السقوط التالي، ولهذا يستثمرون ويغادرون سريعا." وفق ما يقول جيانكولا.
يعتقد ريتشارد إتل أننا نشهد حاليا إنضاج للطرح الأولي للعملات المشفرة، وللسوق، فالصناعة تتطور، هذا بجانب الالتزام طويل الأمد من مستثمري العملات المشفرة كأحد شروط الشراء المبدئي.
"يتزايد عدد طارحي الرموز المشفرة المطبقين للسندات المؤجلة (lockups) مما يتسبب في زيادة فترة التمسك بالاستثمار. بالإضافة، يتزايد ابتعاد السوق عن "الاستخدام بأي كلفة"، وتزداد عدد الشركات التي توفر أرباح مالية للمساهمين في عمليات الطرح الأولي، ولحملة الرموز المشفرة."
ويعيد مستثمرو العملات المشفرة البديلة، والطرح الأولي النظر في حصص وتوقيت حقائبهم الاستثمارية. فيقول جون ليوتير، المدير التنفيذي لـ RightMesh، أنه وحتى الآن يستثمر الناس أموالهم في الرموز المشفرة، ويبحثون عن استثمار قصير المدى في ذلك القطاع. ويقارن ذلك التحول بطريقة شراء تجار التجزئة لسهم أو صندوق مشترك، ثم إعادة تقييهم لما لديهم مع واضع الخطط المالية لهم، على أساس ربعي أو سنوي.
يقول ليوتير بأن أغلب المشاركين في فئة العملات المشفرة الآن: "يعملون باستراتيجية المتداول اليومي. ويعتبر هذا الأمر حرجا بالنسبة لفهم بناء منصات التداول والبروتوكولات التي تتسم بالتعقيد ويلزم وقت طويل لفهمها، ومهارة لاستخدامها للنجاح على المدى الطويل."
هل السوق يتسم بالتقلب وعدم اليقين؟
ومن المحتمل أن فكرة شراء العملات المشفرة والاحتفاظ بها لفترة ما تزال فكرة غريبة لأغلب المشاركين في سوق العملات البديلة، الذي اعتادوا الشراء ومن ثم البيع. وهذا يصب في مصلحة كما يقول إيفيجيني يوراتييف، المدير التنفيذي لـ Zerion.
ما يجمع من رأسمال خلال عملية الطرح الأولي يذهب لتطوير تكنولوجيات معقدة، أو أفكار يلزمها وقت ليظهر أثرها، وفق ما يذكره يوراتيف. وعليه، فيصعب على الناس أن يحتفظوا بشيء أثره غير مثبت على المدى الطويل، راغبين في خدمات لا يعرفون قيمتها بعض. وهنا يكمن سر اختلاف عملية الطرح الأولي للعملات المشفرة عن الاكتتاب العام، فيوضح يوراتييف أن القواعد التنظيمية لأسواق المال تقلل عدد الشركات الصغيرة ذات المخاطرة العالية التي تطرح أسهمها.
لكن يدخل سوق العملات المشفرة الآن مستثمرون مهرة، ولا يرغبون في الربح السريع، فبالتالي من المتوقع أن نشهد تحولا في الاستراتيجيات والمدى الزمني للاستثمار كما يقول بافيل رويتبيرج، أحد مؤسسي Doctor Smart. ويعتقد رويتبيرج بأننا سنشهد تطورا في سوق العملات المشفرة، بسبب رغبة الحكومات حاليا في تنظيم بيئة الطرح الأولي، وإيجاد بعض القواعد يمكن استخدامها.
"تتكيف الأسواق الآن على متطلبات الهيئات التنظيمية المفروضة حديثا، أو تضع في اعتباره إمكانية سلك طرق أخرى. وأيضا، يغير المستثمرين طريقة تعاملهم مع العملات المشفرة، فبدلا من شرائهم كل ما يمكنهم شرائه، يصبحون أكثر حذرا في اختيارهم مشروعات استثمار المدى الطويل. فلو اشتروا الرموز، لا يقومون حاليا ببيعها كلها دفعة واحدة عندما تنتهي مدة الاحتفاظ بهمز وأخيرا، تتغير جغرافيا عمليات الطرح الأولي- فتنشأ المشروعات الجديدة من مصادر مختلفة، وكذلك المستثمرين."