في هذا العالم المتعب من ضجيج الحروب التجارية والتهديدات الحقيقية من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وادارته المحافظة يمكننا توقع أي شيء ويجب علينا ألا نؤكد عدم حدوث تطورات اقتصادية وسياسية كانت شبه غائبة سابقاً. لطالما قال الرئيس الأمريكي ترامب أن المكاسب القياسية للأسهم الأمريكية كانت بفضله , والحقيقة أنه لايمكن أن يشير فرد واحد بعينه لهذا الفضل لأنها حلقة مستمرة من التعافي الاقتصادي منذ أيام باراك أوباما حتى وصل الداو جونز الى مستويات 26700 ( أعلى مستوياته التاريخية ) نقطة مع بداية العام الحالي قبل أن يبدأ عمليات التصحيح والتراجع ( حالياً عند 24330 نقطة ) .
لايمكننا حقيقةً ان نتبنأ بردات فعل الادارة الأمريكية ولكن بالتأكيد الاقتصاد العالمي الذي قام على التجارة الدولية المفتوحة والعولمة على الطريقة الأمريكية لن يكون له نفس الأداء الايجابي بوجود قيود ورسوم وخاصة على ثاني أكبر اقتصاد في العالم ( الصين ) . أسواق السندات تقول بأن شهية المخاطرة ارتفعت طرداً مع ارتفاع مؤش الداو جوانز , ويبدو أن الايجابية كانت أكثر تأثيراً من رفع الفائدة الأمريكية فوصلت عوائد سندات الخزينة الأمريكية لعشر سنوات الى 3.10% قبل شهرين من الآن ( أعلى مستويات منذ عام 2011 ) قبل أن تتراجع مجدداً , الآن عند 2.88% .
حقيقةً يمكن القول بأن أسواق السندات لم تسعّر بعد مخاطر الحرب التجارية والتي قد لا نرى نتائجها الآن , وليس قبل سنتين . واذا لم ينجح ترامب برفع سوية الصناعة الأمريكية في الغرب الأوسط, واقناع المزارعين الأمريكين الذين بالمناسبة انتخبوه بجدوى اجراءاته سيكون لهذه العوائد موعد آخر مع التراجع . نحن لانتكلم عن أزمة سندات, ولكن عندما تكون العوائد على هذه المستويات المرتفعة مترافقة مع هكذا مخاطر سياسية وتجارية عندها ستكون السندات ملاذاً آمناً وقد نرى عوائداً اكثر تراجعاً كما أن هذه العوائد المرتفعة ستدفع البعض لبيعها وجني بعض المكاسب بعد أن كانوا قد اشتروها عند عوائد أدنى ( بمعنى عملية تداول عادية ) . البعض يقول بأن الصين قد تبيع جزءاً من سندات الخزينة الأمريكية لدعم اقتصادها أو لتضغط على ترامب وهذا سيرفع العوائد كما يقول البعض , ولكن الحقيقة أن هذا الموضوع بالذات أكثر تعقيداً والصين لن تبيع سندات أمريكية لتحصل على بعض السيولة فهي ليست شركة صغيرة أو مجرد حكومة مفلسة , كما أن هكذا قرار سيكون سياسياً بالكامل وأداة للمفاوضة مع الأمريكين. هذا الاجراء لن يرفع العوائد بل على العكس سيدفعها للتراجع وهذا بالتأكيد لن يكون أبداً ايجابياً لشهية المخاطرة أولاً , وللمؤشرات الأمريكية ثانياً .