لا تملك وسائل الاعلام الا أسلوب المبالغة في التعليق على الأحداث الاقتصادية الكبيرة. لابد لنا أن نشكر جيروم بأول رئيس الفيدرالي الأمريكي على خطابه يوم أمس حيث عادت من جديد لهجة رفع الفائدة من عدمها لتشغل الأسواق بعدد المرات أكثر من تركيزها على المعايير الاقتصادية الحقيقية. لم يكن كلام باول مفاجئاً في كلامه يوم ـأمس , كنا قد قلنا سابقاً أن إزالة جملة " السياسة المتكيفة " من خطابات الفيدرالي الأمريكي لا تعني بالضرورة الغاء هذه السياسة , بل على العكس تعطي الفيدرالي مزيداً من القدرة على المناورة.
لنتفق جميعاً , من غير المنطقي أن تبقى الأسواق تلاحق الفيدرالي الأمريكي لتترقب أخطاءه وعدد مرات رفع الفائدة الأمريكية أو اذا أضاف أو حذف شيئاً من محاضره التي يقدمها . كلام بأول يوم أمس لم يغير من حقيقة أن الفيدرالي سيبقى على رفع الفائدة تدريجياً وبسياسة نقدية تتماهى مع تطور الاقتصاد ونموه , هي ليست سياسة نقدية معدة سلفاً وليست مرتبطة بكلام ترامب أو رغبات ادارته . وصلت أسعار الفائدة الأمريكية حاليا الى مستويات 2.25% وهي الأعلى بين الاقتصاديات المتقدمة , اذا أخذنا الامكانية الكبيرة لرفع الفائدة الشهر القادم عندها قد ينتهي العام الجاري عند 2.50% وهي بمعايير الفيدرالي أقل من التوقعات ولكنها أفضل من بقية الاقتصاديات , لابد أن نوضح نقطتين هامتين :
أولاً , السياسة النقدية للفيدرالي ستبقى متكيفة , براجماتية وغير معنية الا بالأرقام الاقتصادية الأمريكية . اذا تراجعت معدلات التضخم , وبقي سوق الإسكان الأمريكي يتراجع ( تراجع يوم أمس بقوة بنسبة -8.9% خلال الشهر الفائت ) هذا يعني أنه ليس هناك من رفع للفائدة بغض النظر عن تعليقات الأسواق او توقعاتها .
ثانياً , لا نتوقع وكما قلناها سابقاً أن تكون مكاسب الدولار الأمريكي قوية مع بداية الربع الأول للعام القادم 2019 , وهذا يعني أن فرصة بقية العملات الرئيسية ( اليورو خصوصاً ) قد تكون ممتازة في المرحلة القادمة .
اذا راقبنا أداء عوائد السندات الأمريكية سنرى كيف تراجعت يوم أمس كما أنها خسرت خلا أسبوعين مستويات 3.22% لسندات العشر سنوات لتصل يوم أمس الى 3.01% وهذا تراجع يعتبر غير قليل في أسواق السندات. باعتقادنا أن عوائد السندات الأمريكية للعشر سنوات ستعود مجدداً الى ما دون 3% وسنرى مجدداً 2.82% وهذا سيكون في صالح المزيد من التصحيح على مؤشر الدولار الأمريكي .