المقال مترجم من اللغة الإنجليزية بتاريخ 29/1/2019
ترقب السوق بشوق فرض الولايات المتحدة عقوبات على صناعة النفط في فنزويلا، والآن تشرع الولايات المتحدة في تلك العقوبات. والذي لم يتضح بعض هو معنى تلك العقوبات بالنسبة للنفط الخام الثقيل الكبريتي الذي تستورده الولايات المتحدة من فنزويلا لاحتياجات تكرير وقود الديزل للمركبات وغيره من أنواع الوقود.
في بداية التداولات ليوم الثلاثاء، ارتفعت عقود النفط الآجلة للخامين: غرب تكساس الوسيط، وبرنت، وفاق مقدار الارتفاع نصف في المئة في سنغافورة. ولم تشهد الأسعار العالمية للنفط أرباحًا كبيرة، رغم أحاديث شركات الولايات المتحدة المفروض عليها حظر إزاء العمل مع شركة النفط القومية الفنزويلية PDVSA، حول تأثير العقوبات.
ويغيب عن المشهد أي صعود (رالي) له معنى، ويؤدي هذا إلى حدوث بلبلة في السوق، بسبب التراجع البالغ 3% الذي سجلته عقود غرب تكساس الوسيط وبرنت الآجلة يوم الاثنين. وإذا كان التعافي اليوم مساوٍ للتراجع يوم الاثنين، لكان هذا مُبررًا بالنظر إلى تراجع الخام الثقيل الكبريتي من السوق، والذي تحتاجه معامل التكرير الأمريكية في خليج المكسيك، وتعتمد على فنزويلا للحصول عليه.
عوامل مهدئة
ولكن في الوقت الحالي، يوجد عدد من العوامل التي تخفف وطأة العقوبات، وربما تمنع الثيران من الحصول على الأرباح المتوقعة من جانبهم والناتجة عن تلك الأزمة السياسية مع كاراكاس.
والعامل الرئيسي هنا هو مستقبل الاقتصاد العالمي، والذي يتدهور بصورة أسرع من تراجع العرض العالمي للنفط الذي خلقته الأوبك عن طريق تخفيض إنتاج الدول الأعضاء وغير الأعضاء، كما يذكر فيل دافيس، مؤسس PSW Investments في نيويورك.
جاء تراجع يوم الاثنين جراء انخفاض أرباح الشركات الصناعية الصينية في ديسمبر للشهر الثاني على التوالي، وضخم هذا من إشارات الضعف الصادرة من ثاني أكبر الاقتصادات العالمية، وأتى هذا التراجع مباشرة في أعقاب الصورة المستقبلية المظلمة التي رسمها صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي. وأصدرت الصين تقارير صرحت فيها بأن الاقتصاد ينمو بأبطأ خطى له على الإطلاق في 30 سنة تقريبًا. وأصدرت الشركات الأمريكية التي تصنع منتجات لها في الصين تحذيرات إزاء الأرباح، جاءت تلك التصريحات من: شركة (NYSE:كاتربيلر)، (NASDAQ:وإن فيديا).
تآكل الطلب
يضيف دافيس:
"ينتج كل ما يحدث(في السوق) من تراجع الطلب على النفط ككل، ابتداءًا من البنزين، مرورًا بالديزل، وأنواع النفط المستخدمة في إنتاج وقود تشغيل المركبات. ففي الولايات المتحدة، لم نر تنقلات سفر ضخمة في فترة الأعياد إلا بحلول يوم الذكرى، ويترجم هذا إلى تباطؤ عمل محطات البنزين. ولن يكون هناك أي عمل للشاحنات المختصة بإيصال هدايا الأعياد. لذلك، بينما يتراجع العرض من النفط الخام الثقيل الكبريتي المستخدم في صناعة الديزل، نرى أن الطلب على الديزل نفسه منخفض أكثر مما يلزم لحدوث صعود بعد تراجع في الأسعار."
لجأت السعودية وروسيا وغيرهما من الدول الأعضاء في الأوبك وغير الأعضاء إلى تخفيض الإنتاج، وصدر القرار في ديسمبر، ولكن السوق لم يعاني بعد من تراجع العرض.
قالت وكالة الطاقة الدولية في سبتمبر إن العرض العالمي وصل إلى رقم قياسي في أغسطس، ليقف عند 100 مليون برميل يوميًا. ووصلت مستودعات البنزين في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية الأسبوع الماضي، وحذر معهد البترول الأمريكي من أن تلك المستودعات "قد تصل إلى مستويات الأعباء،" وتزيد من الثقل الملقى على كاهل أسعار الضخ، التي تعافت من تراجع العام الماضي البالغ 40%، وذلك بالرغم من تعافي 15% في خام غرب تكساس الوسيط من بداية العام وحتى تاريخ اليوم.
فنزويلا قادرة على التصدير لدول أخرى
وأعلنت إدارة ترامب أنها تحظر استيراد النفط من شركة PDVSA، ولكن لا توجد أي قيود على بيع فنزويلا للنفط لدول أخرى. ويعني هذا أن حكومة نيكولاس مادوروا قادرة على إعادة توجيه نفطها الخام لدول أخرى؛ لم تعد واشنطن تعترف بتلك الحكومة.
عانت البلاد خلال عقد كامل من الزمن من سياسات الإفقار، وتراجع الاستثمار في الإنتاج، وعلى إثر وطأة تلك الفترة الزمنية تراجعت الصادرات النفطية إلى الولايات المتحدة من 1.2 مليون برميل يوميًا إلى أقل من 500,000 برميل يوميًا. ويشكل هذا أقل من 10% من صادرات الولايات المتحدة، التي تقف ما بين 5 مليون برميل، و8 مليون برميل يوميًا للأسبوع.
تعتمد معامل التكرير الأمريكية في خليج المكسيك بقوة على النفط الفنزويلي، واستمر هذا الاعتماد لسنوات، ومن ثم حاولت التحول إلى النفط الخام الخفيف اللاكبريتي، ودرجات النفط المتوسطة، في ظل تراجع عرض أنواع الخام الكبريتية، لانخفاض الإنتاج من المكسيك، ومؤخرًا لانخفاض الصادرات من الأوبك. ومن بين أكبر مستوردي النفط الفنزويلي في الولايات المتحدة: فاليرو إنرجي كورب (NYSE:فاليرو)، (NYSE:وشيفرون)، وCitgo.
وأدت صعوبة الحصول على أنواع النفط الثقيلة إلى ارتفاع الفارق السعري بين أنواع النفط الكبريتي، مارس بليند، وخام غرب تكساس الوسيط الأسبوع الماضي.
وتعد كندا أكبر مزود للولايات المتحدة بمختلف أنواع النفط، ولديها ما يكفي من النفط الخام، ولكنها لا تستطيع تصديره بسهولة لمنطقة الخليج، بسبب فقر خطوط الأنابيب.
بدائل مبتكرة
يمكن لدول مثل: العراق، وكولومبيا، والمكسيك أن تعيد توجيه أنواع خليط النفط الثقيل إلى الولايات المتحدة، في حال حاولت فنزويلا بيع نفطها الثقيل إلى العملاء الآسيويين، لمواجهة الحظر الأمريكي.
ويثبت هذا شيء واحد: يمكن لمعامل التكرير العمل في ظل العقوبات إذا لجأت إلى بعض التفكير والتخطيط.
تمثل الرابطة التجارية لمصنعي البتروكيماويات والوقود الأمريكي 95% من قطاع التكرير، والآن تصدر إشارات ترمي إلى اللجوء لحلول ابتكارية، بعد تجنبها لمعارضة قرار العقوبات، وفي السابق كانت تمارس ضغطًا عبر جماعات ضغط لمنع فرض أي عقوبات على النفط الفنزويلي.
وأخيرًا وليس آخرًا: ترامب
وبالنظر لوفرة البنزين في الولايات المتحدة، فمن غير المحتمل أن ترتفع أسعار جراء العقوبات.
وبالتأكيد، سيتغير كل هذا لو ظل مادوروا في السلطة أطول من المتوقع، وأعاق صعود قائد المعارضة، خوان غوايدو، للسطلة، وتعتبر واشنطن قائد المعارضة رئيس فنزويلا.
ويعرف السوق جيدًا وجهة نظر ترامب في مسألة ارتفاع أسعار النفط، فإذا حدث وارتفعت العقود الآجلة بسبب الأزمة، ستصدر إدارة ترامب عدد من الاستثناءات الجديدة للنفط الإيراني، لتخفيض السعر في السوق، كما فعلت العام الماضي.
يقول دافيس:
"من بين ألغاز سوق النفط، يظل ترامب هو اللغز الأكبر، فنعجز معرفة ما هو قادر على فعله."